مستقبل الدور الأمريكي في القارة الأفريقية بعد تصريحات ترامب
القاهرة (أ ش أ)
لم يكن نبأ فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية قبل أكثر من عام نبأ سارا بالنسبة لشعوب القارة الافريقية ، على العكس من فوز الرئيس السابق باراك أوباما الذي ينحدر من أصول افريقية.
فبينما أثار فوز أوباما حماس الأفارقة وأنعش تطلعاتهم بأن تشهد العلاقات بين افريقيا والولايات المتحدة تقاربا أكبر، كان فوز ترامب مبعث قلق وتوجس كبيرين داخل الأوساط السياسية الافريقية ،بالنظر إلى مواقفه وتصريحاته العنصرية والمتشددة تجاه الأقليات والمهاجرين في الولايات المتحدة ولاسيما القادمين من أفريقيا.
كما أن مجيء ترامب إلى البيت الابيض بأجندة تركز على الداخل الأمريكي، وتتخذ مواقف متشددة حيال قضايا الهجرة والمساعدات الخارجية، طرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل العلاقات الأمريكية الافريقية التي شهدت انتعاشا ملحوظا في عهد أوباما، إذ لم يخف عديد من الخبراء والسياسيين الأفارقة هواجسهم من تراجع موقع افريقيا وقضاياها في ترتيب أجندة الإدارة الامريكية الحالية واهتماماتها.
وقد جاءت تصريحات ترامب المسيئة للدول الافريقية، لتضع العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا في دائرة الضوء مجددا، وتعيد طرح الأسئلة عن واقع وأفاق هذه العلاقات ،في ظل إدارة ترامب ومواقفه وسياساته المعلنة ، وتداعيات هذه التصريحات على علاقة واشنطن مع دول وشعوب القارة ، سواء فيما يتعلق بالمساعدات المالية، أو العلاقات الدبلوماسية والأمنية.
وكان ترامب قد وصف، خلال اجتماع في البيت الابيض الاسبوع الماضي حول الهجرة ، دولا أفريقية (لم يسمها) وهايتي بـ"الأوكار القذرة" أو "الحثالة"، وهي التصريحات التي وصفت بأنها عنصرية وكريهة وصادمة.
وعلى الرغم من أن ترامب سعى للتنصل من هذه التصريحات، إلا أن ذلك لم يفلح في تخفيف حدة الغضب الواسع الذي خلفته داخل الأوساط السياسية والشعبية الافريقية وعلى الصعيد الدولي.
فقد أكدت "إبا كالوندو" المتحدثة باسم رئيس الاتحاد الأفريقي، رفض الاتحاد لهذه التصريحات التي وصفتها بالجارحة " ليس فقط بالنسبة للشعوب ذات الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة، وإنما للمواطنين الأفارقة كذلك ".
وفي نيويورك أصدر سفراء الدول الافريقية بالأمم المتحدة بيانا شديد اللهجة، طالبوا فيه الرئيس الأمريكي بـ"التراجع" و"الاعتذار" عن هذه التصريحات التي وصفها البيان بأنها صادمة وعنصرية ، كما عبروا عن تضامنهم مع شعب هايتي والدول الأخرى المشمولة بتلك التصريحات.
من جهتها أعربت الأمم المتحدة عن صدمتها من تصريحات ترامب، وقال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان روبرت كولفيل في جنيف في حال تأكدت، فإنها تصريحات صادمة ومعيبة من رئيس الولايات المتحدة، وليس هناك وصف لما قاله سوى أنه "عنصرية".
وبينما يستبعد بعض المراقبين أن تصل الأزمة الحالية التي سببتها تصريحات ترامب إلى قطيعة دبلوماسية بين الدول الافريقية والولايات المتحدة، فإنها تعمق المخاوف والقلق بشأن مستقبل العلاقات بين الجانبين، كما أنها تكشف، حسب محللين، جهلا واضحا من قبل الرئيس الأمريكي بالقارة الافريقية وما تمثله من أهمية كبرى للمصالح الأمريكية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا ، في ظل تنامي خطر بعض التنظيمات والجماعات المتشددة ، وعلى ضوء التنافس المحموم على النفوذ والثروات في القارة الافريقية ،خصوصا من جانب الصين.
ففي ظل إدارة أوباما كان هناك ملفان أساسيان يحكمان السياسة الأمريكية في أفريقيا وهما : الاقتصاد والأمن.
الملف الأول بهدف مواجهة تنامي الدور الاقتصادي والتجاري للصين في القارة ، والتي أصبحت منذ عام 2009 الشريك التجاري الاول لافريقيا ، والملف الثاني بهدف مواصلة الحرب على الجماعات الارهابية في افريقيا والتي تشكل خطرا على المصالح الأمريكية ، حيث تشهد القارة الأفريقية انتشارا بطيئا للجيش الأمريكي في أنحاء القارة، وتوجد قواعد أمريكية لطائرات دون طيار تقوم بمهام مراقبة وقوات خاصة تنخرط في العمليات ضد الجماعات المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة في أنحاء القارة ، لاسيما في منطقة الساحل وجنوب الصحراء حيث تنشط جماعات ارهابية كالقاعدة وبوكو حرام ، وحركة الشباب الصومالية .
وفي إطار العمل على تحقيق هذين الهدفين عقدت في واشنطن في أغسطس 2014 ، قمة أمريكية - أفريقية حضرها نحو خمسين من الرؤساء والزعماء الافارقة ، بحثت آفاق الشراكة بين الولايات المتحدة وافريقيا .واعتبرها أوباما أحد أهم الانجازات التي حققتها إدارته .
لكن ترامب ، على النقيض من أوباما ، رأى أن الولايات المتحدة تنفق أموالًا كبيرة في مشاريع لا تعود بالفائدة عليها ، وهو ما يضر بالاقتصاد الأمريكي .
هذا الموقف أثار تساؤلات حول مستقبل المساعدات الأمريكية للدول الافريقية ومستقبل الشراكات التي عقدتها الادارات السابقة مع بلدان القارة ، إذ تقدم الولايات المتحدة مليارات الدولارات في صورة مساعدات انسانية إلى الدول الافريقية ،وخصوصا في مجال الصحة ومكافحة الأمراض الخطيرة كالإيدز والملاريا ، فضلا عن المشاريع الاستثمارية والتجارية.
وكانت المساعدات الأمريكية لإفريقيا محور خلاف جديد بين إدارة ترامب وعدد من كبار المسؤولين الأمريكيين بعد مقترح الإدارة بتقليص هذه المساعدات ، حيث حذر كثيرون من أن ذلك يشكل خطرا على المصالح الحيوية الأمريكية في افريقيا ،ويفسح المجال أمام لاعبين آخرين مثل الصين لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية على الساحة الافريقية .
إلا أنه ورغم هذه المؤشرات السلبية فيما يخص مواقف ترامب وإدارته من العلاقات مع أفريقيا فإن محللين وخبراء أمريكيين يستبعدون حدوث تحول درامي في مسار هذه العلاقات ، خصوصا في ظل تركيز هذه الإدارة على محاربة التطرف والإرهاب في القارة ، كما يرون أن العلاقات في عهد ترامب ستركز أكثر على فرص التجارة والاستثمار مع الدول الافريقية على حساب المساعدات.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى الاجتماع الوزاري الذي عقد منتصف شهر نوفمبر الماضي في واشنطن حول التجارة والأمن والحكم في افريقيا بحضور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وعدد كبير من الوزراء والمسئولين الأفارقة.
وأظهر هذا الاجتماع أن قضيتي الاقتصاد والأمن مازالتا تحكمان السياسة الامريكية تجاه افريقيا دون تغيير جوهري حتى مع مجيء ترامب، فقد أكد تيلرسون أن إدارة ترامب تسعى إلى إعادة تركيز العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا حول التجارة والاستثمار لتشجيع سياسات الانفتاح والتنافسية بالقارة.
واستعرض تيلرسون تنامي حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والقارة الافريقية كما جدد التزام الولايات المتحدة بالتحالف المشترك لهزيمة التنظيمات الارهابية والمتشددة في القارة ، وأشار في هذا الصدد لإعلان واشنطن في شهر اكتوبر 2017 عن تخصيص مبلغ إضافي قدره 60 مليون دولار أمريكى لتمويل القوة المشتركة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء غربي افريقيا.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: