في وداع مُجمع التحرير: تخبط ومصير مجهول.. واستعدادات لإخلائه
كتبت- ندى الخولي:
في تمام التاسعة صباحًا، وقفت لميس حسن، وهي لبنانية متزوجة من مهندس مصري، أمام بوابة قسم الجوازات بالطابق الأول بمجمع التحرير، تنتظر أن يأتي الضابط الذي أرشدها إليه ضابط آخر، أراد أن يُسهل عليها مشقة تجديد جواز السفر، والحصول على إقامة لمدة عام.
تلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها لميس، مجمع التحرير، وكانت تعرفه فقط من خلال فيلم "الإرهاب والكباب".
تقول، بعد أن اصطدمت بعقبات روتينية: "من أول ما دخلت المجمع، وأنا بفتكر الفيلم وأحداثه.. جيت علشان آخد إقامة على جواز سفري بعد زواجي من مهندس مصري سبقني إلى جدة، على أن أنتهي من تجديد الباسبور ووضع الإقامة عليه، وألحقه".. تبتسم: "واضح إني هاجي تاني كتير".
مجمع التحرير لا يخدم المصريين فقط، فالوقوف في ساحته الخارجية المطلة على ميدان التحرير، لمدة عشر دقائق فقط، كفيلة أن تتعرف فيها على ملامح جنسيات عربية وأجنبية مختلفة، وتستمع للهجات عدة، وتطالع علامات تعجب واستنكار ودهشة سعادة على وجوههم.
أما محمود عارف، طبيب صيدلي مصري، في أوائل الثلاثينات، فجاء للمجمع لإصدار جواز سفر مصري لابنه المولود خارج مصر، ثم حوله الموظف لسجل مدني العجوزة، حيث يقطن بالمهندسين. وفي سجل العجوزة، أعاد موظف توجيهه لمجمع التحرير لاستكمال بعض الأوراق. فعاد للمجمع من جديد.
التقاه "مصراوي" في زيارته الثالثة للمجمع في غضون أربع ساعات، قبل أن ينهي إجراءاته كاملة، ويتوجه للمرة الأخيرة لسجل العجوزة؛ ليودع فيه كل الأوراق في انتظار موعد الاستلام.
مشاهد إلى زوال، لن يكون لها وجود بعد تاريخ 30 يونيو 2017، حيث انتهاء العد التنازلي لإخلاء المبنى من كافة موظفيه، ونقل مكاتبهم إلى أماكن بديلة.
كانت محافظة القاهرة، قد قررت إخلاء مجمع التحرير من الجهات والإدارات والهيئات الحكومية التي تشغله؛ للاستفادة منه، وإعادة توظيفه بالشكل الذي يليق بطبيعة المكان وأهميته التاريخية والجغرافية.
المجمع، قام بتصميمه محمد كمال إسماعيل عام 1951، على هيئة قوس شاهق، كمبنى إداري لإدارات مختلفة، يضم تسعة آلاف موظفًا حكوميًا، تكلف إنشائه قرابة 2 مليون جنيه آنذاك، وتم بنائه على مساحة 28 ألف متر وارتفاعه 55 مترًا.
كيف سيتم الاستفادة منه، وما طبيعة إعادة توظيفه، وهل سيتم الإبقاء على المبنى؟ أسئلة أجاب عليها نائب محافظ القاهرة، اللواء محمد أيمن عبد التواب، في حديثه لـ"مصراوي"، أكد فيه أن "المبنى سيبقى كما هو، فقط سيتم إخلاؤه"، مشيرًا إلى أنه لم يتم الاتفاق بعد على إعادة توظيفه.
يقول عبد التواب، من مكتبه بالدور الأرضي بالمجمع: "العدد الذي يزور المجمع رهيب، ويقدر بحوالي 30 ألف مواطن يوميًا، يأتون من كل المحافظات بمواصلات تؤثر على شريان الحياة في قلب العاصمة، كما أنه له بعد أمني نتيجة تواجد هذا العدد الكبير في مكان واحد".
"هيتعمل إيه؟ لم يحدد بعد.. لكنه معلم من معالم القاهرة، لا يجوز التدخل للتأثير عليه لا بالتعديل ولا الهدم. طيب نشاطه إيه؟ لسة هيعاد توظيفه وأي توظيف يحتاج إجراءات"، أسئلة طرحها عبد التواب وأجاب عليها، ليحسم أن "المبنى هيفضل زي ما هو"، على حد قوله.
تبدأ خطة الإخلاء اعتبارًا من 30 يونيو القادم، ويستمر لمدة عام كامل، بحسب نائب محافظ القاهرة، الذي أشار إلى أن كل إدارة ملزمة بتفريغ مكاتبها وموظفيها ونقلهم لأماكن بديلة"، شارحًا "عندنا إدارات تتبع الوزارات؛ لذا كل وزارة مسؤولة عنها، وإدارات تتبع المحافظة؛ فالمحافظة مسؤولة عنها، وهكذا".
أما عن رمزية المبنى، وتشبيهه من قبل البعض بأنه "رمز البيروقراطية"، فقال عبد التواب "النظام البيروقراطي، نظام جيد وكويس لكن مفهومه لدى الآخرين مش مظبوط، الناس ما تعرفش معنى البيروقراطية إيه".
واختتم نائم محافظ القاهرة حديثه بـ"لو واحد داخل مباحث الأموال، هل لازم بالضرورة يعدي على الجوازات ولا إدارات التعليم ولا غيره.. هذا هو المعنى من إخلاء المبنى".
بحسب المستندات الخاصة بالمجمع، والتي حصل عليها "مصراوي" من محافظة القاهرة، فإن المبنى مكون من دور أرضي و13 طابق متكرر، المبنى له مدخلين رئيسيين بحرم المجمع، ومدخلين جانبيين يمينًا ويسارًا.
ويخدم المبنى عشرة مصاعد، ومولد كهرباء يعمل عند انقطاع التيار، ومحطة طلمبات مياه، ومحطة شبكة حريق، وغرفة عمليات ومراقبة، ونقطة إسعاف.
أما عن الجهات التي تشغل المبنى، فهي وزارة الداخلية ممثلة في "مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية، ومباحث الأموال العامة، ومباحث التهرب الضريبي، والإدارة العامة لمباحث الآداب، وشرطة رعاية الأحداث"، وجميعها تشغل 400 حجرة.
كما تشغل وزارة العدل أجزاء من المبنى ممثلة في "هيئة قضايا الدولة، ومفوض الدولة، والنيابة الإدارية المحلية، والنيابة الإدارية للتعليم، ومجلس الدولة، والمجلس الحسبي، وفض المنازعات"، 325 حجرة.
وتشغل وزارة التضامن الاجتماعي 121 حجرة، وتشغل إدارة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي 46 حجرة، كما تشغل الشركة المصرية للاتصالات حجرتين، ويشغل البنك الأهلي ثلاث حجرات، وتشغل مصلحة الضرائب العقارية التابعة لوزارة المالية ثماني حجرات.
أما القطاع الخاص الممثل في "استوديو تصوير، ومنفذ بيع سلع غذائية، وبوفيهات"، فيشغل 9 حجرات.
ولمحافظة القاهرة 395 حجرة مقسمة على "مكتب نائب المحافظ للمنطقة الغربية، ومديرية الطرق والنقل، ومكتب المدير التنفيذي والمشرف العام، ومدرسة تعليم قيادة، والإدارات التعليمية غرب/عابدين/باب الشعرية، ومديرية القوى العاملة".
ولهيئة الإسعاف، حجرة واحدة هي نقطة إسعاف الطوارئ.
فيديو قد يعجبك: