أسامة الزيني: جائزة "ساويرس" احترمت المبدعين.. و"مسرح مصر" أعادنا 100 سنة للوراء
كتب- محمد عاطف:
وصف جائزة ساويرس بالذراع الهيدروليكية العملاقة التي وضعته في قلب المشهد الثقافي، وقال إن القيمة الكبرى للجائزة هي احترام الإبداع والمبدعين و"مد البساط الأحمر أمامهم للمرة الأولى مثل نجوم الفن وكبار السياسيين".
أكد أهمية الجوائز الكبيرة عامة للمبدعين الحقيقيين وسط ما وصفه بـ"طوفان الإفلاس والادعاء والهرولة على كل شيء في الوسط الإبداعي".. يرى أن مسرح مصر "تهريج يليق بسيرك، وتجهيل لأجيال كاملة كل ما تعرفه عن المسرح أنه عروض مضحكة"، وقال إن "من العار ألا يحترم الفنان فنه ومن الجهل ألا يكون مؤمنًا بأن له رسالة".
تصريحات جريئة وقد تكون صادمة، أدلى بها الشاعر والروائي والكاتب المسرحي أسامة الزيني لـ"مصراوي" بعد فوزه بجائزة ساويرس الثقافية عن مسرحيته "العرض الأخير"، وإلى نص الحوار..
* هل أثر حصولك على جائزة ساويرس في مسيرة إبداعك؟
- دعني أقص عليك قصة صغيرة طريفة أولاً، قبل أجيب عن سؤالك هذا.. قبل مغادرتي مصر في عام 2004م، فزت بأكثر من مرة بجائزة في الشعر من مؤسسة ثقافية حكومية مرموقة في مصر، كانت فرحتي غامرة حين أُبلغت بنبأ الفوز في المرة الأولى، لكن هذه الفرحة تحولت إلى كرة ثلج صغيرة بدأت تتدحرج داخلي حتى أطفأت كل حرارة لسعادتي بهذا الفوز، حين وجدت الموظف المسؤول الذي أرشدوني إليه هناك يصافحني مبتسماً، ويطلب مني "التفضل بالجلوس" ريثما يبحث عن "شيك" قيمة الجائزة المالية في أحد الأدراج. سألت الموظف: ألا تقيمون حفلاً لتسليم الجوائز وتكريم الفائزين؟"، تبسم ابتسامة باردة وحاول إبداء قدر من الأسف غير الحقيقي وهو يقول: "لا.. هذا كل شيء.". سكتُّ لوهلة حتى أبتلع صدمتي الأولى، ثم عدت أسأله: "على الأقل شهادة تقدير.".. عاد الموظف لرسم ابتسامته الباردة التي بدا لي أنه مدرب عليها لمواجهة مثل هذه الأسئلة، وقال: "مع الأسف.. هذا كل شيء.".. سكتُّ مجدداً ريثما أبتلع غُصتي الثانية، وعاودت السؤال للمرة الثالثة، مع قدر من الدهشة والاستنكار: "وما الذي يثبت أنني حصلت على جائزتكم هذه؟.".. كان سؤالي إداريًا هذه المرة ويبدو أيضاً أنه باغت الموظف الذي وضع ابتسامته جانباً، وجلس يفكر بجدية في مَخرج من هذه الورطة وقد بدا سؤالي اختباراً لقدراته الإدارية؟ وبالفعل لم تخنه قريحته، فلم يستغرق وقتاً طويلاً حتى جاءتني الإجابة: "من الممكن أن نعطيك ما يثبت حصولك على الجائزة."، وافقت على الفور، فهذا كان أفضل من لاشيء.
في السنوات التالية التي فزت فيها بالجائزة، وكنت متخصصاً فيها، كنت أتلقى في الموعد نفسه من كل عام اتصالاً من موظفة تبلغني فيه بنبأ الفوز.. استقبل الخبر الجميل بنصف سعادة، أذهب إلى المؤسسة.. أتوجه إلى مكتب الموظف مباشرة.. أوقع على استلام الشيك.. أُذَكِّره وأنا أرسم على وجهي ابتسامة باردة تشبه ابتسامته تماماً، بالورقة التي تثبت أنني فزت بالجائزة هذا العام، حتى أقدمها، إذا دعت الحاجة، "إلى من يهمه الأمر".. نعم كان هذا عنوان الورقة، وعنوان جميع الأوراق التي أحتفظ بها إلى اليوم، الأوراق التي تشهد على عقود من الإهمال للمبدعين والإبداع في بلادنا.
* وما هو المختلف مع جائزة ساويرس الثقافية؟
- إن القيمة الكبرى والاختلاف الكبير وكلمة السر في الأثر الكبير، بل المُدوّي، لجائزة ساويرس الثقافية، يتمثل في تقديري، في احترام الإبداع والمبدعين، ومد البساط الأحمر أمامهم للمرة الأولى مثل نجوم الفن وكبار السياسيين، فشتان بين مؤسسة تقدم لك جائزتك كأنها صدقة يدسها محسن في يد متسول، وأخرى ترفع لك القبعة، وتمد أمامك البساط الأحمر لترتقي أهم خشبة مسرح في بلادك، مسرح دار الأوبرا المصرية، وتجمع حولك جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، حتى إن أصدقاءنا العرب جميعاً كتبوا على حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي يهنئوننا بالحصول على الجائزة التي تخطت أصداؤها حدود مصر إلى الأقطار العربية الشقيقة مع أنها جائزة محلية، فارق كبير بين أن تتسلم جائزتك من يد موظف يُحَضِّر لك ابتسامة باردة يستقبلك بها، وأن تتسلمها من يدَي سيدة المسرح العربي سميحة أيوب، والسيد سميح ساويرس أحد أهم رجل الأعمال في وطنك، وهو يشد على يدك.. فارق كبير بين أن تخرج محبطاً من مكتب وظيفي وأنت تلوح بورقة بليدة توثق بها لحظة بائسة، وأن تقف غير مصدق نفسك من الدهشة والسعادة وأضواء فلاشات عشرات الكاميرات تنعكس على وجهك، وهذه النخب الاجتماعية والثقافية والفنية تصفق لك، وإعلام وطنك ينقل لحطة بلحظة والجميع في الخارج يترقبون اسم الفائز بكل فرع من فروع الجائزة.
* هل شعرت بفارق كبير بعد الجائزة عما كان قبل حصولك عليها؟
- الجوائز الكبيرة والمهمة من فئة جائزة ساويرس تحفزك من قبل أن تفوز بها، فما بالك بعد الحصول عليها، يقينًا حمل لقب جائزة ساويرس بالنسبة إليَّ حدث له ما بعده، فهي بالنسبة إلي كانت محطة العودة، إبداعيًا، إلى الوطن بعد محطات جوائز عربية وفقني الله إليها، لكن جائزة ساويرس بالنسبة إليّ كانت شيئاً آخر؛ نظراً إلى ظرف اغترابي منذ 15 عاماً، وغيابي شبه التام عن الوسط الأدبي والإعلامي في مصر، حتى بدوت لبعضهم مختفيًا، في الوقت الذي كنت أحقق فيه الجوائز خارج وطني، في الكويت، والإمارات، والسعودية، فكانت الجائزة بالنسبة إليَّ ذراعًا هيدروليكية عملاقة حملتني من مُغتَرَبي القديم، ووضعتني في قلب المشهد الثقافي في مصر، بعد غيابي الطويل.
* كيف ترى تأثير الجوائز على الكاتب أو المبدع؟
- دعني أقول لك إن معظم المبدعين الذين لديهم مشروع إبداعي حقيقي "تعبوا عليه"، ولديهم ما يقدمونه فعلاً، لم يعد أمامهم أفق يتحققون فيه ويثبتون جدارتهم بالاحتفاء بمنجزهم الإبداعي، سوى الجوائز الأدبية المهمة، وسط هذا الطوفان من الإفلاس والادعاء والهرولة على كل شيء في الوسط الإبداعي، بدء من القتال على مجالس إدارة أندية أدبية خارج التاريخ والحاضر والمستقبل الثقافي، ومرورًا بالقتال على حضور المؤتمرات، وانتهاء إلى جوائز الدولة التي فاز بها في بعض الدورات أعضاء في اللجان المشرفة عليها، في مشهد رديء لا يمكنك الرهان فيه على النقد الغائب المتحوصل داخل قضاياه الأكاديمية، أو ذاك الآخر الموجه إلى مصالحه وغاياته.
أيضًا من نافلة القول، إنه لا يمكنك الرهان على وعي القارئ وحده، فنحن نعيش حالة غير مسبوقة من الأمية الثقافية، بل أمية القراءة والكتابة التي لا يُستثنَى منها بعض من ينسبون أنفسهم إلى قوائم الكتاب والمبدعين، وفوضى النشر، حتى إن كل مواطن اليوم أصبح يحمل كتابه بيمينه، ويقول هاؤم اقرأوا كتابيه، فما الذي يميز شاعرًا مبدعًا من كاتب خواطر رديئة؟، وما الذي يميز روائيًا من كاتب حواديت بائسة؟.
لم يعد لدينا ذاك الناقد الكبير الذي يحدد الموهوب من الموهوم، ولم يعد لدينا الصحفي الذي يدرك ما الذي يستحق النشر ما يقدم إليه من أعمال؟ وما الذي يتوجب الاعتذار عن نشره؟ ولم يعد لدينا القارئ المدرَّب الذي يفرق بذائقته السليمة بين الجوهرة وقطعة الكريستال، فقط الجائزة تحدد للقراء والمهتمين والراغبين في القراءة المبدع الحقيقي من المدعي.
* ما هي آخر أعمال أو مشاريعك التي تعمل عليها؟
- انتهيت قبل أشهر من كتابة مسرحية "شارع شامبليون"، عمل يتحدث عن مصر ما بعد 25 يناير 2011، ويقدم رؤية فنية لمشهد عبثي في مجتمع ثار على فساد الصف الأول من النخبة السياسية في بلاده.
* يرى بعضهم أن أزمة المسرح في مصر مرتبطة بعدم وجود كتاب جدد لديهم القدرة على تجديد شباب المسرح وطرح رؤى مختلفة حول الواقع الجديد؟
- مشاكل المسرح شائكة ومتداخلة، وحصرها في الكتابة وحسب يبتعد بنا عن التشخيص الشامل للحالة، فما قيمة النصوص الجيدة، وهى ليست قليلة بالمناسبة، إذا كان قرار اختيارها في يد المخرج، وهذا الأخير لديه رؤيته الخاصة جدًا، وتصوره المختلف للعمل، وهى المعاناة نفسها في السينما، يقينًا هناك نصوص سيناريوات جيدة وخلاقة، لكن تقديمها قرار شخص آخر هو المخرج، وإن كانت الأمور في صناعة السينما أعقد، لظروف الإنتاج والتسويق، لكن الأمور في المسرح مختلفة.
هناك نصوص جيدة بالفعل، لكن هذا لا يعني أنها كثيرة، فالجودة مقترنة بالندرة دائمًا، هذا إذا كنا نتحدث عن أعمال قوية تمثل علامات في مسيرة المسرح وتنجح في اجتذاب الجمهور إلى المسرح بقوة مثل سابق عهده، لكن يبقى أن نقول إننا بشكل عام نعيش أزمة نصوص، ليس لأنه ليس لدينا نصوص جيدة، لكن لأننا في حاجة إلى الإيمان أكثر بقوة الورق/النصوص، واحترام التخصص/الكتابة، ودعم الكتاب وتحفيزهم على التركيز في كتابة المسرح لمساعدتهم على التفرغ بما أننا نتحدث عن إنتاج، وأتصور أن وجود لجان قراءة جيدة لدى جهات إنتاج مسرحي تشتري الحقوق الأدبية لنصوص تقدم إليها بمقابل مجزٍ، سيكون كفيلاً ببناء رصيد هائل من النصوص المسرحية القوية التي ستحقق نقلة كبيرة في المسرح المصري.
* كيف ترى واقع المسرح في مصر؟
- هناك مخاض قوي يعيشه المسرح المصري اليوم، وهناك أعمال مهمة تقدم، تكشف عن رغبة واضحة في تقديم شيء.. ويبقى الأهم أن "أبو الفنون" استطاع أن يغير جلده، ويجتذب الأجيال الجديدة سواء أجيال المسرح من الممثلين الشبان، أو أجيال الجماهير الشابة التي ولدت بجينات حب المسرح.
أيضًا وجود قيادات شابة موهوبة حققت نجاحاً فنياً وإدارياً لافتاً أمر مفصلي وفارق بشكل كبير في المشهد المسرحي اليوم، وأخص بالذكر هنا مسرح الدولة، هذا يجعلني أشعر بكثير من الاطمئنان إلى أن المسرح المصري سيكون بخير، ولاسيما مسرح الدولة؛ لأنه هو الذي يمكننا أن نراهن عليه بعيداً عن حسابات المسرح الخاص المحكومة بشباك التذاكر وليس بأي شيء آخر.
* ما رأيك في مسرح مصر الذي قدمه أشرف عبدالباقي، وهل يضيف إلى رصيد المسرح المصري أم يخصم منه؟
- بداية الفنان أشرف عبدالباقي لم يبتدع شيئًا، كل ما في الأمر أن الرجل عاد بنا للوراء نحو 100 عام، إلى زمن الاسكتشات الضاحكة القصيرة التي كانت تقدم في الملاهي الليلية ضمن فقرات كثيرة متنوعة منها المونولوجات الغنائية، والرقص الشرقي والغربي والشمالي والجنوبي، ولا أدعي عليه شيئًا فهذا نص تصريح له شاهدته وسمعته في إحدى الفضائيات، قال نصًا إنه يقدم اسكتشات وليس مسرحًا بالمعنى، ويأتي السؤال: لماذا لا يقدم الرجل مسرحًا بالمعنى؟ لماذا لا يقدم مسرحًا مكتملاً له رسالة؟ لماذا اختار دور المهرج وفرض علينا ثقافة التهريج هذه.. ما يحدث على مسرح مصر تهريج يليق، وتجهيل لقطاع كبير من الشبان الذين ينتظرون اليوم مواعيد عروض مسرح مصر ليضحكوا، ليضحكوا وحسب، من دون أن يكون هناك أي مضمون أو رسالة، وهذه كارثة أن تصبح هذه فكرة أجيال كاملة عن المسرح أنه يقدم عروضًا مضحكة.
من العار ألا يحترم الفنان فنه، ومن الجهل ألا يكون مؤمناً بأن له رسالة. والضحك وحده ليس رسالة بدعوى "إسعاد الناس"، فعلى مدار تاريخ المسرح في بلادنا كان دائمًا هناك فنانون يسعدون الناس ويفيدونهم في الوقت نفسه.. هذه حجج العاجزين.
* مع التطور التكنولوجي الكبير.. هل ترى أن المسرح العربي بوجه عام قادر على أن يواكب هذا التطور أم أنه تراجع ولم يستطع ملاحقة التطور؟
- التطور التكنولوجي أداة قوية في يد صُناع المسرح، سواء على صعيد الصناعة نفسها؛ لأنه يمد خشبة المسرح وفضاءه بإمكانات هائلة، أو على صعيد الترويج للأعمال لأنه يحقق للأعمال انتشارًا كبيرًا، فهو أداة دعاية جبارة وغير مكلفة، أيضًا تمكن التكنولوجيا المؤلفين والمخرجين والممثلين وجميع العاملين في المسرح على الإطلاع بسهولة على تجارب المسرح حول العالم، وهذا يمثل نقلة كبيرة على صعيد الاحتكاك والخبرة، وفي الوقت نفسه يتيح تجاربنا لمن حولنا للاطلاع عليها. لا يمكن أن تكون التقنية عدواً للمسرح، التقنية شريك جيد، وحين تصبح عدوًا للمسرح، فهذا يعني أن هنا خطأً ما.
فيديو قد يعجبك: