مدير المركز القومي للترجمة: قضينا على الفوضى وتأخر الإصدارات (حوار)
القاهرة- مصراوي:
أكد الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة، أنه تخلص من ظاهرة تأخر إصدارات الكتب التي كانت تتأخر لأكثر من خمسة أعوام، مؤكدا أن متوسط إصدار الكتب أصبح عامًا واحدًا.
وأضاف مدير المركز القومي للترجمة، في حواره لمصراوي، أن الفوضى في سوق النشر باتت قليلة للغاية وفي طريقها للتقلص بسبب وعي الناشرين بحقوقهم، وإلى نص الحوار..
نفضل الخسارة القريبة لعدم دفع أموال في كتب لا جدوى من نشرها الآن
كثير من المترجمين يشكون تأخر إصدارات الكتب المترجمة؟
نجحنا في التخلص من هذه المشكلة التي عانى منها المركز كثيرا، وكانت البداية بأن رصدنا جميع الكتب المتأخرة وأسباب تأخيرها حتى أن بعض الكتب تم نسيانها من الأساس من كثرة تأخرها، وبدأنا نبحث مشكلة كل كتاب وطريقة حلها فمثلا أحد المترجمين أخذ كتابا وتركه سنة واعتذر عن ترجمته بسبب سفره، فيُسند الأمر لمترجم آخر وهكذا لو عملنا سردًا شخصيًا لكل كتاب ستجد الكثير من هذه الأمور، وفي النهاية اتفقنا على أن هذه الكتب أنفقنا في سبيلها أموالا ولابد أن تصدر وكان لدينا كتب من 2008 وانتهينا منها جميعا، وباقي بعض الكتب في الأعوام القليلة الماضية بصدد الانتهاء من إصدارها بحيث نصل إلى إيقاع مقبول وهو عام واحد منذ التعاقد على نشر الكتاب وحتى إصداره.
هل الكتب التي ظلت 4 سنوات في الأدراج محتواها لازال صالحا للنشر الآن؟
هذه المشكلة تواجهنا في نوعين من الكتب، الأول في الكتب المرتبطة بظرف سياسي معين مثل احتلال العراق للكويت مثلا، وهذه الكتب لابد أن تصدر فورا وإلا فلن يكون معنى لإصدارها بعد ذلك، وفي هذه الحالة فإننا لا نصدره لأننا دفعنا ألف دولار مقدم حقوق الملكية الفكرية وسوف ندفع ألف دولار آخر وقت إصداره فضلا عن نفقات التوزيع والطباعة وبالتالي، ولذا نفضل الخسارة القريبة على أن ننفق كل هذه الأموال دون فائدة وبما أن المترجم تأخر فإننا نعتذر له عن إصدار الكتاب، وهذه الأمور تتعرض لها جميع دور النشر ولكن المهم ألا تزيد نسبة الهالك عن 5% وهو المعدل المقبول وإلا سيكون هناك خلل في الإدارة.
بعد رئاستك للمركز عدة أعوام.. هل لمست فوضى في سوق النشر؟
كانت الفوضى فيما مضى ولكن الآن أصبحت الأوضاع مقبولة لحد كبير بسبب التعاون الدولي في هذا المجال فإننا نرى في معرض الكتاب لو أن ناشرا رأى كتابه الذي دفع فيه حقوق ملكية فكرية مع دار نشر أخرى فإنه يحرر محضرًا يترتب عليه مصادرة الكتاب وإغلاق الجناح، وبالتالي هذه الخطوات دفعت دور النشر إلى اتخاذ الخطوات القانونية المعروفة قبل النشر حتى تتلافى العقاب،
هل معنى ذلك أنكم قضيتم على الفوضى؟
نعاني من فوضى في عدم التنسيق بين دور النشر العربية وبعضها البعض، وطالبنا بوجود ببلوجرافيا عربية لما تم ترجمته خلال العام الماضي وتبادل الكتب المترجمة عربيا، وقد وسعنا من قاعدة بيانات المترجمين لدى المركز لتشمل العالم العربي كله فكلفنا مترجمين في تونس والمغرب وسوريا بترجمة كتب كثيرة والمشكلة التي تواجهنا الآن هي كيف نرسل لهم مستحقاتهم بعد أن ألغت وزارة المالية التعامل بالشيكات والآن نحاول مع وزارة المالية أن تصل لهم مستحقاتهم بسعر اليوم وعملة البلد ووعدونا أن هذه المشكلة في طريقها للحل.
المترجم ليس خائنا ودلالات الألفاظ تختلف بين اللغات
المترجم خائن.. كيف ترى هذا المثل اللاتيني الشهير؟
هذا المثل الشائع لا أعترف به؛ لأن في عملية الترجمة يحدث أمر مثل فقد الطاقة، لأن تحويل الطاقة الحرارية إلى كهربائية مثلا يُفقد فيه جزء منها ونفس المسألة تحدث في الترجمة نظرا لاختلاف الغة واختلاف الدلالات بين اللغات المختلفة ولكن هذا ليس خيانة؛ لأن الخيانة عمل مقصود منه وشاية شخص ما، كما أن الترجمة أسيرة لمشكلتين أسيرتين الدقة والوضوح فإذا حققت الدقة ستصبح الجملة "مكلكلة" وغير مفهومة ووإذا حققت الوضوح يمكن أن تقع في مأزق عدم الدقة ولكن المترجم مضطر في النهاية إلى أن ينحاز إلى أي الهدفين يريد.
هل من أمثلة على ذلك؟
كنت في إيطاليا بإحدى الزيارات وتعرفت على مترجمة تلبس الجينز والملابس العادية على الموضة، وأشاروا لي بأنها مترجمة القرآن الكريم فتعجبت من هذا الأمر وسألتها عما دفعها لبذل الجهد والوقت لترجمة القرآن الكريم، فقالت لي لدينا ترجمة للقرآن لأديب كبير في أوائل القرن العشرين وكان يعتبر القرآن قمة البلاغة العربية وهو ما دفعه إلى ترجمته في شكل جعله قمة البلاغة الإيطالية واختار الألفاظ الجزلة والتعبيرات التقليدية ليخرج في النهاية في شكل قصة بلاغية عالية الجودة كما هو القرآن في لغته الأصلية، ولكنها لاحظت أثناء تدريسها القرآن أن الطلبة لا يفهمون شيئا فقررت ترجمته بلغة بسيطة لكي يصل إلى فهمهم بسهولة، وأنا احترمت الترجمتين لأن لكل منهما وجهة نظر تحترم ونبل في الدوافع.
الغرب ترجم القرآن الكريم عشرات المرات بعضها غير مفهوم
هل أنت راض عن ترجمات القرآن في اللغات المختلفة؟
للأسف لم أقرأ ترجمات القرآن في اللغات المختلفة، ولكن ترجمة النصوص المقدسة والشعر هما التحدي الأكبر أمام المترجمين وهو يجعل المترجم قلقًا حتى بعد الانتهاء من الترجمة، لأن ترجمة الروايات والأدب حتى لو لم تخرج دقيقة فإنه لن يسبب مشكلة كبيرة على عكس النصوص المقدسة وفي فرنسا صدر أكثر من 80 ترجمة للقرآن الكريم وكل مترجم يترجم حسب ظروفه التاريخية ومنها من ترجم في القرن السابع عشر والثامن عشر والعشرين وهكذا كل حسب ظروفه التاريخية وخلفيته الثقافية.
وما ملاحظاتك على الترجمات التي قرأتها؟
في فرنسا صدر 3 ترجمات ترجم كل منها، القرآن بأسلوب مختلف منهم من له أصول عربية وكان يرى أنه أحق بالترجمة من غيره باعتباره أعلم باللغتين من غيره، ومنهم جان بيرج وهو مستشرق أفنى حياته في خدمة الثقافة العربية وأراد أن يختم حياته بهذه الترجمة فترجم القرآن وكأنه قصيدة شعر ولم يكن يهمه الدقة وإنما أن يخرج المنتج النهائي في شكل جذاب وكل من هذه الترجمات مهمة.
كيف ترى إعادة الترجمة التي ظهرت مؤخرا وكأنها موضة؟
بالفعل أصبحت ظاهرة، والمترجم يكون له منظور مختلف ونلاحظ هذا الأمر في مسرحيات شكسبير، وهنا جرامش يقول إن الحس العام يحمل كل هلوسات التاريخ، وأرى أن الترجمة أيضا تحمل هلوسات التاريخ، وعملت مثلا على ترجمة النصوص الاشتراكية في القرن التاسع عشر فوجدت أحد المترجمين ترجم كلمة البرجوازية بأنها الأعيان، رغم أن الكلمة تعني أصحاب الحكم ورأس المال والمصانع، وفي هذا الوقت كان الحكم في أيد ملاك الأراضي، عكس أصحاب المصانع، وبالتالي الترجمة قد تكون مفيدة في عصرها ومع اختلاف الزمن يختلف المعنى، وعموما أصبح المصطلح شائعا.
نترجم الكتب العبرية بشرط عدم التعامل مع دور النشر الإسرائيلية
هل يمكن للمركز ترجمة الكتب العبرية؟
نترجم كتبا معينة من العبرية لأنها لغة مهمة وثقافة يستحسن أن نطلع عليها، والموقف السياسي مختلف عن الثقافات وإلا كانت ألمانيا منعت ترجمة الكتب الفرنسية في الحرب العالمية الثانية وهو ما لم يحدث، ولكن المشكلة تكمن في إجماع المحتمع الثقافي على رفض التطبيع، وهنا لا يجوز لي أن اتواصل مع دور نشر عبرية للحصول على حقوق أحد الكتب أو دواوين الشعر، ولكن يحق لي أن أترجم الكتب التي ليس لها حقوق مكلية فكرية وهناك كتب مكتوبة من العصور الوسطى مثل ابن ميمون وهنا نحولها للعربية مباشرة، ومؤخرا أصدرنا الوثائق الإسرائيلية لحرب أكتوبر للدكتور إبراهيم البحراوي وهي مباحة على الانترنت، وهي مفيدة لنا لأنهم يهونون من الحرب ويقولون إنها حرب تعادل وأنهم احتلوا الضفة الشرقية، فجاءت هذه الوثائق لتحسم الجدل وكيف أنها كانت هزة حقيقية في عمق المجتمع الإسرائيلي.
ما الجديد لدى المركز؟
نستعد الآن لإقامة عدد من دورات التدريب وسننتقل إلى دورات تدريب متخصصة مثل الترجمة الصحفية أو القانونية أو الفلسفية، وقد أقمنا بروتوكول تعاون مع إدارة التدريب بوكالة انباء الشرق الأوسط بحيث ننظم دورات تدريبية مشتركة فيما يتعلق بالترجمة الصحفية، وللأسف أصبحنا نستسهل ترجمة جوجل حتى أن الكثير من القراء بدأوا يعلنوا غضبهم من هذه الظاهرة.
فيديو قد يعجبك: