مرصد الإفتاء: 70% من فتاوى المتطرفين تُحرم التعامل مع المسيحيين
كتب ــ محمود مصطفى:
أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية عددًا جديدة من نشرة "إرهابيون"، تحت عنوان (فتاوى ازدراء المسيحيين، أحكامٌ لتفتيت الأوطان)، وهى دراسة وصفية رصدت وحللت أهم الفتاوى التي صدرت حول أحكام التعامل مع المسيحيين ودور عبادتهم.
وتضمنت النشرة، دراسة اعتمدت على المنهجين الوصفي والاستقرائي، والذي يقوم العمل بهما على الدراسات المسحية وتحليل المضمون وملاحظة واستقراء الظواهر بعد عملية الرصد والمتابعة، ومن ثمَّ قامت الدراسة برصد وتفنيد الفتاوى التي صدرت في هذا الشأن وتحليلها وتحليل الأحكام التي جاءت فيها.
وأوضح مرصد دار الإفتاء أن الدراسة رصدت مجموعة كبيرة من الفتاوى، تم اختيار 5500 منها كعينة للدراسة؛ لأن العديد منها يحمل نفس الموضوع كالسؤال عن حكم تهنئة المسيحيين بعيدهم، أو حكم بناء الكنائس، حيث صنفت الدراسة هذه الفتاوى إلى موضوعات عامة تضم تحتها موضوعات خاصة مرتبطة بالموضوع أو مرتبطة بالحكم الشرعي.
وأكد المرصد أنه اعتمد في دراسته على مجموعة من المصادر، تنوعت بين الكتب، والمواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، كحقل تنتشر فيه مثل هذه النوعية من الفتاوى.
وأكد المرصد أن أحكام هذه الفتاوى جاء أغلبها بتحريم أي شكل من أشكال التعاون بين المسلمين والمسيحيين، بالإضافة إلى أن بعضها كان يحمل تحريضًا ضد المسيحيين، ودعاوى بعدم معاملتهم في بيع أو شراء أو أي نوع من أنواع العلاقات الاجتماعية، والحكم على فاعل هذه الأشياء بالخروج من الملة انطلاقًا من قاعدة الولاء والبراء.
وقال المرصد: إن فتاوى حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وارتباط ذلك بفكرة المؤاخاة بين المسلمين والمسيحيين احتلت المركز الأول بنسبة 54.5% من جملة فتاوى العينة، حيث جاءت الفتاوى في هذا المحور بعدد 3000 فتوى.
بينما احتل المركز الثاني بنسبة 35% فتاوى حكم بناء الكنائس في بلاد المسلمين، وكذا حكم تعامل المسلمين مع هذه الكنائس بالصلاة والأذان وحضور الأعياد ومراسم الزواج والجنائز فيها، وجاءت فتاوى هذا المحور بعدد 1950 فتوى من جملة فتاوى العينة.
واحتل المركز الثالث والأخير بنسبة 11% فتاوى التعامل بوجه عام مع المسيحيين في التعاملات الاقتصادية من بيع وشراء وإقراض، وولاية المسيحي وانتخابه للوظائف العامة، والجزية، وحكم هدية المسيحيين، والتبرع لهم، وبدئهم بالسلام، والسكن معهم، وغيرها من كافة أشكال التعامل، وجاء عدد فتاوى هذا المحور 550 فتوى.
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج كان أهمها أن مدار الأحكام الشرعية في الدراسة كان حول ثلاثة أحكام من الأحكام التكليفية الخمسة في الشريعة الإسلامية؛ وهي "الحرمة" و"الكراهة" و"الإباحة"، حيث كان النصيب الأكبر للتحريم، والذي وصل إلى 70% من جملة هذه الأحكام، تلاه في المرتبة الثانية بنسبة 20% حكم الكراهة، يليه في المرتبة الثالثة حكم الإباحة بنسبة 10% من جملة أحكام الدراسة، أما حكما الوجوب والندب فلا مجال لهما في فتاوى المتشددين.
وأوضحت "إرهابيون" في عددها الجديد أنه باستقراء وتحليل هذه الأرقام التي جاءت في الدراسة توصلت لعدة نتائج، أهمها بيان الفقه الصدامي لعقلية مُصْدِري هذه الفتاوى، وجموده عند منطقة التحريم فقط، بالإضافة إلى أن هذه النتائج تعكس انحراف عقلية مُصْدِري هذه الفتاوى، وفساد منهجهم الفقهي الذي يعتمدون عليه في إصدار مثل هذه الفتاوى.
ودلَّل المرصد على ذلك بأن نسبة أحكام التحريم والكراهة مجتمعة وصلت إلى 90% من جملة الأحكام، وهو وإن كان يدل على عقلية متشددة ومتطرفة؛ فهو في الوقت نفسه يتنافى تمامًا مع ما جاءت به نصوص الشريعة الإسلامية الصريحة والصحيحة من الحث على حسن التعامل معهم بالبر والقسط انطلاقًا من المبدأ القرآني: “لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.
وأضاف المرصد أن حكم الإباحة كان له النصيب الأقل من هذه الأحكام، والذي وصلت نسبته إلى 10% فقط من جملة أحكام الدراسة، وهو أن يترك مُصدِر الفتوى حرية الاختيار للمتلقي، وهذا مرتبط بالأمور البسيطة، أو ما كان منها بمثابة فروع من مسائل أخرى، مما يدل على أن عقلية مُصدِري هذه الفتاوى قد استفرغت كامل طاقتها في التحريم والنهي عن أي شكل من أشكال التعاون مع المسيحيين، ويدل على جهلها بفقه الواقع والمآلات علاوة على جهلها الفقهي بصفة عامة.
وأكد مرصد دار الإفتاء على أن غالبية هذه الأحكام التي خلصت إليها الدراسة يصطدم مع نصوص الشرع الشريف في التعامل مع غير المسلمين المسالمين والشركاء في الوطن، والتي جاءت كلها لتؤكد عظمة الإسلام وسماحته تجاه الآخر، كما أن ردود الفتاوى تجاهلت المصلحة العامة للأمة وكانت نظرتها قاصرة وتناست أن الدولة الإسلامية عبر تاريخها قد ضمنت لأهل الكتاب كافة حقوقهم حتى حقهم ببناء الكنائس ودور العبادة؛ إذ إن القيام على ذلك يُعد هو المصلحة الراجحة والرأي الصائب الذي دلت عليه عمومات النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وأكدها عمل المسلمين عبر العصور والأمصار، وأيدتها المقاصد الكلية ومرامي الشريعة.
من جانبه أكد الدكتور إبراهيم نجم - مستشار مفتي الجمهورية، مدير مرصد دار الإفتاء - على أن ما خلصت إليه الدراسة يقودونا إلى مجموعة من التوصيات أهمية بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بتعامل المسلمين مع المسيحيين، وضرورة نشر الفتاوى الصحيحة ردًّا على هذه الفتاوى المتطرفة؛ لأن هذا النوع من الفتاوى المنحرفة من شأنه أن يُسهم بصورة أو بأخرى في عزل إجباري للمسيحيين عن وطنهم، والحيلولة بينهم وبين اندماجهم في الوطن والمساهمة في عملية البناء.
وتابع الدكتور نجم أن مثل هذه الفتاوى - خاصة ما يحمل منها نصًّا شرعيًّا - تُوهم المسلمين بحرمة التعامل مع المسيحيين بأي شكل من الأشكال، انطلاقًا من صحيح العبادة التي تنهاهم عن التعامل معهم، وانطلاقًا من تفسير هؤلاء المتشددين للنصوص الشرعية بما يخدم منهجهم المعوج، وهذا أمر فيه خطورة على وحدة المجتمع؛ نظرًا للُّحمة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين في السكن والعمل والتجارة والصناعة وغيرها، لذا فقد وجب التنبيه على عدم الالتفات لمثل هذه الفتاوى.
وأكد نجم أنه بناء على ذلك، فإن دار الإفتاء المصرية رأت ضرورة إعداد ردود على غالبية الفتاوى التي رصدتها الدراسة، ومن ثمَّ نشرها عبر وسائل التواصل الخاصة بدار الإفتاء المصرية استكمالًا لرسالتها في مجابهة هذا الفكر المتطرف، والحيلولة دون النيل من وحدة الصف المصري وتماسكه.
جدير بالذكر أن مرصد دار الإفتاء المصرية يصدر نشرة إلكترونية غير دورية بعنوان "إرهابيون" لمواجهة الفكر المتطرف.
فيديو قد يعجبك: