هل ينجح النظام التعليمي الجديد في مصر؟
الحكومة تسعى لإصلاح التعليم ببناء منظومة جديدة وسط مخاوف من الفشل
كتبت- ياسمين محمد:
تطلق وزارة التربية والتعليم نظامًا تعليميًا جديدًا مع انطلاق العام الدراسي الجديد في سبتمبر 2018، يبدأ بمرحلة رياض الأطفال والصف الأول ابتدائي، ويعتمد على التكنولوجيا الحديثة، ويحل محل النظام الحالي تدريجيًا، لتتخرج الدفعة الأولى منه مع تخرّج الطالب الأول من المرحلة الثانويّة بحلول عام 2030.
بدأ وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي الحديث عن المنظومة الجديدة، التي يطمح إلى تنفيذها، خلال مؤتمر موسع في أغسطس الماضي، أعقبته مؤتمرات وتصريحات عدة تكشف ملامح النظام.
وبحسب تصريحات الوزير، فإن "النظام التعليمي القائم في مصر في حالة انهيار تام، وإصلاحه أمر مستحيل، ولا بد من بناء نظام جديد، لأن مصر تستحق أن تتبوأ مكانة متقدمة في مؤشرات التنافسية العالمية في مجال جودة التعليم".
ويهدف النظام التعليمي الجديد، وفقًا لتصريحات الوزير، إلى إعادة متعة التعلّم إلى المدارس، وتكوين إنسان متعلم، مفكّر، مبتكر، ومواكب لركب الحضارة، ومن أبرز ملامحه: التركيز على بناء شخصية الطفل في المرحلة الابتدائية، وتعليمه لغتين أساسيتين هما العربية والإنجليزية، وتعليم الطلاب من خلال القصص في المرحلة الإعدادية، لتكون المرحلة الثانويّة أكثر ثراء من خلال تضمينها مزيجًا من العلوم والإنسانيات.
ولن يعتمد النظام الجديد على تقسيم العلوم كما هو الآن بالمرحلة الثانوية - التي تنقسم الدراسة بها إلى شعبتين علمية وأدبية، ويدرس طلاب الشعبة العلمية مواد: الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، والرياضيات، فيما يدرس طلاب الشعبة الأدبية مواد: التاريخ، الجغرافيا، علم النفس والاجتماع، والفلسفة- ولكن سيدرس مزيجًا من العلوم الطبيعية والإنسانية.
ويعد "بنك المعرفة" ركنًا أساسيًا في النظام التعليمي الجديد، إذ تتيح الوزارة المناهج الجديدة كافة عبره، إلى جانب ما يحتويه من مصادر معرفة، تعليمية، ثقافية، وبحثية، من كبرى دور النشر العالمية، المتاحة مجانًا للمصريين، مما يجعله ملاذًا للطلّاب الراغبين في البحث، خصوصاً أن النظام الجديد يعتمد على التعلم الذاتي القائم على المتعلم الذي يصل إلى المعلومة بنفسه، ويحدد دور المعلم في الإرشاد وليس التلقين كما يحدث حاليًا.
يقول الدكتور محمد عمر، مدير صندوق دعم وتمويل المشاريع التعليمية التابع إلى مجلس الوزراء، إنه وفقًا للخطة الموضوعة سيتم تدشين النظام الجديد في سبتمبر 2018، ولكنه لن يطبق قبل الحصول على الموافقة المجتمعية والسياسية، مضيفاً أنه سيتم عقد مؤتمر قومي كبير في أقرب وقت لعرض النظام على أفراد المجتمع من أولياء أمور ومعلّمين وغيرهم من المهتمين.
ولا يزال النظام الجديد يحتاج إلى مباركة برلمانية، إذ أشار عمر إلى أن الوزارة تعمل على تضمين تفاصيله في مشروع قانون التعليم الجديد، المعدل لقانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، تمهيدًا إلى إرساله إلى مجلس الوزراء، الذي بدوره يرسله إلى البرلمان للموافقة.
وأثارت تصريحات الوزير في شأن النظام التعليمي الجديد، ردود فعل واسعة بين خبراء التعليم المصريين وأولياء الأمور، الذين يصفون فكر الوزير بـ"العبقري"، ولكنهم يتخوفون من النظام الجديد.
يقول الدكتور عبد الحفيظ طايل، رئيس المركز المصري للحق في التعليم، إن كل النظم التعليمية يمكن أن تنجح في أي مكان وممكن أيضًا أن تفشل، بحسب البيئة المراد التطبيق فيها.
وأضاف طايل، لمصراوي، أن الحديث عن اللجوء إلى دمج التكنولوجيا بالمنظومة التعليمية، لا يلائم واقع المدارس الحكومية المصرية وطلابها، وإنما يخاطب شريحة صغيرة جدًا، وهي التي تلتحق بالمدارس الخاصة والدولية.
وأشار إلى أن القرى الأشّد فقراً في مصر لا تغطيها شبكات الإنترنت، أو شبكات المحمول من الجيل الرابع 4G التي أعلن الوزير اعتماد النظام الجديد عليها، موضحًا أن الأجدى أن تطبق الحكومة المناهج المناسبة للتدريس في الفصول العالية الكثافة، أو نظم التعليم المناسبة للبيئات الفقيرة.
وتعقيبًا على هذه النقطة، فقد ذكر وزير التربية والتعليم -في تصريحات سابقة- أن الوزارة لن تعتمد على البنية التكنولوجية بالمدارس لتوفير الانترنت، بينما تعتمد على شبكات المحمول من الجيل الرابع 4G، وتتفاوض شركات الاتصالات حاليًا لإتاحتها مجانًا بكافة المناطق، وسيتسلم كل طالب يلتحق بالمرحلة الثانوية "تابلت" يوضع عليه كافة المناهج.
ولفت طايل إلى أن هناك نحو 2000 قرية مصرية محرومة من التعليم، وعلى الوزارة الالتفات إليها قبل تطبيق النظام الجديد، مطالبا وزير التربية والتعليم بوضع إتاحة التعليم للجميع بمستوى جودة واحد لكل المصريين بالمجان، هدفًا رئيسيًا في خطته، على أن ترفع الدولة الضرائب على الأغنياء مقابل حصولهم على الخدمة التعليمية.
وعلق مدير صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية، على الانتقادات الموجهة إلى النظام الجديد، قائلاً: "المنتقدون لم يطلعوا على تفاصيل النظام في شكل مفصل ومجمل انتقاداتهم مستندة على تصريحات وزير التربية والتعليم حول النظام فقط.
وقال: "النظام شارك في وضعه خبراء عالميّون، ولم يتطلع على تفاصيله إلا عدد لا يتجاوز أصابع اليد".
وأكد عمر أن فرص نجاح نظام التعليم الجديد كبيرة جدًا، وأن الوزارة وضعت حلولا للمشاكل كافة التي يمكن أن تواجه تطبيقه، ومنها مشكال البنية التكنولوجية، مشيرا إلى أن هناك حلولًا لأي مشكلة والوزارة لا تعيد اختراع العجلة، وكل ما تسعى إليه هو تدشين نظام تعليمي جديد يساير الركب العالمي، ذي هويّة مصرية يتفق وثقافة المصريين.
ونوه عمر بأن النظام التعليمي الجديد لا يواجه عوائق متعلّقة بأصحاب المصالح، لأنه قادر على استيعاب الجميع بشرط أن تكون لديهم إرادة لتطوير أنفسهم.
وذهب أستاذ التربية في جامعة طنطا الدكتور محمد الطيب إلى اعتبار أن رؤية مسؤولي التعليم في مصر ليست واضحة من حيث الإجراءات التنفيذية، على الرغم من اقتراب موعد التنفيذ المحدد.
وأشار الطيب إلى أنه لا مانع من تطبيق نظام تعليمي جديد، بشرط أن يستوعب مشاكل التعليم في مصر، مثل قلة عدد المدارس مقارنة بالكثافة الطلابية، تعدد أنماط التعليم قبل الجامعي من عام، خاص، لغات، دولي، وأزهري، التسرب التعليمي، وعجز أعداد المعلمين.
وبالاطلاع على رأي عدد من أولياء الأمور الذين سيطبق على أبنائهم النظام الجديد، فإنهم يقرون بمساوئ النظام التعليمي القائم، ويتمنون أن تتحول تصريحات الوزير إلى واقع ملموس، لا يخلق مشكال جديدة لم تكن في الحسبان تجعلهم يترحمون على النظام السيئ الذي تعايشوا معه.
وأضاف محمد الطيب أن تصريحات المسؤولين عن النظام التعليمي الجديد حتى الآن تعتبر قفزًا فوق الحواجز وبدءاً من النهاية، مطالبًا بالنظر إلى عموم المصريين، خصوصًا الفقراء والكادحين منهم المتواجدين في القرى والنجوع والصحاري، فهل هم قادرون على التكيف مع النظام أم لا؟
فيديو قد يعجبك: