حضور نسائي كثيف في معرض الكتاب
القاهرة- أ ش أ:
يشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته التاسعة والأربعين، إقبالاً كثيفاً من الزائرين، إلا أن الحضور النسائي يبدو واضحاً لكل ذي عينين في هذا العرس الثقافي المصري الذي يكتسب المزيد من البهجة بهذا الحضور لجميلات الروح والملامح والتصرفات الراقية والطموحات العظيمة.
ولعل هذا الحضور النسائي الظاهر في عيد الكتاب بأرض الكنانة- الذي يستمر حتى العاشر من شهر فبراير المقبل- يدحض النظرة الاستشراقية حيال المرأة المصرية والعربية التي تتجلى في بعض وسائل الإعلام الغربية الساعية لاصطناع ما قد يبدو غريباً ومثيراً للمتلقى في الغرب.
وبقدر ما يبرهن هذا الحضور الثقافي المبهج منذ أن فتح المعرض أبوابه أمام الجمهور يوم السبت الماضي على ما وقر في الوجدان المصري والعربي من أن "النساء شقائق الرجال" فإنه يؤكد أن اهتمامات وتطلعات النساء في مصر ليست بعيدة او منفصلة عن هموم واهتمامات وتطلعات الرجال على امتداد الوطن، وهو ما تجلى بوضوح في مقابلات مع الزائرات والمشاركات في هذا العرس الثقافي.
فها هي منى غيث الشابة التي تدرس الأدب الإنجليزي معنية بقراءة أعمال الكاتب والمبدع الراحل عبدالرحمن الشرقاوي الذي قضى في الرابع والعشرين من فبراير عام 1987، اختير كشخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، وتتحدث عن رؤى هذا الأب الثقافي المصري التنويرية وانحيازاته الواضحة للعدالة الاجتماعية.
وتتحدث هذه الشابة المصرية- التي مازالت في عامها العشرين- بإعجاب عن كتاب "محمد رسول الحرية" ، فضلاً عن روايات "الأرض" و"الشوارع الخلفية" و"قلوب خالية" التي كتبها عبدالرحمن الشرقاوي المتوج بجائزة الدولة التقديرية عام 1974 فيما تعتزم قراءة مسرحياته، خاصة "الحسين شهيدا" و"الفتى مهران".
أما زميلتها نورهان صديق التي تطمح للتفوق في دراستها والانخراط في السلك الأكاديمي فتعبر عن اعجابها بالتنوع الكبير في فعاليات وندوات الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب كما تنوه بالتسهيلات التي قدمت للراغبين في زيارة المعرض مثل تخصيص حافلات للنقل العام من الميادين الرئيسية بالقاهرة الى ارض المعارض الدولية بمدينة نصر.
وتتفق نورهان صديق مع زميلتها منى غيث في أهمية وثراء إبداعات عبدالرحمن الشرقاوي الذي ولد في العاشر من نوفمبر عام 1920 وتقول بفخر إنها قرأت كتابه "أئمة الفقه التسعة" فيما يحتفظ والدها بمجموعات قديمة من مجلة روز اليوسف التي تولى الشرقاوي رئاستها عدة سنوات في سبعينات القرن الماضي قبل ان ينتقل إلى جريدة الأهرام ككاتب متفرغ.
وإذ تنهمك طالبة جامعية أخرى هي رباب منير في اختيار بعض الكتب بعناوينها ذات المضمون السياسي الواضح، تؤكد أنها تهوى أيضا قراءة الشعر وخاصة قصائد احمد عبدالمعطي حجازي والراحلين صلاح عبدالصبور وفاروق شوشة.
وفيما يتفق علماء السياسة على ان مدى مشاركة المرأة فى العملية الانتخابية يرتبط بمستوى تطور المجتمع فى بنيته الاقتصادية والاجتماعية وبنيانه السياسى والثقافى فإن للمراقب ان يشعر بتفاؤل وهو يرى هذا الحضور النسائي في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يحق وصفه بأنه اهم حدث ثقافي مصري على مدار العام.
ومن بين الإصدارات اللافتة في دورة هذا العام لمعرض القاهرة الدولي للكتاب "ملكات مصر" وهو كتاب بقلم عالم المصريات ووزير الآثار الأسبق الدكتور ممدوح الدماطي، ويتناول الملكات اللاتي أسهمن في صنع التاريخ المصري المديد سواء في العصر الفرعوني أو الحقبة البطلمية وعصر المماليك حيث ذاع صيت "شجرة الدر".
وفي العام الماضي كانت مصر قد أعلنت أن عام 2017 هو "عام المرأة" فيما تبقى "ثقافة تمكين المرأة" حاضرة بقوة وحفاوة في العقل الثقافي المصري وفي وقت مازالت فيه قضايا النساء مطروحة في كل الثقافات سعيا لعالم أكثر عدالة وإنسانية.
وإذ أوضحت رئيس المجلس القومي للمرأة الدكتورة مايا مرسي أن فعاليات عام المرأة التي انطلقت في شهر مارس الماضي مستمرة في شهر مارس من العام القادم فيما تبذل مصر جهداً كبيراً دفاعاً عن حقوق المرأة وتحسين وضعها فمن الطريف ان تنتج الثقافة الغربية كتابا صدر بالإنجليزية بعنوان: "السلطة" وتسعى فيه الكاتبة البريطانية ناعومي الدرمان للإجابة عن السؤال: "ماذا سيحدث لو حكمت النساء العالم".
ومع أنها استعانت بخيالها وتصوراتها الافتراضية أحيانا في سياق الإجابة فان هذا الخيال لم يكن متحيزا تماما لحواء إذ اجتر أحيانا لحظات من الحنين لعصر سادت فيه سلطة الرجل ثم تحول الحنين إلى سؤال جديد بعد أن أفضت السلطة النسائية لمأزق جديد للإنسانية التي تحتاج لرؤية رحبة لحل قضايا الرجال والنساء معا. وهذا هو المعنى الإنساني الذي تتبناه الكثير من الأصوات الثقافية في الغرب والشرق معا بينما تكون "ثقافة تمكين المرأة" جزءا من سعي مطلوب لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع بصرف النظر عن النوع او اللون او العرق ولعل هذا المعنى الإنساني يتجلى أيضا في الحضور الواضح للمرأة سواء على مستوى الإصدارات او كزائرات لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.
ومن هنا يحق للناقدة والروائية المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا ن ترى أن التساؤل عن معاناة المبدعة من احتكار الرجال لم يعد صالحا للواقع الإبداعي الحالي معتبرة أن المبدعة المصرية والعربية عموما "تمكنت من فرض نفسها على الساحة".
ولم تخف فتيات من زائرات معرض القاهرة الدولي للكتاب ترحيبهن البالغ بزخم لأنشطة السينمائية في الدورة الحالية للمعرض الذي يشهد هذا العام تكريم رموز سينمائية تتمثل في المخرجين علي بدرخان وداود عبد السيد وخيري بشارة فيما ترى الطالبة الجامعية سميرة محمود إن هذه الأنشطة تتكامل مع الكتاب كوسائط ثقافية تجمع ما بين المعرفة والمرح.
وإذا كان الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشة الذي قضي عام 1900 وتوزعت اهتماماته ما بين الشعر والموسيقى وعلم النفس والجمال والأخلاق وفقه اللغة هو صاحب تعبير "المعرفة المرحة" فان تجليات وأطياف المعرفة المرحة ظاهرة يعززها هذا الحضور للجميلات في معرض القاهرة الدولي للكتاب ، كما بدا واضحا في احتفاليات أقيمت بمناسبة هذا الحدث الثقافي الهام مثل الحفل الذي اقامته "دار الشروق" مساء امس الأول "الاثنين".
ووسط كوكبة من الكتاب والأدباء والشخصيات العامة حضرت هذا الحفل الذي باتت دار الشروق تقيمه كل عام بمناسبة انطلاق فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب العديد من الوجوه النسائية المثقفة كالنائبة البرلمانية أنيسة حسونة والكاتبة منى سراج والإعلامية والكاتبة راوية راشد والروائية رشا سمير وزميلتها غادة صلاح جاد فضلا عن ام كلثوم نجيب محفوظ ابنة الأديب النوبلي المصري الراحل.
وضمن فعالياته هذا العام يحتفي معرض القاهرة الدولي للكتاب بذكرى تتويج نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب عام 1988 والذي كان قد أهدى ميدالية نوبل الذهبية لزوجته لسيدة عطية الله إبراهيم.
ومع ذلك ترى مثقفة مصرية بارزة هي الدكتورة نوال السعداوي أن "زوجات أغلب الكتاب والمفكرين غائبات عن الحياة الفكرية والثقافية".
وإذ تنتصر الدكتورة نوال السعداوي "للمرأة الذكية ذات العقل المبدع" فإن المثقفة المغربية الكبيرة وعالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي والتي تشكل كتبها هدفا لبعض عشاق القراءة ومرتادي معارض الكتب رأت أن المرأة في الغرب المعاصر أيضا تعاني من الاستلاب و"العبودية المستترة".
وسعت فاطمة المرنيسي التي قضت في الثلاثين من نوفمبر عام 2015 للتذكير بإسهامات أصيلة للحضارة العربية - الإسلامية على صعيد قضايا تحرير المرأة بقدر ما تدحض النظرة الاستشراقية وهي نظرة تنفيها أيضا ظاهرة الحضور النسائي الكثيف في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يتضمن على مستوى الفعاليات محورا خاصا للمرأة.
وقد يثير لقاء الجمال والإبداع في الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب أسئلة مثل :"أى سلطة تمتلكها النجمة الجميلة عندما تكتب ؟!..ومثل هذا السؤال طرح في الصحافة الثقافية الغربية مع الإعلان عن أول قصة للفنانة الأمريكية بريتنى سبيرز وهي قصة مطعمة بتجارب شخصية عرفتها فى مسيرتها الفنية.
وبريتنى سبيرز التى ولدت فى الثانى من ديسمبر عام 1981 تعد من اشهر نجمات البوب حاليا فضلا عن كونها ممثلة وكاتبة كلمات فيما استهواها الفن منذ طفولتها حتى باتت الآن محكمة فى العديد من المسابقات والمهرجانات الفنية.
والحقيقة أن نادى النجمات الجميلات فى الغرب عرف الطريق للكتابة بأسماء عديدة مثل نجمة تلفزيون الواقع نيكول بوليزى ومصممة الأزياء لورين كونراد والتى قيل ان قصة بريتنى سبيرز تشبه الى حد ما قصتها "ال.ايه.كاندى" التى تصدرت من قبل قائمة صحيفة نيويورك تايمز لأعلى مبيعات الكتب.
ومن الفنانات اللاتى عرفن طريق الكتابة والإبداع بالقلم المخرجة والكاتبة الأمريكية الراحلة نورا ايفرون ووصفت صاحبة الروائع السينمائية مثل: "عندما التقى هارى بسالى" و"بلا نوم فى سياتل" بأنها "كانت كاتبة رائعة ومرحة" فيما قالت عنها الممثلة ميريل ستريب بأنها كانت "تهتم بأدق التفاصيل وتقدح ذهنها وتمعن التفكير".
وإذا كانت الراحلة نورا ايفرون قد عرفت أيضا طريق الكتابة الصحفية فان الفنانة المصرية لبنى عبد العزيز عرفت أيضا الكتابة والصحافة كما أن الفنانة السورية رغدة لها إبداعات في الشعر ولن يكون بالوسع أيضا تناسى دور فنانات كن ملهمات للشعراء والكتاب الكبار مثل الفنانة الراحلة زوزو حمدى الحكيم التي كانت ملهمة "لشاعر الأطلال" الدكتور إبراهيم ناجي.
ولقاء الجمال والإبداع يتجلى أيضا في الجزائرية أحلام مستغانمي التي تكتب الشعر إلى جانب الرواية وفازت من قبل "بجائزة نجيب محفوظ "عن روايتها "ذاكرة الجسد" فيما وصف الشاعر السوري الراحل نزار قباني كتابتها بأنها "تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها".
ولئن غابت الكاتبة والمبدعة الجزائرية أحلام مستغانمي عن الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي اختيرت الجزائر الشقيقة ضيف الشرف فيها فإن هذه الأديبة المعنية بقضايا المرأة وصاحبة الكتب الشهيرة مثل "فوضى الحواس" و"الأسود يليق بك" أشارت إلى احتمال حضورها في الدورة المقبلة التي ستكون اليوبيل الذهبي لهذا المعرض الذي أقيم لأول مرة في عام 1969 ويعد من أهم معارض الكتب على مستوى العالم.
والروائية أحلام مستغانمي التي ولدت في الثالث عشر من أبريل عام 1953 وتحظى رواياتها بإعجاب الكثير من القراء العرب وخاصة الشباب في مصر ابنة مناضل من مناضلي الثورة الجزائرية التي أفرزت شخصية مثل جميلة بو حريد ليكتب عنها المبدع المصري عبد الرحمن الشرقاوي مسرحية باسمها.
وإذا كانت كتابات أحلام مستغانمي الحاصلة على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون بباريس تحولت إلى ظاهرة في الثقافة العربية بقدرتها على جذب جمهور كبير من القراء لتحقق كتبها نسب مبيعات عالية في زمن وصفه البعض بأنه "مضاد للقراءة" غير أن هذا الوصف قد ينزع للتشاؤم بقدر مايفتقر للدقة.
فالحضور الكثيف في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يبدو هذا العام أنه سيسجل رقما قياسيا جديدا مع الإقبال الواضح على شراء الكتب أمر ينفي صحة مقولة إن هذا الزمن مضاد للقراءة..وها نحن شهود على أحلام الجميلات في أحداق الحروف وعشق نبيل للكتاب..ها نحن شهود في عيد الكتاب بالقاهرة على جميلات تكحلن المآقي شعرا فتبتهج الكلمات طربا !!.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: