في عيدهم.. عمال التراحيل: "إحنا صفر على الشمال"
كتبت- مروة شوقي:
نظرات زائغة تغدو وتروح في اغتراب بيّن، لهياكل تراصت على حافة الطريق، بملامح حفر الزمن فيها بإزميله علامات البؤس والشقاء، ونصيبها من الدنيا فأس وبلطة وكيس صغير يحفظ ملابس نظيفة تسترهم بعد يوم عمل شاق.. إنهم عمال التراحيل أو ما يطلق عليهم "الفواعلية".
هم شريحة من عمال مصر تركت أسرها وذويها، ونزحت إلى القاهرة؛ بحثًا عن أمل تنشده وحلم طال انتظاره في عيش حياة أفضل، إلا أن الواقع كان أقسى مما حلموا به، ففي أحد ميادين منطقة فيصل بالجيزة، افترش عدد من العمال الرصيف، كل شخص منهم يحمل عدّته في انتظار الفرج الذي يأتي بهيئة أشخاص يريدون من يكسر لهم حائطًا، أو يساعد في البناء والتشييد.
مدحت عبدالعال، عامل من محافظة المنوفية، قدم إلى القاهرة ليستقر بها، بعدما أضناه الأمل في عيش حياة كريمة في محافظته، إلا أنه صدم بواقع قاتم، بحسب حديثه لمصراوي: "الدنيا أسودت في وشي، لأني بقالي أكتر من 4 شهور مشتغلتش فيهم غير 3 أيام، علشان فواعلي على باب الله، بس عندي أولاد محتاجين ياكلوا ويشربوا وفيه إيجار بيت لازم أدفعه في وقته، بسبب الوضع مش عارف أوفر الجنيه".
بلهجة غاضبة، قال "عبدالعال"، إنه لا يستطيع الحصول على رغيف حاف، "فيه ناس بتدفع في أفراحهم وسهراتهم بالملايين، وناس تانية مش لاقية رغيف حاف، إحنا لينا حقوق مش شايفين منها حاجة"، متمنيًا نظرة للغلابة، تقيهم شر السؤال والحاجة، واصفًا سياسة الحكومة معهم بـ"ودن من طين وودن من عجين".
لا يختلف الحال سوءًا عن حال علي محمود الذي دفعته ظروفه الاقتصادية السيئة في محافظة المنيا، إلى القدوم للقاهرة والعمل كفواعلي، ورغم ذلك لم يستطع توفير حياة كريمة لأسرته، "أعداد الغلابة في مصر بالملايين، وحالنا في النازل، كل اللي بنطلبه نقدر نوفر قوت عيالنا ومستقبل كويس لهم، لكن إحنا عايشين موتى ومالناش غير ربنا".
بكعب داير على القوى العاملة وهيئة النظافة، كان يسعى "محمود" لكسب لقمة حلال، قائلًا: "معايا دبلوم من 20 سنة، وناس نصحتني إني أقدم في وظايف شهرية في القوى العاملة، بس مش بلاقي رد".
ومع اقتراب "محمود" من الوظيفة في هيئة النظافة، قالت البيروقراطية كلمتها، بحسب قوله: "هيئة النظافة قبلتني، ولما روحت لرئيس الحي رفض القرار، وقالي هتشتغل باليومية يعني يوم فيه وعشرة مفيش".
" وظفوني ولو بـ1000 جنيه".. هكذا بدأ محمد جمال من محافظة بني سويف حديثه عن معاناته كفواعلي، والذي حاول مرارًا استخراج شهادة محو أمية، ولكنه لم يفلح، قائلًا: "حتى الشهادات الأيام دي بفلوس".
يشير "جمال"، إلى أن الكثير من عمال التراحيل خريجي كليات تربية وشريعة وقانون، ولم يستطيعوا الحصول على وظيفة، ورد الحكومة "استنوا دوركم "، بحسب قوله.
أما ناجح إسماعيل من محافظة الغربية، ضحك ساخرًا بمناسبة عيد العمال، قائلًا: "العيد ليه ناسه، لكن إحنا بنشوف الموت كل يوم ومش لاقيين ناكل.. نحتفل إزاي".
وبحسب "إسماعيل"، فإن هناك عمال يومية يلقون حتفهم بين الحين والآخر في سبيل لقمة العيش، والضحية الوحيدة ذويهم، "بنعيش نكد ونتعب علشان نبني بلدنا، وننميها، لكن لما نموت محدش يعبر أهالينا، لا حقوق ولا معاشات، لأننا صفر على الشمال في حسابات الدولة".
فيديو قد يعجبك: