في مئوية مولده| كيف عاش السادات بـ2 مليم في بداية حياته بالقاهرة؟
كتب- محمد نصار:
يقولون إن الشدائد تصنع الرجال، وكلما زادت شدتها زادت صلابة الخارج منها منتصرًا، هكذا يمكن وصف بدايات حياة الرئيس الراحل محمد أنورالسادات، في القاهرة، خلال سنوات طويلة عانى منها الفقر المادي لكنه لم يترك هذا الفقر غبطة في نفسه ولم تخلق الفوارق الاجتماعية بينه وبين زملائه في الدرارسة أزمة في مسيرته.
كانت بدايات السادات في القاهرة في منزل صغير عام 1925 في أعقاب مقتل السردار الإنجليزي السير لي ستاك، قائد الجيش المصري عام 1924، ومن هنا كان التحول في حياة السادات.
فقر العائلة ومعاناة الدراسة
كان من أهم العقوبات التي وقعتها إنجلترا على مصر، في أعقاب مقتل السير لي ستاك، أن يعود الجيش المصري من السودان، يقول السادات: فعاد وعاد معه والدي.
سكنت العائلة بيتًا صغيرًا بكوبري القبة وكان على السادات أن يكمل تعليمه العام الذي بدأه بمدرسة طوخ فاختار له والده مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية لكونها مدرسة أهلية مصاريفها تناسب دخله.
من الأوراق التي أمسكها السادات بيده لتقديمها إلى المدرسة الواقعة في الزيتون، علم وللمرة الأولى أنه وُلد في 25 ديسمبر 1918، وبعد أن قضى بالمدرسة الفترة التحضيرية وسنة أولى وثانية ابتدائي، عبر سنوات من السير على الأقدام ذهابًا وإيابًا من وإلى المدرسة.
بعد السنة الثانية انتقل السادات إلى مدرسة السلطان حسين في مصر الجديدة، ومنها حصل على الشهادة الابتدائية، ثم التحق وأخيه الأكبر طلعت بمدرسة فؤاد الأول الثانوية.
هروب الأخ بمصروفات المدرسة
التاريخ يشير للعام 1930، وبينما كان القانون يقضي بأن يدخل أحدهما المدرسة مجانًا والآخر من تكلفته الخاصة، رُفض طلب والدهم، ما دفعه إلى تحمل تكاليف الاثنين معًا: كان القسط الأول 16 جنيهًا هي كل مرتب والدي، أعطاه لي فدفعته للمدرسة، ولما حان موعد القسط الثاني أخذه أخي طلعت من والدي، وبدلًأ من أن يدفعه للمدرسة هرب به إلى حيث لا نعرف وأنفقه إلى آخره، وعاد ليعلن أنه لا يرغب الاستمرار في التعليم.
ربما كان للقدر كلمته التي لا يدركها حينها أحد، فلولا عزوف أخيه عن التعليم برغبته الخاصة لم يكن يتسنى لوالدهم الانفاق عليهم في الدراسة معًا: بدون إحجام أخي عن التعليم كيف كان سيتسنى لوالدي الإنفاق على تعليمنا نحن الاثنين، أغلب الظن أنه كان سيضطر إلى إيقاف تعليمي، وخاصة أن طلعت هو أخي الأكبر.
الكبريت والسخرية من السادات
في الحارة التي كانوا يسكنون بها في القاهرة، نزل السادات من المنزل يومًا ليشتري علبة كبريت، والتي كانت مصدر سخرية كبيرة لم تزعج هذا التفى حينها: قلت للبقال أنا عاوز علبة كسفريت، وفجأة انفجر الزبائن بالضحك، اندهشت فيما يضحكون؟ صممت على كسفريت واستمرت سخريتهم مني، وفي مواجهة هذه السخرية جائني شعور بأنني أقوى منهم، فمن هم لكي يسخروا مني.
فرن بلدي في منزل القاهرة
عاش السادات في مرحلة الثانوية تحت خط الفقر: كان والدي بدخله المحدود يعول أسرة مكونة من لاثة عشر ولدًا وبنتًا، ورغم أننا كنا نعيش في القاهرة إلا أن منزلنا كان به فرنًا لخبر العيش، إذ أن شراء الخبز من السوق كما يفعل أهل المدينة كان أمرًا لا طاقة لنا به.
كوب شاي بلبن
نتيجة لحالة الفقر الكبيرة التي عاشتها الأسرة، كان مصروف يد السادات خلال دراسته هزليًا مليمين فقط، يكفون حينها لشراء كوب شاي باللبن: أشربه وأحس أني أسعد إنسان في العالم، في الوقت الذي كان يشتر أقرانه أفخر أنواع الحلوى والطعام من "كنتين" المدرسة.
وكالة البلح
حينما تقدم السادات للحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية كان لابد من إرفاق صورة شخصية بالاستمارة: ذهبت إلى والدي وطلبت منه حلة جديدة أتصور بها هذه الصورة التاريخية، وأدرك والدي أهمية مطلبي وكلنه قال أمهلني يومًا أو اثنين لادبر المبلغ، وفي اليوم الثالث قال لي باسمًا "وجدت الحل" إذهب إلى وكالة البلح وأعطاني 150 قرشًا، انتقيت القماش وتناوله مني الرجل وأعمل فيه المقص ثم جلس إلى ماكينته، وبعد ساعة ونصف ناولني حلتي الجديدة، لم تكن بالطبع تقارن بما أعده زملائي لهذه المناسبة ولكني كنت سعيدًا بها كل السعادة، فهي تفي بالغرض ولا يهم على لاإطلاق إن كانت خشنة الملمس أو رخيصة المظهر.
أشياء كرهها السادات في القاهرة
الكونستابل الإنجليزي
لم تكن المقارنات بين حياة الريف والقاهرة هي ما يزعج السادات، ملثلما أزعجته أشياء أخرى في العاصمة: مثلًا منظر الكونستابل الإنجليزي على الموتوسيكل يجوب الشوارع ليل نهار وبدون انقطاع كالمجنون، بوجهه الذي في لون الطماطم .. فظ.. بليد.. وعينيه الجاحظتين وفمه المفتوح دائمًا كالأبله، كان الجميع يخشونه أما أنا فكنت أكره النظر إليه، وأتسائل في نفسي.. ما الذي أتى بهذا الغريب قبيح المنظر إلى المدينة؟.
وابور الزلط
كان السادات يخوض معركة شبه يومية مع وابور الزلط، الذي كان يوميًا على موعد مع مسابقة كر وفر معه: في كل مرة أصادفه أراه يسير ورائي، أُسرع الخطى فيسرع خطاه.. أجري فيجري خلفي.. ما قصده بالضبط، واضح أنه يسعى ليدوسني تحت عجلاته الحديدية الضخمة، ولكن لم؟ وأنا لا أعرفه ولا يعرفني.. ولم تنفعني هذه الأسئلة في شئ.. فكلما نظرت خلفي رأيته يلاحقني فيزداد ذعري، ولم يكن لينقذني منه كل مرة إلا إذا انعطفت في حارة ضيقة لا تسمح بمروره، أو أطلقت ساقي للريح بحيث لأ أراه ولا يراني، فقد كان واضحًا أنه رغم جبروته ورغم ضئالتي إلا أني كنت أسرع منه بكثير.
فيديو قد يعجبك: