لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

جولة في عالم «ايشيجورو».. كيف كتب أديب نوبل الجديد روايته «بقايا اليوم»؟ ​

11:51 ص السبت 07 أكتوبر 2017

جائزة نوبل

كتب: حسام إبراهيم

بقدر ما أثار تتويج «كازو ايشيجورو» بجائزة نوبل في الآداب هذا العام حالة عامة من الارتياح بين الأوساط الأدبية في العالم فإن عالم هذا الروائي الياباني المولد والبريطاني الجنسية الذي تجاوز الـ62 عاما جدير بجولة في إبداعاته التي تموج بين حنايا الذاكرة وسلطان الزمن وخبايا المعنى.

وقال «كازو ايشيجورو»، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، إن للكاتب أن يترك «الكثير من المعنى تحت السطح» فيما تبدو فضيلة «التواضع» ظاهرة في شخصية الأديب النوبلي الجديد الذي دخل مضمار الإبداع الأدبي منذ نحو 35 عاما.

والقراءة المتعمقة لإبداعات ايشيجورو تكشف عن عناوين رئيسية تتصدر اهتماماته كمبدع وهي «الذاكرة والزمن والفقد والحرب والحب وتهاويم الذات» فهو الكاتب المهموم والمهجوس بمثالب الذاكرة وحقيقة الموت والطبيعة المسامية للزمن مع حس أصيل وإحساس حاد بمعطيات المكان وهو أيضا «المبدع الخارج بحذق على الأنواع الأدبية التقليدية».

ولعل ايشيجورو يشكل أحد النماذج النادرة في عالم الأدب من حيث «استحواذه على ثناء العديد من النقاد والدارسين الأكاديميين مع تحقيق كتبه لنجاحات كبيرة بمعايير الأرباح التجارية للناشرين»، فيما قدرت صحيفة نيويورك تايمز مبيعات رواياته في الولايات المتحدة وحدها قبل تتويجه بجائزة نوبل بنحو مليونين ونصف المليون نسخة، فيما من المنتظر أن تشهد هذه المبيعات طفرة بعد التتويج النوبلي.

وجاءت حيثيات قرار الأكاديمية السويدية بمنح جائزة نوبل في الآداب هذا العام لكازو ايشيجورو منوهة بأن هذا الأديب «كشف في روايات مشحونة بعواطف قوية الهوة الكامنة تحت شعورنا الوهمي بالتواصل مع العالم».

وتوقفت الأكاديمية مطولا أمام روايته الأشهر «بقايا اليوم» لتصفها بأنها «رائعة أدبية»، فيما كانت جريدة الجارديان البريطانية قد نشرت مقالة لـ«ايشيجورو» المقيم في لندن يكشف فيها عن أنه كتب هذه الرواية في 4 أسابيع حيث أنهمك في الكتابة يوميا في صيف 1987 وفقا «لنهج مكثف» من التاسعة صباحا إلى العاشرة والنصف مساء.

ورواية «بقايا اليوم» تدور أحداثها في السنوات التي أفضت للحرب العالمية الثانية وذلك الساقي الذي يخدم أحد اللوردات الإنجليز، بينما تتناول روايته الشهيرة الأخرى «لا تدعني أرحل أبدا» صورا غريبة للحب في مدرسة داخلية إنجليزية، فيما كان قد اعتبر دراسته الثانوية بأنها كانت «الفرصة الأخيرة لمعاينة ما تبقى من صور قديمة وغابرة للمجتمع الإنجليزي في تحولاته».

وعرف «كازو ايشيجورو» طريقه أيضا لكتابة سيناريوهات أفلام ومسلسلات تلفزيونية مثل «الكونتيسة البيضاء» و«الموسيقى الأكثر حزنا في العالم»، كما جرى اقتباس روايتيه: «بقايا اليوم» و«لا تدعني أرحل ابدا» في فيلمين حققا نجاحا كبيرا على الشاشة الكبيرة .

والطريف أنه كان يحلم بأن يكون مغنيا لأغاني «البوب» وأن يكتب كلمات أغانيه على غرار ما يفعله الأمريكي «بوب ديلان» الذي سبقه للفوز بجائزة نوبل في الآداب وآثار هذا الفوز في العام الماضي عواصف غضب وانتقادات حادة من جانب العديد من المثقفين والأوساط الأدبية.

ورغم أن «ايشيجورو» تخلى عن حلمه في أن يكون مغنيا للبوب أو الأغاني الشعبية الخفيفة فقد استمر ولعه بالموسيقى والأنغام والقوالب الغنائية ليذهب بعض النقاد في الغرب إلى أن هذا الولع الغنائي والموسيقي أثر بالإيجاب في نثر وسرد الفائز بجائزة نوبل في الآداب لهذا العام حتى يحق وصفه بأنه من أفضل أصحاب الأقلام والأساليب الأدبية بين جيله من الكتاب البريطانيين، كما أنه صاحب رؤية تحليلية عميقة للنظام الطبقي في بريطانيا.

ووقع «كازو ايشيجورو» في هوى الأدب منذ أن صافحت عيناه قصص شرلوك هولمز البوليسية وهو طفل في التاسعة من عمره، فيما باح لجريدة التايمز البريطانية بأنه بدأ يتصرف أيضا في أيام الصبا مثل أبطال القصص التي كان يلتهمها في المكتبة العامة القريبة من منزله في بريطانيا.

وعرف اسم «كازو ايشيجورو» لأول مرة بين الأوساط الأدبية البريطانية عندما فاز في عام 1983 بجائزة «جرانتا» كأفضل كاتب شاب، بينما يعترف بأن روايته الأشهر «بقايا اليوم» كانت الأكثر إثارة لقلقه قبل نشرها، خشية أن يكون قد كرر فيها ما كتبه من قبل، وما استخدمه من أساليب روائية.

والحقيقة أن أساليب «ايشيجورو» الروائية تنزع نحو الاستقصاء وأحيانا للخيال العلمي، فضلا عن الفانتازيا وشيء من السيريالية ومنطقة الأحلام والواقعية السحرية، وهو أحد من ينزعون نحو «تحطيم الأيقونات أو الثوابت التقليدية في عالم الأدب».

ولئن انطوى اسم «كازو ايشيجورو» على قدر من المفاجأة باعتبار أن هذا الأديب لم يكن مطروحا بقوة على أغلب قوائم التوقعات لأم الجوائز الأدبية العالمية، فالفائز بجائزة نوبل هذا العام كان أول من أقر بشعوره بالمفاجأة وإن كانت «مفاجأة سعيدة للغاية وصدمة رائعة».

وقال الروائي الكندي والسريلانكي الأصل «مايكل اونداتجي» إنه شعر بسعادة بالغة حيال اختيار «ايشيجورو» للتتويج بجائزة نوبل في الآداب، فيما أضاف صاحب رواية «المريض الإنجليزي» إن «كازو ايشيجورو» كاتب نادر وصاحب غموض أخاذ ويصيبني بالدهشة مع كل كتاب يصدره.

وكانت السكرتيرة الدائمة للأكاديمية السويدية «سارا دانيوس» صريحة للغاية عندما أعربت أمس الأول الخميس في «ستكهولم» عن الأمل «في أن يكون العالم سعيدا» للإعلان عن فوز كازو ايشيجورو بجائزة نوبل في الآداب هذا العام، بعد ما حدث من لغط وصخب في العام الماضي، لتعترف بذلك ضمنا بأن «الأكاديمية السويدية منحت الجائزة لايشيجيرو للتخلص من اشباح ديلان».

وابتعدت الأكاديمية السويدية هذا العام أيضا عن «شبهات تسييس أهم جائزة أدبية في العالم» لأن «كازو ايشيجورو» الذي يحمل رقم 114 في المتوجين بنوبل للآداب ليس بالناشط السياسي ولا يمكن تصنيفه سياسيا بوضوح ضمن التيارات السياسية المتصارعة بقدر ما يسهل تصنيفه أدبيا لتعود الجائزة بذلك إلى أديب قح لا تسرق السياسة اهتماماته الأدبية، كما أن الأكاديمية السويدية منحته الجائزة عن مجمل أعماله وليس عن رواية واحدة.

ومنح جائزة نوبل في الآداب هذا العام لـ«كازو ايشيجورو» ابن عالم المحيطات وصاحب الثقافة الجامعة ما بين بريطانيا واليابان والذهنية التي تمزج ما بين "التأمل الياباني والتحفظ البريطاني" والذي وصفته «سارا دانيوس» بالكاتب المتألق، قد يرضي البريطانيين واليابانيين معا حيث يحق للبريطانيين أن ينسبوا الفائز بجائزة نوبل في الآداب هذا العام لبريطانيا بحكم جنسيته، ولليابانيين أيضا أن يعتبروه أحد أدباءهم بحكم أصوله وجذوره ومولده في اليابان وهو ما تبدى في مشاهد احتفالية يابانية بعد الإعلان أمس الأول عن فوزه بالجائزة.

فقد ولد الفائز بجائزة نوبل في الآداب يوم 8 نوفمبر عام 1954 بمدينة «نجازاكي» اليابانية، وبعد نحو أربع سنوات انتقلت أسرته للعيش في بريطانيا التي حصل على جنسيتها عام 1982، ورغم تواضعه المحبب فإن إبداعاته حفرت بالفعل بصمة عميقة في مسارات الأدب الإنساني، ولفت أنظار عشاق الكلمة بقدرته الفذة على الجمع ما بين الأسلوب المنضبط والوجدان الفياض مع براعة في استخدام وتوظيف المعاني الضمنية والمضمرة وما يدخل في «باب المسكوت عنه».

ولاريب أن إبداعات «ايشيجورو» تعبر في كثير منها عن ارتباط عاطفي ووجداني باليابان حيث الجذور ومسقط الرأس ووطن الآباء والأجداد وهي حقيقة عبر عنها الفائز بجائزة نوبل للآداب بقوله «رغم نشأتي في بريطانيا فإن جزءا كبيرا من نظرتي للعالم وأسلوبي الفني ياباني لأنني تربيت في كنف أبوين يابانيين ويتحدثان اليابانية».

وفي أولى رواياته: «منظر شاحب من التلال» التي نشرت عام 1982، و«فنان من العالم الطافي» التي صدرت عام 1986 يمكن للقارئ أن يلمس بوضوح تأثير جذوره اليابانية ومسقط رأسه في مدينة ناجازاكي التي تعرضت للقصف بالقنابل الذرية الأمريكية مع مدينة هيروشيما في أواخر الحرب العالمية الثانية .

وفيما يحمل "رقم 29 "بين الأدباء النوبليين الذين يكتبون بالإنجليزية، قال «ايشيجورو»، - في مقابلة صحفية - إنه مشدود للبيئة التي شكلت من حيث الزمان والمكان محيط الحرب العالمية الثانية ومهتم باختبار القيم على محك الواقع .

وبدا «ايشيجورو» غير مصدق لفوزه "بأم الجوائز الأدبية العالمية" التي تبلغ قيمتها المالية هذا العام 9 ملايين كورونا سويدية أي ما يعادل نحو مليون ومائة ألف دولار أمريكي، معتبرا أن فوزه بهذه الجائزة يعد شرفا عظيما ويعني أنه «يسير على خطى المؤلفين الكبار».

وكانت تقارير ذهبت إلى أن القائمة الموسعة للمرشحين لجائزة نوبل في الآداب هذا العام ضمت 240 شخصية أدبية ثم مرت بمراجعات عديدة حتى تقلصت في شهر مايو الماضي إلى قائمة قصيرة لا تضم سوى 5 أسماء.

وواقع الحال أن الأكاديمية السويدية التي وصفت كتابات ايشيجورو بأنها تتميز «بطابع متحفظ وحذر في التعبير»، هي التي توخت الكثير من الحذر هذا العام في اختيار المتوج بأم الجوائز الأدبية العالمية واختارت صاحب قلم لا يمكن لأحد أن يقلل من توهجه الإبداعي، كما أنه يتحلى على مستوى السجايا الشخصية بفضيلة التواضع ومن ثم فقد مضى يتحدث بعد فوزه بالجائزة عن الأدباء الكبار الذين يسير على خطاهم.

وعندما اتصلت السكرتيرة الدائمة للأكاديمية السويدية «سارا دانيوس» بـ«ايشيجورو» لتبلغه بالنبأ السعيد فإنه مضى يلهج بالشكر، ولم يخف شعوره بالسعادة البالغة لتتويجه بأعظم جائزة أدبية يمكن أن يتوج بها.

ورأت هذه الأكاديمية والكاتبة والناقدة السويدية أن كتابات «ايشجورو» تمزج ما بين الطابع المميز للكاتبة الروائية الإنجليزية «جين اوستن» التي قضت عام 1817، والكاتب التشيكي «فرانز كافكا» الذي قضى عام 1883 مع «شيء من نكهة مارسيل برويت» الروائي الفرنسي الذي قضى عام 1922 ثم يبث في كل ذلك المزيج من نفحات الجمال لا يمتلكها سواه ليشيد «عالمه الجمالي».

و«كازو ايشيجورو» الذي وصفته السكرتيرة الدائمة للأكاديمية السويدية «بالكاتب صاحب الاستقامة العظيمة» هو الذي وصف العالم بأنه «يمر بلحظة من أكثر لحظات اللايقين بشأن قيمه وسلامته»، معربا عن أمله في أن تكون جوائز نوبل «قوة لصنع شيء إيجابي في العالم حتى لو كان مجرد شيء صغير في تلك اللحظة الحرجة والمشحونة باللايقين».

وحسب الأكاديمية السويدية التي يختار أعضاءها الفائز بجائزة نوبل للآداب فقد كشف «كازو ايشيوجورو» في رواياته ذات القوة العاطفية العظيمة الخواء الكامن تحت شعورنا الواهم بالتواصل مع العالم، فيما تبلغ عدد رواياته 8 روايات ترجمت إلى 40 لغة.

وفي عام 1989، توج «ايشيجورو» بجائزة بوكر للأدب وهي أهم جائزة للأدب المكتوب بالإنجليزية عن روايته «بقايا اليوم»، قيما صنفته جريدة التايمز البريطانية في عام 2008 ضمن قائمة أعظم 50 مؤلفا بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وكان «كازو ايشيجورو» صاحب قصة «المارد الدفين» قد حصل على الليسانس في اللغة الإنجليزية والفلسفة من جامعة كنت في عام 1978 ثم نال الماجستير في الكتابة الإبداعية من جامعة ايست انجليا في عام 1980 وتوج في عام 1995 بوسام «اوب» البريطاني تقديرا لما قدمه من خدمات للأدب .

وصاحب «من لا عزاء لهم» و«فيما كنا يتامى» يعمد في تكتيكاته الروائية «لنهايات دون حلول واضحة للصراعات» بينما تكشف شخصياته عن فشلها وأخطائها وخطاياه، فيما قالت السكرتيرة الدائمة للأكاديمية السويدية سارا دانيوس إنه «حريص للغاية على فهم الماضي لكنه لا يسعى لاسترداد الماضي وإنما يستكشف ما يمكن تناسيه من هذا الماضي حتى يتسنى للفرد والمجتمع معا الاستمرار والبقاء على قيد الحياة».

وإلى جانب رواياته، فإن لـ«كازو ايشيجورو» عدة مجموعات قصصية قصيرة فيما يكتب رواياته غالبا بضمير المتكلم مع احتفاء بالتفاصيل وانتصار واضح لقيمة الصدق.

وحسب جريدة الجارديان البريطانية يرى القاص والشاعر الإنجليزي الكبير «اندرو موشن» أن «العالم الإبداعي لكاوز ايشيجورو يتميز بالعمق الثري لكنه عالم ملغز ومفعم بالوحشة والعزلة والأحاسيس المستنفرة والخطر والدهشة والتساؤل».

ويضيف «اندرو موشن»، الذي حمل من قبل لقب شاعر البلاط البريطاني، أن «ايشيجورو» شيد هذا العالم الإبداعي باتكاء الحكي على مبادئ مؤسسة ومزيج من مخزون مشاعر مرهفة للغاية مع شواهد جلية لفيض الوجدان.

ويكاد لسان حال الأدب هذا العام يقول «هنيئا لكازو ايشيجورو بأم الجوائز الأدبية»، فتتويجه كأديب نوبلي أثار ارتياحا عاما بين أغلب الأوساط الأدبية في العالم، كما أن هذا التتويج يأتي في مرحلة يمكن وصفها «بمرحلة البذخ الإبداعي لايشيجورو» الذي يعكف حاليا على كتابة رواية جديدة كما يبحث مشروعين للمسرح مع عدة معالجات سينمائية.

ويستشعر البعض بأن شيئا ما في هذا الأديب النوبلي الجديد والحي بتواضعه الجميل وسجاياه وإخلاصه للأدب يعيد للأذهان صورة هرم الرواية المصرية وكبير الروائيين العرب نجيب محفوظ الذي توج بجائزة نوبل في عام 1988 ومنذ ذاك العام لم يتوقف قطار نوبل أمام أي أديب عربي آخر!!.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان