يوم في حياة عامل تراحيل.. "مش لاقيين نأكل ولو ينفع أخد جنسية تانية هاخدها"
كتبت - نورا ممدوح :
في الساعات الأولى من الصباح، حيث تتسابق أشعة الشمس للوصول لغرفته لتعلن بداية يوم شاق جديد، ينهض مرددًا "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" فهو لا يعلم بأي مكان سيعمل، يرتدي جلبابه الذي تتخلله بعض حبيبات الرمال من أثر عمل البارحة، ينفضه بقليل من الحدة حتى تتطاير في الهواء، ثم يحمل بيديه "عدة الشغل" التي يعتمد عليها بشكل أساسي في عمله، ويخرج متوجها إلى حيث يتواجد كل يوم.
يجلس على أحد الأرصفة، يضع عدته أمامه على الأرض، بجواره العشرات ممن شابهوه في الهيئة والعمل و"العيشة الضنك"، ينتظر من يأتي ليختار من بينهم لإنجاز عمل يتطلب مجهود يدوي، فيتسابق هو وزملائه في لفت نظره حتى يقع عليه الاختيار، فيطمئن حينها قلبه بضمان حصوله على قوت يومه، فقد تأتي عليه أيام متتالية دون أن يقع عليه الاختيار.
"بنشتغل يوم و10 لا الدنيا مريحة ومفيش شغل".. يقول إبراهيم بدوي عامل التراحيل الذي بدت على وجهه أثار الإجهاد من "قعدة الرصيف"، حيث تصبغ شمس أغسطس جبينه باللون الأسمر، "إحنا أخر طبقة في الشعب دة.. أحنا ميتين".
500 جنيه ، هو المبلغ الذي يتحصل عليه "بدوي" شهرياً من عمله في البناء، " ممكن اشتغل في اليوم ب100 جنيه، وممكن مشتغلش اسبوع كامل من غير ولا مليم وبتمشي على حسب التساهيل"، يقولها العامل الثلاثيني الذي يؤكد أن هذا المبلغ غير كافٍ لمصاريف أسرته التي تتكون من 4 أفراد، "بناكل نص كيلو لحمة من العيد للعيد وأحيانًا مرة كل شهر، وباقي الأيام فول وطعمية، وبنشم اللحمة وإحنا ماشيين".
يتابع عامل التراحيل، "عيالي مدخلوش المدارس، مش قادر أأكلهم هعلمهم إزاي؟، "أنا نفسي أعيشهم عيشة كريمة ويكون ليا مصدر رزق ثابت، بدل ماحنا قاعدين زي الشحاتين لحد مابقينا تحت خط الصفر، كويس إنهم سايبنا نعيش في البلد لو ينفع أخد جنسية تانية هاخدها علشان أعيش اولادي كويس".
يروي "بدوي"، أن الكثير ممن يعملون في هذه المهنة يكونوا من أبناء القرى، الذين اختاروا المجيء إلى القاهرة بحثًا عن لقمة العيش، وهو ما يدفعهم للبحث عن سكن للمبيت فيه، إلا أنه في ظل الغلاء المعيشي الحالي فإنهم يتجهون للعمل كغفر عقارات بمبلغ ضئيل بدلا من دفعه في مقر سكن، " هنجيب منين 600 جنيه حق الإيجار".
"أنا مش طالب كتير، مش عاوز أكتر من 2000 جنيه في الشهر علشان أعرف اعيش عيالي كويس، ونكون مرتاحين، هل الحكومة تقدر توفرلنا المبلغ دة؟، البلد فيها 10 % مرتاحين و5 % متوسطين و85% تحت الصفر، اللي هما إحنا، مش لاقيين نأكل ولو حصل ثورة قريب هنطلع معاهم".. يقولها العامل الثلاثيني الذي تملكه الحماس عندما فاحت رائحة ثورة مرتقبة في حديثه.
ليس بالضرورة أن يكون من يمتهن هذا العمل "غير متعلم" بالرغم من أن النسبة الأكبر منهم هكذا، إلا أن أن من بينهم يكون خريجي الكليات والمعاهد الذين فشلوا في إيجاد فرصة عمل لهم ولجئوا إلى العمل الحر "بيشتغل معانا واحد خريج حقوق وأخر معاه ثانوية أزهرية، وبيشيلوا رمل وينزلوا في المجاري علشان مش لاقيين شغل".
ويتابع الشاب الثلاثيني: "معروف أن ابن الغفير بيطلع غفير وابن الشحات بيطلع شحات، والسلالة بتاعتنا بتفضل تعبانة لحد ماتتوقف وبتخلص ومش عارفين نعيش من الغلاء اللي إحنا فيه، الكهرباء والماية زادوا 50% نجيب منين ونصرف إزاي، إحنا عايشين تحت الصفر وزي مافيلم صرخة نملة قال عايشين جوة الحيطة مش جمب الحيطة".
فيديو قد يعجبك: