اليوم الذكرى ١٤٩ لعودة عيد العمال لأصله بمطالبة عمال الملابس فى أمريكا بحقوقهم
القاهرة - (أ ش أ /):
تحتفل دول كثيرة في العالم في الأول من مايو من كل عام "بعيد العمال "، وفي بعض الدول تكون هذه المناسبة يوم أجازة رسمية كما هو فى مصر ، ويعود عيد العمال في أصله إلي عام 1869 حيث شكل عمال صناعة الملابس بولاية فيلادلفيا الأمريكية ومعهم بعض عمال الأحذية والأثاث ، وعمال المناجم منظمة "فرسان العمل" ، كتنظيم نقابي يكافح من أجل تحسين الأجور وتخفيض ساعات العمل ، وقد اتخذ هؤلاء يوم الأول من مايو يوما لتجديد المطالبة بحقوق العمال.
ويمر اليوم (الثلاثاء) 149 عاما لعودة عيد العمال لأصله بمطالبة عمال الملابس فى امريكا بحقوقهم ، حيث اتخذت تلك المناسبة تاريخا للإحتفال لأول مرة بعيد العمال فى العالم ، ورغم ارتباط عيد العمال عموما بالحركات اليسارية والعمالية بل والشيوعية منها ، إلا إن عيد العمال تعدى هذه الحركات بمرور الزمن ليصبح رمزا لنضال الطبقة العاملة من اجل حقوقها ، ومن بلد لآخر تحول احتفال الأول من مايو ، من يوم احتجاج وصراع طبقي إلى يوم استيعاب وتعاون طبقي.
وكان يوم أول مايو من عام 1886 قد شهد أوسع حركة إضرابات عمالية تحدث في يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، حيث وصل عدد الإضرابات التي أعلنت في هذا اليوم نحو خمسة آلاف إضراب ، واشترك في المظاهرات أكثر من 340 ألف عامل ، وكان الشعار المطلبي المشترك لأحداث هذا اليوم هو "من اليوم ليس على أي عامل أن يعمل أكثر من 8 ساعات" ، فيما رفع المتظاهرون فى مدينة شيكاغو الأمريكية لاحتجاجهم شعار "ثماني ساعات للعمل – ثماني ساعات راحة – ثماني ساعات للنوم" .
وفي أوروبا تم الدعوة في المؤتمر التحضيري ، لما أصبح فيما بعد "الأممية الاشتراكية الثانية " لمظاهرات متزامنة في المدن الأوروبية يوم الأول من مايو عام 1890 من أجل المطالبة بقانون يحد ساعات العمل إلى ثماني ساعات ، وصدر القرار من قبل الجناح اليساري الماركسي في باريس بمناسبة العيد المئوي للثورة الفرنسية ، حيث دعا لمظاهرات عمالية أممية في نفس اليوم ، وبنفس المطالب لقانون الثماني ساعات، وبما أن اتحاد العمل الأمريكي كان قد قرر مسبقا أن ينظم مظاهرات مشابهة في الأول من مايو 1890 ، تم اختيار نفس اليوم للتظاهر في أوروبا ، ولكن الذي حدث في تلك المظاهرات فاق كل التوقعات ، وذلك بسبب التوقيت حيث تزامنت تلك اللحظة السياسية مع انتصارات هامة للحركة العمالية وتقدم كبير في وعي وثقة الطبقات العاملة الأوروبية.
ففي بريطانيا تكونت موجة جديدة الإضراب من النقابات إثر الإضراب الضخم لعمال الموانئ في عام 1889 ، وفي ألمانيا حقق الاشتراكيون مكسبا هاما حين رفض البرلمان الألماني في نفس العام الإبقاء على قوانين بيز مارك المناهضة للاشتراكية ، واستطاع الحزب أن يضاعف من أصواته في الانتخابات العامة ، وأن ينال أكثر من 20 بالمائة من مجموع الأصوات.
وفي مصر أيضا كان هناك تراث عمالي مستقل للاحتفال بعيد العمال بدأ في عام 1924 ، حيث نظم عمال الإسكندرية احتفالا كبيرا في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال ، و ساروا في مظاهرة ضخمة إلى أن وصلت لسينما "باريتيه" ، وهناك عقد مؤتمر ألقيت فيه الخطب ، ورغم ما كان يوجد من صعوبات أمام الحركة النقابية المصرية ، فقد واصلت الاحتفالات بالمناسبة وتنظيم المسيرات والمؤتمرات طوال الثلاثينات والأربعينات ، و مع وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة ، والتأميم التدريجي للحركة العمالية أخذت المناسبة شكلا رسميا ، وتم استيعاب المناسبة وفي عام 1964 أصبح الأول من مايو عطلة رسمية يلقى فيها رئيس الجمهورية خطابا سياسيا أمام قيادات هؤلاء النقابيين .
وتاريخ الحركة العمالية المصرية ، يرجع إلى عهود سحيقة فى التاريخ ، فمنذ القدم قامت حضارة وادى النيل على تقديس العمل وتكريم العمال ، وما كان للمصريين القدماء أن يتوصلوا إلى الإنجازات التى حققوها فى مجالات العمارة والهندسة والزراعة والصناعة والتعدين والرسم والنحت، ما لم تكن حركتهم الجماعية قائمة على تنظيم محكم ودقيق، ومبادئ عادلة تحكم العلاقات بين مختلف القوى الاجتماعية، وتتيح لها أن تعبر عن الطاقات الخلاقة الكامنة فى إطار من الموضوعية والحرية.
وقد استحدث المجتمع المصري القديم نظام العطلة الأسبوعية، وقنن الحقوق العمالية على أساس التضامن الاجتماعي البعيد عن التناقض والصراع، وعرف نظام المدن والتجمعات العمالية حيث تم اكتشاف ثلاث مدن عمالية تم بناؤها منذ حوالي خمسة آلاف عام ، ومع تعاقب مراحل التاريخ، عرفت الحركة العمالية فى مصر" نظام الطوائف " الذى يرجع إلى العصور الوسطى ، ليضم فئات الصناع والحرفيين، خاصة فى عهد الإمبراطورية الرومانية الذى خضعت له مصر مدة طويلة.
وتطلق الطائفة على مجموعة من الأشخاص العاملين فى حرفة واحدة، يرأسها "شيخ " يتولى شئونها، وكان لمشايخ الطوائف "نواب" ووكلاء يعرفون باسم «النقباء» يختارهم حكام المدن التى يقيمون بها ، وكان الشيخ يقوم بوظائف تتسم بالأهمية، فهو الذي يفصل فى المنازعات التى تنشأ بين أفراد الطائفة، ويحدد أثمان المنتجات، ويرتب درجات الأجور، ويسمح بدخول أعضاء جدد، ويرشد إلى كيفية تنفيذ العقود، ويجمع الرسوم والضرائب المقررة على أفراد الطائفة. وقد ظل هذا النظام ساريا حتى بداية عام 1890 ، حين صدر " قانون الباتينه " الذى أنهى التعامل بنظام الطوائف.
وكان صدور هذا القانون وإلغاء نظام الطوائف بداية لظهور التنظيمات النقابية للعمال، والتى تمخضت عن تشكيل نقابة عمال السجاير فى مصر عام 1898 كأول نقابة مصرية ولدت فى أعقاب إضراب ناجح حدث فى نهاية ذلك العام وانتهى فى فبراير عام 1900 ، ومن ثم بدأت الانطلاقة لميلاد التنظيمات النقابية فى مصر التى أخذت تمارس دورها، وتنظم الإضرابات، رغم عدم وجود قانون يحميها ويسبغ عليها الشرعية ،حيث صدر أول قانون يعترف بالنقابات فى مصر فى سبتمبر 1942 وهو القانون رقم 85 لسنة 1942.
وكانت النقابات فى مصر نقابات منشآت حيث حرم القانون التنظيم النقابى للعاملين بالحكومة وعمال الزراعة ، وفى عام 1959 تم إلغاء نقابات المنشآت، والأخذ بنظام النقابة العامة على مستوى الصناعة (وهو النظام الحالى ) الذى يقضى بتصنيف الصناعات والأنشطة الاقتصادية التى يمكن للعاملين بها تكوين (نقابة عامة) ، وعلى رأسها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ،وذلك بمقتضى القانون المنظم للنقابات العمالية فى مصر رقم 35 لسنة 1976 ،المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 1981، وبالقانون رقم 12 لسنة 1995.
والتنظيم النقابى للعمال فى مصر، هو تنظيم ديمقراطى يقوم بنيانه على شكل هرمى، تتكون قاعدته من (اللجان النقابية) وتكون قمته هى الاتحاد العام لنقابات العمال ، وتتمثل مستويات التنظيم فى اللجان النقابية للعاملين فى المنشآت، ثم النقابات العامة على المستوى القومى للصناعة أو النشاط الاقتصادى ، وتتكون الجمعية العمومية للنقابة العامة من مندوبى اللجان النقابية للعاملين فى النشاط الذى تمثله النقابة العامة ، حيث ينتخب هؤلاء المندوبون مجلس إدارة النقابة العامة من 21 عضوا بينهم الرئيس.
و يقود الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ، الحركة النقابية المصرية، ويرسم سياساتها العامة المحققة لأهدافها داخليا وخارجيا، وخاصة الدفاع عن حقوق عمال مصر، ورعاية مصالحهم المشتركة، والعمل على رفع مستواهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، و المشاركة فى مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية العامة ، و إبداء الرأى فى مشروعات القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بتنظيم شئون العمل والعمال ، و التنسيق بين النقابات العامة ومعاونتها فى تحقيق أهدافها ، ووضع ميثاق الشرف الأخلاقى للعمل النقابى فى إطار المبادئ والقيم السائدة ، و إنشاء وإدارة المؤسسات العمالية الثقافية والعلمية والاجتماعية والتعاونية والصحية والائتمانية والترفيهية التى تقدم خدماتها على مستوى الجمهورية وتحقق أهدافه وتكون لهذه المؤسسات الشخصية المعنوية الاعتبارية ، والمشاركة فى المجالات العمالية العربية والأفريقية والدولية وتأكيد دور الحركة النقابية المصرية فى هذه المجالات.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: