ننشر كلمة "الصحة" خلال اجتماع وزراء دول عدم الإنحياز بجينيف
كتب ـ مصطفى الجريتلي:
قال الدكتور أحمد عماد الدين راضي، وزير الصحة والسكان، إن ملفات الصحة باتت تحظى بمرتبة متقدمة في العلاقات الدولية والتي شهدت خلال العام الماضي تبني كافة الأطراف في المجتمع الدولي لأهداف التنمية المستدامة بركائزها الثلاث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفي القلب منها الأهداف المرتبطة بالصحة والحق فيها وعمادها "الرعاية الصحية الشاملة".
جاء ذلك خلال عرض بيان مصر صباح اليوم الثلاثاء أمام الاجتماع التاسع لوزراء صحة دول حركة عدم الإنحياز بجينيف.
وتابع "راضي" قائلا :"لعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن المرحلة الحالية التي يمر بها المشهد الدولي بكافة تعقيداته هى من أخطر المراحل التي مرت بها البشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، في ضوء الأزمات الإنسانية وانتشار الأوبئة والكوارث الطبيعية، وما أدت إليه من ازدياد مضطرد وغير مسبوق في أعداد اللاجئين والنازحين والتي وصلت في أيامنا هذه إلى عشرات الملايين، بحيث أفضت هذه الأوضاع المأساوية إلى عدم القدرة في أحيان كثيرة على توفير الخدمات الصحية الأولية والأدوية الرئيسية بما فيها التطعيمات".
وأعرب وزير الصحة عن شكره للبيان الذي أعدته رئاسة الحركة والمعنون "تحويل عالمنا: أجندة 2030 للتنمية المستدامة" والمنتظر صدوره عن الاجتماع الحالي والذي يعكس برؤية ثاقبة هذا المتغير الهام المتمثل في أهداف التنمية المستدامة وسعي كافة الدول، خاصة النامية منها، إلى تحقيق هذه الأهداف خلال الخمسة عشر عامًا المقبلة بما يمثل رصيدًا إضافيًا إلى النجاحات التي تحققت ضمن أهداف الألفية للتنمية في الفترة الممتدة بين عامي 2000 و 2015
.
وأشار الوزير إلى أن هذا الاجتماع يمثل فرصة مناسبة لدول الحركة لاستعراض أهم التطورات التي ألمت بمجال الصحة الدولية خلال العام السابق وأيضًا أهم البنود المدرجة على أجندة جمعية الصحة العالمية في دورتها الـ 69، والتي يُنتظر أن تتناول العديد من القضايا بالغة الأهمية والتي لها انعكاساتها على دور وأهداف منظمة الصحة العالمية خلال القرن الحادي والعشرين.
ويعتبر ملف الإصلاح من أهم هذه الملفات وأبرزها على الإطلاق، وهو الملف الذي بدأت فيه المنظمة خلال السنوات الماضية سواء ما يتعلق منه بالإصلاح البرامجي أو الإداري أو المالي، وفي مقدمة هذا الملف إصلاح استجابة المنظمة خلال أوقات الطوارئ والأوبئة من خلال إنشاء برنامج موحد لهذا الغرض على امتداد مستويات العمل الثلاثة للمنظمة.
وتابع " يجب أن نسجل من هنا أن الإصلاح في حد ذاته ليس أمراً معيباً أو مكروهاً، وإنما حاجة ملحة وضرورية لا بد من المضي قدماً فيها على فترات منتظمة لضمان انسياب العمل داخل المنظمة وتعزيز قدرتها على الاستجابة للتحديات الضخمة التي تعترض نشاطها، وأخذاً في الاعتبار تعقيدات المشهد الدولي الحالي بكافة جوانبه وما يكتنفه من صراعات لها بدورها كما نشهد بأعيننا تداعياتها الصحية الكارثية.
إلا أنه من المطلوب أن يتم تناول الإصلاح باعتباره ملفاً واحداً لكن له جوانبه المتعددة التي يجب أن تتكامل وبعضها البعض، إذ أن فرض التجزئة على هذا الملف وتناول جوانبه المختلفة في معزل عن بعضها هو المقدمة الحقيقية لتقويضه.
كما يجب أن نؤكد أنه رغم أن عمل المنظمة ينصب في الأساس على تقديم الدعم الفني للدول الأعضاء فيها ووضع المعايير والقواعد التي تحكم الأنشطة المرتبطة بالصحة العامة، إلا أن دستور المنظمة أوضح صراحة أن واحدة من أهم وظائفها هو تقديم المساعدات للدول الأعضاء بناء على طلبها في أوقات الطوارئ وهو أمر يجعل من استجابة المنظمة للطوارئ من صميم عملها وليس مستحدثاً.
وشدد راضي في كلمته على ضرورة أن تأخذ دول الحركة في عين الاعتبار أهمية أن تأتي المسئوليات التي ستترتب على تدشين البرنامج الجديد لاستجابة المنظمة خلال أوقات الأوبئة والطوارئ واضحة ومرنة ومُعبرة عن الطبيعة الخاصة وغير المركزية للعمل داخل المنظمة من خلال مستوياتها الثلاثة، وبما يضمن في نفس الوقت وجود استجابة سريعة وفعالة، وبحيث يقوم المقر الرئيسي للمنظمة بوضع الإستراتيجية العليا مع ضمان وجود آليات التنسيق المرنة مع المكاتب الإقليمية والمكاتب القطرية للمنظمة لتنفيذ التدخل العملياتي.
وقال : أود في هذا السياق أن أؤكد على أهمية توفير المساعدات اللازمة للدول الأعضاء لتعزيز قدرتها على بناء أنظمة صحية مرنة ومتطورة ورفع كفائتها من خلال تقديم الدعم الفني باعتبار أن الأنظمة الصحية في الدول الأعضاء هي خط الدفاع الأول في مواجهة أي طارئ من أي نوع، وهو الأمر الذي يوفر الكثير من الجهد ويجعل من استجابة المنظمة من خلال مقرها الرئيسي أو مكاتبها الإقليمية مكملة للجهود التي بدأت فيها الدولة نفسها للاستجابة، وهو أمر يتطلب بدوره تعزيزاً في المكاتب القطرية للمنظمة بما يمكنها من تقديم الإسناد والدعم الفني اللازمين للمنظومة الصحية على المستوى الوطني.
واشار إلى أهمية بناء القدرات الرئيسية للدولة كما وردت في اللوائح الصحية الدولية لعام 2005 لتعزيز قدرتها على الرصد والاستعداد والاستجابة، وهو ما يمكن أن يتم على مرحلتين الأولى مرحلة التقييم الذاتي والتي تعكف خلالها الأجهزة الصحية في الدولة على دراسة وتحليل مدى التزامها باللوائح ومتطلبات الوفاء بهذا الالتزام على أن يليها، في حالة الإحتياج إلى ذلك وبناء على طلب الدول المعنية، مرحلة ثانية للتقييم الخارجي يتم من خلالها اكتشاف الثغرات الإضافية التي قد تؤثر بالسلب على قدرة المنظومة الصحية للدولة على الاستجابة في أوقات الأوبئة والطوارئ، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه بصورة متكاملة من خلال "آلية التقييم الخارجية المشتركة" وهي الآلية التي ساهم المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في تطويرها بحيث أضحت حالياً آلية شاملة لمنظمة الصحة العالمية ككل.
كما أن الجمعية أيضاً، وضمن ملف الإصلاح، على وشك اعتماد الإطار التفاعلي مع الفاعلين من غير الدول، وهو الإطار الذي سيشكل عند اعتماده نقلة نوعية ستتيح للمنظمة المضي قدماً في الشراكات مع أربع فئات من الفاعلين من غير الدول.
وأشاد بالمجهودات التي قامت بها العديد من الدول الأطراف في الحركة خلال مراحل التفاوض المختلفة لهذا الإطار حتى وصل إلى صورته شبه النهائية والتي تضمنت العديد من الضمانات التي تتيح للدول الأعضاء في المنظمة ممارسة رقابتها الفاعلة على كل ما يتصل بتطبيق هذا الإطار بما يؤدي إلى حماية المنظمة ودورها.
واشار في كلمته إلى أنه من الهام أيضاً أن نحاول خلال اجتماعنا أن نلقي الضوء على بعض القرارات الهامة التي من المنتظر أن تصدر عن الجمعية في دورتها الحالية. ويحظى القرار المعنون "بالصحة في أجندة 2030 للتنمية المستدامة" بأهمية خاصة إذ يؤكد على أهمية العصر الحالي الذي نمر به والذي يمكن أن نطلق عليه "عصر التنمية المستدامة". وتكمن أهمية هذا القرار في عاملين ، الأول أنه القرار الأول الذي يُعتمد من قبل جمعية الصحة العالمية بعد إقرار أهداف التنمية المستدامة في الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي ، الثاني أن هذا القرار سيمثل نقطة الأساس التي ستسْترشد بها المنظمة في تناولها
للصحة ضمن أجندة التنمية المستدامة والتي قد يُبنى عليها أيضاً مجموعة أخرى من القرارات تستجيب لمتقضيات التطور التي تكتنف عمل المنظمة خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة.
وتأتي قضية التمويل باعتبارها العقبة الرئيسية التي تواجه الدول خلال "عصر التنمية المستدامة"، وهي المشكلة التي تتفاقم تداعياتها بصورة أكبر على الدول النامية، ويجب أن تأخذها المؤسسات والدول المانحة في الحُسبان، إذ أن قدرة الدول النامية تظل محدودة نحو حشد الموارد الذاتية لتمويل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
ومن القرارات الأخرى الهامة التي ستعتمد خلال أعمال الجمعية العامة القرار الخاص بدور القطاع الصحي في المقاربة الإستراتيجية للإدارة الدولية للمواد الكيميائية، وهو القرار الذي يعزز من دور القطاع الصحي في تناول كافة القضايا المرتبطة بإدارة المواد والنفايات الكيميائية بما يضمن الأخذ في الاعتبار التبعات الصحية لهذه المواد ويتناول مسئولية منتجيها وموزعيها في توضيح هذه التبعات للمستهلكين وأيضاً إتاحة المعلومات الكافية عن بدائلها.
ومن البديهي أن هذا القرار لا يُعني فقط بالقطاع الصحي وإنما تمتد تأثيراته إلى قطاعات أخرى وهو ما يحفزنا على ضرورة اتباع مقاربة تعتمد على إدراج "الصحة في كل السياسات" من خلال التنسيق الفاعل على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية بين مختلف الأطراف المعنية في مثل هذه القضايا.
وأوضح : " تشغل قضايا التحرر الوطني موقعاً مركزياً على أجندة الحركة منذ إنشائها، ولستُ في حاجة إلى أن ألفتَ أنظاركم إلى نضال الشعب الفلسطيني المستمر من أجل تحقيق مصيره وخلاصه من الاحتلال.
وفي هذا الشأن، فإنني أدعو كافة الدول الأعضاء في الحركة إلى دعم مشروع المقرر المقدم من بعثة فلسطين والذي يدعو المدير العام للمنظمة إلى القيام بالعديد من الإجراءات العملية الرامية إلى وضع تقييم دقيق وواضح للأوضاع الصحية في دولة فلسطين والإجراءات التعسفية التي تقوم بها إسرائيل دولة الإحتلال والعوائق التي تضعها أمام حرية وسرعة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وانعكاسات هذه الإجراءات على الصحة الجسدية والنفسية للشعب الفلسطيني.
و أعرب الدكتور أحمد عماد الدين راضي وزير الصحة عن قلقه من استمرار الضغوط التي تقوم بها بعض الأطراف للزج بمفاهيم خلافية على أجندة اجتماعات الأجهزة الرئاسية بالمنظمة، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى زيادة حالة الاستقطاب داخل المنظمة اتصالاً بهذه المفاهيم التي تتعلق بالمثلية الجنسية، والهوية النوعية، ومتحولي الجنس، وذلك بدلاً من أن تنصرف فيه جهود كافة الدول نحو مواجهة التحديات الرئيسية التي تقف بين المنظمة وبين القيام بدورها خاصة في عصر التنمية المستدامة، إذ أن التوصل إلى توافق بشأنها أمر مستبعد لمساسها بالعديد من الثوابت الأخلاقية والدينية والاجتماعية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعادات وثقافات الشعوب.
وفي ختام كلمته أكد على استعداد مصر الكامل للتعاون في إطار الترويكا ومع كافة الدول الأطراف في الحركة بما يدعم من الجهود المشتركة الرامية إلى تحقيق المبادئ التي تدافع عنها الحركة منذ إنشائها والطامحة إلى تعزيز ثقافة السلام وإرساء مبادئ العدل في المنظومة الدولية ورفع معدلات التنمية انطلاقاً من تحقيق الرعاية الصحية الشاملة في كافة الدول الأعضاء في الحركة.
فيديو قد يعجبك: