لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مصراوي يحاور مهندس "التأمين الصحي الأمريكي": هذه ملاحظاتي على القانون المصري

05:38 م الأربعاء 15 نوفمبر 2017

الدكتور سمير بانوب

حوار – أحمد جمعة:

لسنوات عديدة، عمل الدكتور سمير بانوب، كخبير وأستاذ للتخطيط والإدارة الصحية بالولايات المتحدة، وكان أحد أبرز واضعي نظام التأمين الصحي الأمريكي "أوباما كير"، ووجه له أوباما الشكر عقب إقرار القانون.

مصراوي حاور "بانوب" لمعرفة أبرز ملاحظاته على مشروع قانون التأمين الصحي الجديد في مصر، والذي يناقشه مجلس النواب حالياً، والمزمع تطبيقه خلال العام المقبل.

يرى بانوب الذي تخصص في تخطيط النظم الصحية في أكثر من ٧٥ دول ويعمل كمستشار لمنظمة الصحة العالمية، أن مشروع القانون تضمن بنودًا "تبشر بالأمل ووعودًا لم تتضح"، مشيرًا إلى أن خطة التنفيذ على 15 سنة "لا تعكس نية قوية أو إرادة حقيقية للإصلاح الصحي في مصر".. وإلى نص الحوار:

* مجلس النواب بدأ مناقشة مشروع قانون التأمين الصحي.. فما أبرز ملاحظاتك عليه؟

بصفة عامة، القانون يتضمن بنودًا عديدة تبشر بالأمل ووعود عديدة لم يتضح في القانون كيف يتم تحقيقها بوسائل التمويل المطروحة أو بالتنظيم المبين بالقانون.

مصر تحتاج لخطة للإصلاح الصحي الشامل وصدور القانون لن يحل المشاكل

* دعنا نتحدث بداية عن المزايا التي تضمنها مشروع القانون؟

من الوعود التي تضمنها مشروع القانون أنه يضمن التغطية الشاملة لسكان مصر لعلاج جميع الأمراض والإصابات، ويصل ذلك للعلاج بالخارج الذي لا يعد به أو يقدمه أحسن النظم في العالم، مع مراقبة الجودة بالمستوي العالمي.

* وماذا ينقص القانون لكي يكون مكتملًا؟

أسلوب التنظيم ومصادر التمويل لا تسمح بذلك، كما أن خطه التنفيذ علي مدار 10 سنوات زادت إلى 15 سنة خلال الشهور الأخيرة لا تعكس نية قوية أو إرادة حقيقية للإصلاح الصحي، حيث تبدأ المرحلة الأولى في 5 محافظات مجموع سكانها لا يصل إلى 3% من سكان مصر، وينتهي بـ 3 محافظات بعد 15 سنة يمثلون ثلث سكان مصر.

* وكيف نعالج ذلك؟

كان الأولى إما البدء بإصلاح من يتم تغطيتهم بالتأمين الصحي الحالي، أو إصلاح تأمين القري الأكثر فقرًا، أو التامين الصحي للفلاحين والذي يتعثر منذ سنوات، أو اختيار 3 محافظات تمثل مصر مثل الجيزه والشرقية وأسوان مثلا بدلا من البدء ببورسعيد التي تمتليء بموظفي قنال السويس وشركاتها وشركات النقل والبترول والقوات المسلحة.

تطبيق القانون في مصر على مدار 15 سنة لا يعكس إرادة حقيقية للإصلاح

* البعض يتخوف من الدراسة الإكتوارية لمشروع القانون والتي تضمن تنوفير الدعم المالي.. فما تعليقك؟

العالم المتحضر والنامي يمول ويطبق التأمين الصحي عبر 3 طرق؛ إما عن طريق الخزانة العامة من خلال الضرايب مثل المملكة المتحدة والدول الإسكندينافية وأستراليا وكندا، أو التامين طبقا لجهة العمل بأقساط يشترك فيها العامل وصاحب العمل وتشارك الحكومة بتغطيه غير القادرين أو غير العاملين مثل الولايات المتحده واليابان ودوّل في أوربا وآسيا، وهذا هو ما اختارته مصر طبقا للقانون المقدم لمجلس النواب، أو أو مزيج من هذه النظم طبقا للحاجة في كل دولة.

مصادر التمويل الحالية بقانون التأمين الصحي "غير كافية ولا مستدامة"

* وما النظام الأمثل للتطبيق في مصر؟

النظام المقترح في مصر يبنى على النظام التأميني الذي أدخل عام ١٩٦٤، ويتضمن أن تدفع الحكومة عن غير القادرين أو الفقراء وهم حوالي ثلث السكان على الأقل، علاوة على تحمل الحكومة تأمين موظفيها وعائلاتهم بصفتها صاحبة العمل لـ 6 ملايين موظف على الأقل أي حوالي 25 مليون مواطن، هذا علاوة عن تحمل رسوم كثيرة للمرضى بأمراض مزمنة وعلاوة علي فئات خاصة مثل القوات المسلحة والشرطة.

وبذلك قد يصل تحمل الحكومة إلى ثلثي تكلفة التأمين الصحي على الأقل، والمخطط في مصر يجب أن يبحث إما اختيار نظام التأمين الحكومي لكل المواطنين من خلال الخزنة العامة، أو إضافة نظام جديد للتأمين، ويفضل على مستوى كل محافظة لتأمين غير القادرين والمسنين والمهنيين، وذلك علاوة على النظام الحالي - مع إصلاحه وتطويره جذريا - والقائم على التأمين طبقا لجهه العمل، ولم يتعرض القانون لهذا التحليل أو البحث.

ومصر لديها الآن نظم خاصة عديدة لم يوضح القانون مصيرها، وعدا القوات المسلحة التي تنفرد في كل دول العالم بنظام خاص لها، فهناك نظم النقل والقطاع العام والقضاء وشركات وقناة السويس والنقابات المهنية وغيرها، ولا يظهر بوضوح كيف يتم التعامل مع هذه النظم، كما أن المقترح تطبيق القانون على ١٥ سنة، فهل يتم تحصيل الرسوم من كل الموظفين بدءً من تطبيق القانون وتحصيل أضعاف ما يدفعونه حاليا حتى يصلهم النظام الجديد بعد مدة تصل إلى 15 سنة.

* هل تعتقد أن الدراسة الإكتوارية لا تضمن الاستدامة المالية للمشروع؟

الأهم في ذلك هو مصادر وكمية التمويل، ولا يمكن الجزم بكفايتها أو استدامتها، خاصة أن المناقشات في مجلس النواب سوف تحارب لخفض بعض هذه المصادر، والمنتظر أن توافق الحكومة لتمرير القانون، لكن الواضح أن مصادر التمويل المقترحة غير كافية ولا مستدامة، فالدول الناجحة تنفق على الصحة من 8 إلى 10% من الدخل القومي، أو ما يوازي 15 إلى 20% من ميزانية الحكومة، أو ما يوازي 10 إلى 15% من الأجور في نظم جهة العمل، والقانون الحالي لا يوفر ثلث أو نصف هذه النسب.

* وما نتيجة ذلك؟

النتيجة المتوقعة هي تقديم خدمات قاصرة بالتأمين، تدفع المنتفع قصرًا إلى التوجه للقطاع الخاص كما يحدث في الوقت الحاضر، ويستمر الحال على ما هو عليه لـ 15 سنة أخرى، حيث يُعالج ٦٥٪ من المصريين في القطاع الخاص الذي يعمل فيه غالبية أطباء الحكومة حتى حديثي التخرج.

المساهمات المالية بالقانون مرتفعة ولا يتحمل حتى "القادرين"

* نقابة الأطباء انتقدت زيادة نسبة المساهمات التي يدفعها المريض في القانون الجديد.. هل ترى حلًا لذلك؟

هناك حالات أخرى في التمويل مثل النسب التي يدفعها المنتفع عند الزيارة فهي قد تصل مئات وآلاف الجنيهات لا يتحملها حتى من يعتبروا قادرين، كما يهدف القانون لتحصيل 5% من المهنيين ورجال الأعمال الخاصة، أي أن من يربح مليون جنيه سنويا يلتزم بدفع ٥٠ ألف جنيه للتأمين الصحي دون أن ينتفع به، وهذا ازدواج ضريبي ينبغي بحثه.

* القانون تحدث عن 3 هيئات جديدة.. هل يأت ذلك في سبيل إصلاح المنظومة؟

لا يتضح أن هذا سوف يغير الوضع الحالي عمليا، بل يزيد الأعباء على وزارة الصحة التي تتبعها الهيئة العامة للتأمين الصحي وهي أكبرهم، والتي تضم كافة مستشفيات ومرافق الدولة بما فيها مستشفيات وزارة الصحة والتأمين الصحي الحاليين، علاوة على مستشفيات خاصة وعامة، كما أن هيئة الجودة لا تضمن تقديم خدمات جيدة بالمستوى الدولي، ولدينا مثال حي في مصر هو هيئة جودة التعليم التابعة لرئيس الوزراء منذ عام ٢٠٠٧، واعتمدت ووافقت على تسجيل معظم جامعاتنا وكثير من مدارسنا مع أن الجميع يعاني من مشاكلها، وترتيبها الدولي يوضح مستواها الحقيقي، ويبقى السؤال: إذا اختار المواطن العلاج في القطاع الخاص، فمن يختار المستشفيات الحكومية والتي تُشكل الغالبية العظمى من المستشفيات؟

* في ظل كل هذه المعوقات.. ماذا تحتاج مصر إذا لإصلاح المنظومة الصحية؟

مصر تحتاج إلى خطة للإصلاح الصحي الشامل، لأن صدور قانون لن يصلحها، والحل العملي هو أنه إذا صدر القانون فيجب أن يتضمن خطة محكمة للإصلاح الشامل؛ للإعداد الجيد لتطبيق القانون وتناول قطاعات كثيرة لم يتناولها القانون مثل :وضع السياسات العامة الصحية للدولة والاستراتيجيات والخطط المنفذة لها حتى عام ٢٠٣٥، والتي تضمن التغطية الشاملة للسكان والتمويل العادل المتاح والمستدام وكفاءة وكفاية قوة العمل الصحية، وهذا هو الوسيلة الأولى لتحقيق تأمين صحي حقيقي.

وكذلك إحياء اللجنة العامة للإصلاح الصحي الشامل، التي شكلت برئاسة رئيس مجلس الوزراء عام 2016 وتضمنت أعضاء من وزارات الصحة والتعليم العالي والبيئة والتضامن والإسكان والتخطيط والمالية والنقابات وأعضاء مجلس النواب والخبراء المتخصصين، فضلًا عن التقدير العلمي لاحتياجات الدولة من قوة العمل الصحية من أطباء وإداريين وتمريض وفنيين لعام 2035؛ لتحاشي النقص أو الزيادة، ومراجعة المناهج وأساليب قبول الطلاب وتقييمهم العادل، وتوحيد أساليب إعداد الإخصائيين والاستشاريين طبقًا للمعايير الدولية.

* وماذا أيضًا؟

كما تتطلب المنظومة تقديرًا علمياً لعام 2035 لاحتياج الدولة من المستشفيات والمرافق الصحية الحكومية والخاصة للاكتفاء الذاتي لكل محافظة، ووضع معايير البناء والصيانة والإصلاح للمباني والأجهزة والمعدات طبقا للمستويات الدولية، ووضع كادر حقيقي وعادل للأطباء وقوة العمل الصحية تضمن عدالة التوظيف، وضمان عدم ازدواجية الممارسة أو التحويل أو استغلال المواطن في القطاع الخاص.

وكذلك إصلاح النظم المالية والمحاسبية في المستشفيات والمرافق الحكومية لضمان قدرتها على التعاقد مع التأمين الصحي، ووضع خطط طويلة المدى لإصلاح كل من الرعاية الصحية الأولية ورعاية الأمومة والطفولة وطب الطوارئ والإسعاف، وتنظيم الأسرة واستراتيجيات السكان العملية والناجحة، فضلًا عن برامج الصحة العامة ومكافحة الأمراض المعدية والمزمنة وأهمها ارتفاع ضغط الدم والسكر والسرطان وفيروس سي.

* ألا تتطلب كل هذه الإصلاحات وقتًا ربما يفوق 15 عامًا تلك التي يتطلبها قانون التأمين الصحي؟

جميع هذه الخطط يمكن إكمالها علميا خلال 6 أشهر إلى عام على الأكثر إن خلصت النوايا، وهذا ما تفعله كافة الدول المتحضرة، وهو ما يدعم التغطية الشاملة الحقيقية، والتأمين الصحي الفاعل في نطاق إمكانية الدولة والمواطن.

الخلاصة أنه ليس لدى مصر رفاهية التجربة لخطة 10 سنوات أخرى، أو هدر موارد تحتاجها البلاد بشدة لبناء مستشفيات يهرب منها الأطباء ولا تصل نسبة إشغالها إلى 50%، أو تخريج 12 ألف صيدلي سنوياً وتكليفهم بوزارة الصحة، أو ازدواجية تعليم الأخصائيين من خلال ماجستيرات ليس لها وجود إلا في مصر. نحن نتمني وننشد إصلاحا حقيقيا مخلصا وهو ممكن في أقل من 10 سنوات.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان