ماذا تُقدم مصر خلال رئاسة الاتحاد الأفريقي؟
القاهرة - أ ش أ:
عام جديد ومشرق يطل على القارة الأفريقية تأمل فيه تحت رئاسة مصر، أن تتبوأ فيه مكانتها اللائقة على خارطة التقدم العالمية، والتي تأخرت وآن أوان تعويض ما فات على طريق التنمية الشاملة وتطوير البنية الأساسية وإقامة المشروعات الاستثمارية المتنوعة بما يتيح فرص العمل للشباب، ونشر التعليم ومكافحة الفقر والأمراض المتوطنة، إلى جانب تحقيق السلام والاستقرار في ربوع القارة.
في جعبة الرئيس عبد الفتاح السيسي مجموعة من الأفكار والمقترحات والمبادرات التي تستهدف إعطاء دفعة للعمل المشترك بين الدول الأفريقية خلال عام 2019 وما بعدها، إيمانا منه بأن العالم ينظر إلى أفريقيا باعتبارها أرض الفرص الواعدة، وأنها مؤهلة لتحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي المستدام، في ظل ما تمتلكه من موارد بشرية وثروات هائلة ومتنوعة، وهو ما يضعها أمام تحد كبير، لتحقيق مستويات معيشة كريمة لجميع مواطنيها،
كما يرى الرئيس أن تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والتحديث، هي أهم سبل مجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القارة.
وأوضح الرئيس السيسي ملامح رؤيته لتحقيق التقدم في القارة الأفريقية في جميع المجالات، وذلك خلال الكلمة التي ألقاها خلال فعاليات "منتدى إفريقيا 2018" بشرم الشيخ مؤخرا بمشاركة زعماء القارة وكبار قادة التمويل والاستثمار، إذ أكد الرئيس على مجموعة من المحاور وبرامج العمل لتحقيق مزيد من التكامل الإقليمي وتيسير حركة التجارة البينية، لاسيما بعد أن أطلق الاتحاد الأفريقي منطقة التجارة الحرة القارية، وكذلك زيادة الاستثمارات بين دول القارة الأفريقية من خلال تنفيذ مشروعات مشتركة وعابرة للحدود، خاصة في مجالات البنية الأساسية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في إطار العمل المشترك تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.
وأكد الرئيس السيسي أن مصر ستسعى خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي بكل جهد مخلص، للبناء على ما تحقق طيلة السنوات الماضية، وتفعيل المشروعات التي تحقق التنمية الشاملة والمستدامة في القارة.
وأوضح الرئيس في كلمته أنه من الضروري أن تتناسب تلك الإصلاحات، مع متطلبات العصر واحتياجات المواطنين ودفع عملية التنمية، لتشمل تطوير الطرق والمطارات والموانئ والمدن، وشبكات الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، كما يجب أن تواكب عملية الإصلاح متطلبات ثورة المعلومات والتكنولوجيا المتطورة، والصناعات والخدمات الجديدة المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، وأن تتوافق أيضا مع الجهود المبذولة على الصعيد الدولي، للتصدي لتغيرات المناخ وخفض الانبعاثات الضارة بالبيئة للمحافظة على كوكبنا، إلى جانب التأكيد على أهمية استغلال طاقات الشباب الأفريقي الكامنة، من خلال إتاحة التمويل للمشروعات المنتجة، التي توفر لهم فرص العمل، فضلا عن إتاحة المزيد من التمكين الاقتصادي للمرأة الأفريقية، والقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدها، حيث أنها تمثل ركيزة أساسية للتنمية وأحد مكوناتها الفاعلة.
كما تتضح برامج الرئيس السيسي لتطوير مناحي الحياة في القارة الأفريقية في القرارات التي أعلنها في ختام "منتدى الاستثمار في أفريقيا"، وشملت إنشاء صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في أفريقيا، وذلك لتشجيع المستثمرين المصريين لتوجيه استثماراتهم لأفريقيا، والتفاوض مع المؤسسات الدولية لدعم البنية الأساسية، ومن بينها الإسراع في الانتهاء من طريق القاهرة – كيب تاون، وذلك لدمج أقطار القارة وتوسيع حركة التجارة بين بلدانها، وتحفيز وتيسير عمل الشركات الأفريقية في مصر، لتشجيع الاستثمارات المشتركة والاستفادة من التطور المستمر في الاقتصاد المصري.
كما شملت القرارات زيادة التعاون الفني مع دول القارة في مجالات الاستثمار في رأس المال البشري، والتحول الرقمي، وإدارة التمويلات الدولية، والحوكمة ونظم المتابعة والتقييم، وإنشاء صندوق للاستثمار في البنية التحتية المعلوماتية، بهدف دعم التطور التكنولوجي والتحول الرقمي في القارة، وذلك لبناء اقتصاديات حديثة قائمة على أحدث النظم التكنولوجية، والتعاون المشترك بين مصر وأشقائها من دول القارة، في مجالات الحوكمة ومحاربة الفساد، من خلال تبادل الخبرات والتدريب والتأهيل للأجهزة المعنية في القارة، لنشر ثقافة الحوكمة والقضاء على الفساد، وإطلاق المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2019-2022، وتفعيل نشاط الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، مع تقديم 250 منحة تدريبية للكوادر الأفريقية، العاملة في مجال الوقاية من الفساد.
ونوه الرئيس إلى الجهود التي تبذلها مصر في تنمية القارة، حيث أكد أن مصر حرصت على زيادة استثماراتها في أفريقيا، فارتفعت تلك الاستثمارات خلال عام 2018 بمقدار 1.2 مليار دولار ليصل إجماليها إلى 10.2 مليار دولار، وهو التوجه الذي يهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة لمصر وللدول الأفريقية، إلى جانب زيادة التعاون ونقل الخبرات المصرية إلى دول القارة، في المجالات وثيقة الِصلة بالتنمية، ودعا المستثمرين من كل دول القارة، لبحث الفرص المتاحة على خريطة مصر الاستثمارية.
ويتضح اهتمام مشاركة الرئيس السيسي في كل المحافل والفعاليات الدولية المهتمة بالتعاون مع القارة الفريقية، فشهد العام 2018 مشاركته في أعمال "منتدى التعاون الصين أفريقيا" الذي استضافته بكين في سبتمبر الماضي، حيث أكد الرئيس السيسي في كلمة له أنه سيتم اعتماد خطة عمل جديدة وطموحة للسنوات الثلاث القادمة، تتطرق إلى مختلف مجالات التنمية، سعيا لتحقيق تطلعات شعوبنا في العيش الكريم والاستقرار والرخاء، من خلال تهيئة المناخ المناسب للتنمية المستدامة، والتغلب على تحديات العصر، استنادا إلى حزم من الحلول المبتكرة، التي تتناسب مع المعطيات المعاصرة وإمكانات شعوبنا وثرواتها البشرية، وتقوم على الربط بين مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وأجندة أفريقيا التنموية 2063، وهو نهج إيجابي يجمع بين مقدرات النمو للطرفين.
وأوضح أن تحقيق التنمية المستدامة وتوفير مزيد من فرص العمل للشعوب الأفريقية، وتطوير البنية التحتية القارية، وتعزيز حرية التجارة في إطار اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية القارية، وتطوير المنظومة الاقتصادية الأفريقية وتنويعها، وتعزيز المنظومة الصناعية، هي عناصر رئيسية ضمن أجندة أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي في 2019، حيث بات جليا أن التنمية والتحديث هما أقوى سلاح لمجابهة أغلب التحديات المعاصرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كالإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، والفقر والمرض، والحمائية الاقتصادية والتجارية.
كما أكد حرص مصر على تكثيف التعاون والتنسيق مع الرئاسة المشتركة للمنتدى، لتفعيل خطة عمل 2019 – 2022 للتعاون بين أفريقيا والصين.
وطرح الرئيس السيسي في بكين فكرة أن تصبح المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالنسبة للعالم كمركز لوجيستي واقتصادي، يسهم بفاعلية في تطوير حركة الملاحة الدولية، ويعزز من حرية التجارة العالمية، ويفتح آفاقا استثمارية رحبة في مجالات النقل والطاقة والبينة التحتية والخدمات التجارية، ليكون محور قناة السويس رابطا تجاريا واقتصاديا وإنسانيا، يتكامل مع مبادرة "الحزام والطريق"، ويربطها بأفريقيا.
كما شارك الرئيس السيسي في القمة المصغرة للقادة الافارقة رؤساء الدول والحكومات أعضاء المبادرة الألمانية للشراكة مع إفريقيا التي عقدت في العاصمة الألمانية برلين، في إطار مجموعة العشرين والتي دعت اليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وجاءت هذه المشاركة في إطار الأهمية المتقدمة التي توليها مصر لتفعيل التعاون بين الدول الإفريقية ودول مجموعة العشرين، في مختلف المجالات التنموية خاصة في ضوء تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي للعام 2019.
وبمقتضى المبادرة تقوم الدول الافريقية بالاشتراك مع شركاء التنمية والمنظمات المالية الدولية ذات الخبرة بالأوضاع في أفريقيا مثل بنك التنمية الأفريقي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتطوير والتنسيق وتنفيذ إجراءات تناسب أوضاع كل دولة على حدة.
ويتمثل الهدف الأساسي للمبادرة في خفض مستوى المخاطرة أمام استثمارات القطاع الخاص، عن طريق تحسين الظروف الاقتصادية والمالية، ومن هنا فإن تزايد حجم الاستثمار مع مرور الوقت سيعزز النمو ويزيد الإنتاجية وفرص العمل ويرفع المستويات المعيشية للمواطنين، وهو الهدف الذي تضمنه برنامج التنمية الطموح في أفريقيا 2063، وتمثل المبادرة منهاجا جديدا في سياسة التنمية الدولية، حيث أن مجال التعاون والالتزام بين الدول الأفريقية والمنظمات الدولية يعد اتجاها متطورا في مجال العلاقات التنموية بين دول العالم.
كما شارك الرئيس السيسي في أعمال المنتدى رفيع المستوى بين أفريقيا وأوروبا لتعزير الشراكة بينهما والذي عقد بالعاصمة النمساوية فيينا، وجاءت مشاركة الرئيس في المنتدى، إلى جانب لفيف من الزعماء والقادة الأفارقة والأوروبيين، تلبيةً لدعوة كلٍ من المستشار النمساوي سيباستيان كورتز الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي والرئيس الرواندي بول كاجامي الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي والذي ستنتهي ولايته.
وعقد الزعماء المشاركون في المنتدى حوارا عالى المستوى تحت عنوان " التعاون فى العصر الرقمي" يتعلق بالتعاون بين أفريقيا والاتحاد الأوروبى فى مجال الابتكار والتكنولوجيا الرقمية.
وتم عقد عدد من الموائد المستديرة على هامش المنتدى تتعلق بقضايا التعاون الافريقى الأوروبي فى مجالات الزراعة والتكنولوجيا وعوائق التعاون الأفريقى الأوروبى، والتعليم العالى والبحث العلمى والوظائف فى القرن الحادي والعشرين، والاستثمار فى المشروعات الجديدة وربط المدن وتعبئة التمويل لمواجهة تغيرات المناخ بأفريقيا، والوصول إلى الطاقة المستدامة والحكومة الالكترونية، وتسريع التجارة الالكترونية فى أفريقيا ، والاتصالات بالقارة السمراء.
وحرص الرئيس السيسي على تأكيد الدور المصري في تنمية القارة الأفريقية، ففي لقائه مع السيدة تشيليشي كابويبوي، سكرتير عام تجمع الكوميسا مؤخرا، أشار إلى متابعة ودعم مصر لأنشطة الكوميسا في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وحرصها على تعزيز التعاون معها وتقديم الدعم الفني اللازم، وذلك في إطار التزام مصر بدفع مسيرة العمل الجماعي بين الدول الأفريقية لتحقيق التنمية المستدامة وزيادة معدلات النمو الاقتصادى والاستثمارات المشتركة وتقليص معدلات الفقر وجذب الاستثمارات وإزالة كافة العقبات التي تعترض التجارة بين دول القارة.
كما أكد الرئيس في هذا السياق أن عودة مصر خلال السنوات الأخيرة إلى التواجد المؤثر والفعال على الساحة الأفريقية، تهدف إلى التعاون والتعمير والبناء لصالح الأشقاء الأفارقة انطلاقا من الثوابت الرئيسية لسياسة مصر الخارجية تجاه محيطها الأفريقي.
وشهد اللقاء التباحث حول تفعيل المشروعات المشتركة لتنمية البنية التحتية في دول الكوميسا، حيث أكد الرئيس في هذا الصدد اهتمام مصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي خلال عام 2019 بدفع عجلة تطوير البنية الأساسية بدول القارة الأفريقية، منوها بالأهمية الخاصة التي توليها مصر لسرعة استكمال مراحل مشروع الربط الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط في إطار تجمع الكوميسا، ومشددا على أهمية هذا المشروع لكونه نافذة للدول الأفريقية على البحر المتوسط وأحد أهم شرايين الربط بين الدول الأعضاء في التجمع، فضلا عما سيوفره المشروع من فرص لتعزيز التجارة البينية ونقل السلع والخدمات وزيادة فرص الاستثمار وتسهيل الانتقال داخل إقليم الكوميسا.
وفي إطار متابعة الإعداد لرئاسة مصر المرتقبة للاتحاد الأفريقي، واستعراض خطة التحرك المصرية في هذا الإطار، عقد الرئيس السيسي اجتماعا موسعا، وجه فيه بتوسيع دائرة التعاون مع الدول الأفريقية ومد جسور التواصل الحضاري مع كافة شعوبها، وكذلك تفعيل القوى المصرية الناعمة بالقارة والانخراط بفاعلية في صياغة وتطوير مبادئ وآليات العمل الأفريقي المشترك تحقيقا للمنفعة لجميع الدول الأفريقية فيما يتعلق بالقضايا المحورية التي تمسها، خاصةً الملفات التنموية وملفات صون السلم والأمن في أفريقيا.
كما تناول الاجتماع استعراض أولويات الرئاسة المصرية خلال فترة رئاستها للاتحاد الأفريقي، والتي تنطلق من أجندة عمل الاتحاد الحالية، وكذلك أهم آليات ومبادرات العمل الجماعي المتفق عليها في إطار الاتحاد الأفريقي، لا سيما أجندة التنمية في أفريقيا 2063، ومختلف مبادرات التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي وتعزيز التجارة البينية بالقارة، وآليات منع وتسوية النزاعات الأفريقية، وعملية الإصلاح المؤسسي للاتحاد الأفريقي.
وشهد الاجتماع تأكيد استعداد مصر لتسخير إمكاناتها وخبراتها لدفع عجلة العمل الأفريقي المشترك لآفاق أرحب، وحرصها على تحقيق مردود ملموس من واقع الاحتياجات الفعلية للدول والشعوب الأفريقية، خاصةً من خلال خلق حالة من التوافق حول المهددات الرئيسية للسلم والأمن، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب، وقيادة مسار التنمية المستدامة بالقارة، ونقل التجارب والخبرات الفنية المصرية من خلال تكثيف الدورات والمنح التدريبية المختلفة للأشقاء الأفارقة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرسخ الدور المصري المحوري في أفريقيا بما لديها من أدوات مؤثرة وخبرات فاعلة ورؤى متوازنة.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: