ننشر تقرير "تشريعية البرلمان" بشأن إنشاء المجلس الأعلى للشئون القضائية
كتب- أحمد علي:
تضمن تقرير اللجنة التشريعية والدستورية، حول التعديلات الدستورية، المناقشات الكاملة التي دارت بأروقة المجلس حول المواد الخاصة بالسلطة القضائية، منذ التقدم بها من قبل الأغلبية حتى الصياغة النهائية من اللجنة التشريعية وما طرأت عليها من مناقشات.
ويرصد مصراوي، مناقشات المواد الخاصة بالسلطة القضائية:
• حظيت مواد السلطة القضائية باهتمام كبير في مناقشات اللجنة ، فتناولت الموازنة المستقلة لكل هيئة أو جهة قضائية وطريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، وتحديد العدد الذي يمكن الاختيار منه.
• أما فكرة إنشاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية فقد تفرع الحديث فيها إلى عدة نقاط، كان أهمها إنشاء المجلس من حيث المبدأ، ورئاسة رئيس الجمهورية له، وحلول وزير العدل محله، وتشكيل المجلس واختصاصاته، وكيفية إختيار أمينه العام، وذلك كله على النحو الآتي:
(أ) المواد المتعلقة بالأحكام العامة: المادة (185)
1- الموازنة المستقلة:
• استعرضت اللجنة التعديل المقترح على المادة (185) من الدستور كما جاء في طلب تعديل الدستور المقدم من خمس عدد الأعضاء فيما يتعلق بالموازنة، حيث تبين لها أنها أسقطت تمتع الجهات والهيئات القضائية بالموازنة المستقلة.
• كما استعرضت اللجنة نتائج جلسات الحوار المجتمعي والتي خصصت إحداها لسماع رأي القضاة، فكانت اعتراضاتهم واضحة وتنصب على إهدار مبدأ الميزانية المستقلة .
• واستعرضت اللجنة أيضا المعايير الدولية لاستقلال القضاء، وجاء من تلك المعايير ضمانة الاستقلال المالي والإداري والمؤسسي، والتي تحتم أن تتمتع المحاكم بالموارد المناسبة من أجل تحقيق مهامها وأن يتمتع القضاة بالموارد اللازمة للقيام بوظائفهم، وعدم التأثير على مواردهم للتهديد أو الضغط، واستقرت المعايير الدولية أيضاً على أن إدارة وتخصيص الميزانية تعتبر مقوماً أساسياً لإستقلال القضاء، واعتبرت بعض هذه المعايير أن أفضل طريقة لضمان استقلال القضاء تكمن في أن تكون مسئولية إدارة الميزانية موكولة للجهاز القضائي نفسه أو إلى الهيئة القضائية، وبالتالي ظهر جلياً أمام اللجنة أن الإخلال بمبدأ الموازنة المستقلة للجهات والهيئات القضائية لا يتوافق مع تلك المعايير، ويمثل ردة للوراء ليس لها مبرر مقبول أو معقول.
• كما استبانت اللجنة أيضاً أن المادة رقم (191) من الدستور والتي تنظم شئون المحكمة الدستورية العليا وتفرد لها ميزانية مستقلة تدرج رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة، لم تكن محلاً للتعديلات بما سيمثل مفارقة بين المحكمة وسائر الجهات والهيئات القضائية الأخرى.
• وبناء على ما تقدم، قررت اللجنة بإجماع آراء أعضائها الإبقاء على مبدأ أن يكون لكل جهة أو هيئة قضائية موازنة مستقلة، مع حذف مسألة الرقم الواحد، بحيث تلتزم الجهات والهيئات القضائية بالأبواب المقررة لها في الميزانية، وإذا ما ظهرت الحاجة إلى تغير في تلك الأبواب، يتعين عليها إتخاذ الإجراءات الدستورية والمقررة قانوناً.
2- طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية:
• استعرضت اللجنة الآراء المتعددة التي طُرحت في جلسات الاستماع في شأن مدى مساس اختيار رئيس الجمهورية لرؤساء الجهات والهيئات القضائية بمبدأ استقلال القضاء، حيث انتهت اللجنة إلى الآتي:
- إن المادة (5) من الدستور تحدد الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم ومن بينها الفصل بين السلطات مع التوازن بينها، ومعنى التوازن أن تحد السلطة الأخرى وتراقبها بوسائل الرقابة المتبادلة.
- إن لرئيس الجمهورية طبقاً لنصوص الدستور صفتين، تتمثل أولاهما في أنه رئيس الدولة، والأخرى كونه رئيساً للسلطة التنفيذية. وبموجب الصفة الأولى يستمد حقة في إصدار القوانين، وهو عمل تشريعي في الرأي الراجح، وبموجب هذه الصفة يمارس صلاحياته في العفو عن العقوبة وهو عمل قضائي وفقاً لرأي الفقه الدستوري، ويوجد كثير من الأمثلة على ذات المضمون، ولهذا فإن رئيس الجمهورية يمارس هذه الصلاحية بموجب رئاسته للدولة وليس لكونه رأساً للسلطة التنفيذية.
- إن تعيين القضاة حاليا وعزلهم وترقيتهم وإعارتهم يصدر به قرار من رئيس الجمهورية تتويجاً لمجموعه من القرارات والأعمال والإجراءات المركبة، وليس في ذلك انتقاص للقضاء، بل العكس هو الصحيح، إذ يعد من مظاهر إجلال القضاة أن تتولى أعلى جهة في البلاد إصدار القرارات المتعلقة بهم.
- إن السلطة القضائية مستقلة، وبصريح نص الدستور "تتولاها المحاكم" ولا يتولاها رؤساؤها وهذه مسألة جوهرية، وليس لرئيس الهيئة القضائية من سلطان على مجموع القضاة أو المحاكم، والقول بغير ذلك يضرب استقلال القضاء في مقتل ولا يؤكده.
- من المعلوم أن ثمة طريقين رئيسيين لشغل الوظائف بوجه عام، إما الأقدمية المطلقة، والثاني يكون بالاختيار. واستعرضت اللجنة مزايا وعيوب كل طريق، فالأقدمية المطلقة تحقق نظرياً العدالة المطلقة وتكون أبعد عن شبهة المجاملة أو التحيز، في حين أن شغل الوظيفة بطريق الاختيار يمكن من اختيار الأصلح والأقدم ويتلافى عيوب الأقدمية المطلقة من مرض أو عجز جزئي، وانتهت اللجنة إلى أن الطريقة المقترحة هي الأفضل وتمزج بين المعيارين لتلافي عيوب كل منهما، وهي طريقة الاختيار من بين الأقدم.
• إن رئيس الجمهورية طبقاً للآلية المقترحة ليس طليقاً من كل قيد في طرق التعيين،
بل هو مقيد بمحددات دستورية، فلا يستطيع أن يأتي بشخص من خارج الهيئة القضائية وإنما من بينهم، بل ومن أقدمهم ولا يستطيع رئيس الجمهورية الاختيار من غير الاقدم.
• وقد اطلعت اللجنة على تطبيقات تعيين السلطة القضائية في النظم الدستورية المقارنة،
ومن ذلك المحكمة العليا الأمريكية أعلى سلطة قضائية بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتكون من 9 قضاة، يتم تعيينهم جميعا عن طريق رئيس الجمهورية، بعد تزكية مجلس الشيوخ وموافقة مجلس النواب. وفي فرنسا، يرأس الرئيس الفرنسى المجلس الأعلى للقضاء بشخصه، ويعين ثلاثة من غير القضاة فى المجلس الأعلى للقضاء.
• وتؤكد اللجنة على أهمية وضع آلية إجرائية واضحة في القانون الصادر تطبيقاً لهذا النص الدستوري لاختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية بالنظر إلى الطبيعة الخاصة لكل جهة وهيئة قضائية ويشمل ذلك مجلس القضاء الأعلى، كما يشمل ذلك النظر في حكم حالات قرب الخروج للمعاش حيث إنه في بعض الأحوال يكون الثلاثة الإول لم يتبق لهم على الخروج على المعاش إلا أيام أو شهور قليلة.
• وترى اللجنة أن اختيار رؤساء الجهات والهيئات من قِبل رئيس الجمهورية ليس به أي عوار، لأن رئيس الجمهورية سوف يختار من قاعدة محددة، يتوافر لجميع أفرادها الحق القانوني في هذا المنصب، كما أن هذا لا يمس مطلقاً استقلال الجهات والهيئات القضائية المنصوص عليها في المواد 184، 186، 190، 191، 192، 196، 197 من الدستور.
3- العدد الذي يمكن لرئيس الجمهورية الاختيار منه (5 أم 7):
• تضمن اقتراح التعديل أن تقوم المجالس العليا بترشيح (5) أعضاء من أقدم الأعضاء لرئيس الجمهورية ليختار رئيس الجهة أو الهيئة من بين هذه الأسماء، وخلال المناقشات ثارت اشكالية حول كيفية ترشيح المجالس الخاصة والعليا (5) من أقدمهم، وما إذا كانت بالانتخاب أو القرعة، وخاصة أن جميع المجالس الخاصة تتكون من سبعة بما يعني استبعاد عضو أو اثنين من المجلس، وهو ما قد يعرض شيوخ القضاء للحرج، وقد يفتح باباً كبيراً للاختلاف بين شيوخ القضاة.
• وتوضح اللجنة أنه غنى عن البيان، أن رئيس الجهة أو الهيئة لا يدخل في حساب أقدم خمسة أعضاء، لأنه ليس عضواً بل رئيس، فضلاً عن أن احتسابه يقلل العدد المطلوب ترشيحه لأنه لا يصلح لشغل المنصب فهو يشغله بالفعل.
• وبعد المداولات انتهت اللجنة إلى أن العدد الذي يجوز لرئيس الجمهورية الاختيار منه هو أقدم سبعة انتصاراً للاعتبارات المشار إليها دون ترشيح من المجالس العليا والخاصة، وبالتالي يكون هناك مزج بين معياري الأقدمية المطلقة والاختيار منعاً للاختلاف بين شيوخ القضاء ورفعاً للحرج عنهم، وذلك كله على النحو الذي سيصدر بتنظيمه قانون خاص يعالج خصوصية حالة كل جهة أو هيئة قضائية ومن بينها القضاء العادي.
(ب) إنشاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية:
• استهدف التعديل المقترح للمادة (185) من الدستور أيضاً إنشاء مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية للنظر في الشئون المشتركة لهذه الجهات والهيئات يرأسه رئيس الجمهورية بوصفه رئيس الدولة، وخلال تداول اللجنة في جوانب هذا التعديل أثيرت النقاط الفرعية الآتية:
1- من حيث فكرة إنشاء المجلس:
- لم تثر فكرة إنشاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية ثمة اعتراضات جوهرية، ويعود ذلك لأنها ليست بمثابة فكرة غريبة على النظام الدستوري المصري، حيث تضمنتها أحكام دستور 1971، بل ولا يزال القانون الذي كان ينظم ذلك المجلس قائماً لم يتم إلغاؤه بعد (القانون رقم 192 لسنة 2008 في شأن مجلس الهيئات القضائية). وإذا كانت الحقيقة تقتضي تعدد الجهات والهيئات القضائية فمن المسلم به الاعتراف بأن للجهات والهيئات القضائية شئوناً مشتركة يتعين أن يتم التداول في شأنها والتنسيق بين الجهات والهيئات القضائية فيها، وليس من وسيلة أفضل لإجراء ذلك من إنشاء هذا الكيان التنسيقي.
- ويستند هذا النظر إلى أن دستور 2014 أتى بقاعدة مهمة مفادها المساواة بين أعضاء الجهات والهيئات القضائية في الحقوق والواجبات، وهذه قاعدة لم تكن منصوصاً عليها صراحة في نصوص دستور 1971، وقد ترتب على استقلال كل جهة أو هيئة قضائية أن وضعت قواعد ذاتية بكل منها تتعلق بالتعيين والترقية وغيرها من شئون الوظيفة القضائية، وبالتالي فمن موجبات المصلحة العامة إيجاد أكبر نوع من التقارب بين القواعد الوظيفية الحاكمة بين الجهات والهيئات القضائية.
- غير أن تحقيق هذا التقارب لا يعني نهائياً ولا ينبغي أن يفهم منه أنه يجب التطابق التام بينها في الشروط وغيرها من المسائل لاختلاف طبيعة عمل كل منها وتخصصه. بل إن المقصود من إنشاء المجلس إيجاد أكبر قدر من التقارب بما يحقق المساواة التي نص عليها الدستور في الحقوق والواجبات.
- فعلى سبيل المثال فإن الترقية إلى الدرجة التي تعلو أولى درجات التعيين في مجلس الدولة تتطلب الحصول على دبلومي دراسات عليا في القانون، أحدهما في القانون العام أو العلوم الإدارية، وليس في هذه المسألة ما يخل بمبدأ المساواة، فهذا ما يقتضيه العمل في مجلس الدولة، وما جرى العمل عليه في الأنظمة المقارنة وهذا شرط غير مطلوب في باقي الجهات والهيئات القضائية.
- مثال آخر: فإن قانون المحكمة الدستورية العليا يحظر على أعضائها الندب لدى أجهزة الدولة المختلفة، وهذا الحظر يسري فقط على المحكمة الدستورية العليا، وليس في ذلك أيضاً ما يخل بمبدأ المساواة لأنه يراعي مصالح أولى بالرعاية ويجنب المحكمة (على قلة عدد أعضائها) مضار القول بعدم الحيادية أو الانحياز، وخاصة أنها تنظر مدى مطابقة القوانين التي تقرها وتصدرها الدولة لأحكام الدستور.
- وترى اللجنة أن الأمثلة المتقدمة تؤكد على تمتع كل جهة أو هيئة قضائية بخصائص تميزها عن غيرها، وبالتالي فإن إعمال مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بينهم لا يعني بالضرورة التطابق التام والمطلق في جميع أوجه العمل، إنما يجب القضاء على الفوارق الصارخة والواضحة بين مختلف الجهات والهيئات.
- وترى اللجنة أن هذا التعديل يجد تبريره الكافي فيما كشف عنه الواقع العملي من الحاجة إلى استحداث هذا المجلس للنظر في الشئون القضائية المشتركة، وتؤكد اللجنة على أن من شأن هذا التعديل تعزيز استقلال السلطة القضائية من خلال إنشاء مجلس أعلى برئاسة رئيس الجمهورية ويضم رؤساء الجهات والهيئات القضائية ومن بينهم بطبيعة الحال رئيس محكمة النقض، أن يعهد إليه بمراعاة الشئون المشتركة لهذه الجهات والهيئات والتي تتطلب التنسيق والتعاون فيما بينها.
فيديو قد يعجبك: