مؤشر الفتوى: الأطفال يمثلون الاحتياطي الاستراتيجي للتنظيمات الإرهابية
كتب- محمود مصطفى:
كشف المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية، أن التنظيمات الإرهابية – وعلى رأسها تنظيم داعش - تبث أفكارًا مسممة خلال فتاوى مفخخة تحول الأطفال إلى قنابل موقوتة وآلات للقتل والتدمير.
وأوضح أن هذه التنظيمات الإرهابية وضعت استراتيجية بعيدة المدى من خلالها تستبدل بمشاعر البراءة مشاعر الكراهية والحقد والثأر في نفوس النشء ضد العالم خارج التنظيم، وقد اتبعت في ذلك مجموعة من الآليات لتنفيذ هذه الاستراتيجية أهمها سلاح الفتاوى، الذي يحول الطفل البريء إلى قاتل صغير.
التضحية بالأبناء .. التجنيد في خطاب التنظيمات الإرهابية:
أكد مؤشر الفتوى العالمي أن مختلف التنظيمات الإرهابية ترى بنسبة (100%)أن الأطفال يمثلون مستقبل هذه التنظيمات، وأنهم من سيحمل راية الخلافة الإسلامية في المستقبل القريب، وهذا يعظم من أهمية تجنيد هذه الفئة.
وبتحليل الخطاب الإفتائي لدى التنظيمات الإرهابية أوضح مؤشر الفتوى أنه رغم اتحاد غاية التنظيمات الإرهابية في تجنيد الأطفال فإن الاختلاف يكمن في خطابهم.
وعند تحليل فتاوى تنظيم "داعش"الإرهابي اتضح أن التنظيم يُبرز في خطابه ضرورة عملية تجنيد الأطفال بنسبة (75%)؛ حيث حث فتاويه وإصداراته على تجنيد الأطفال وتجهيزهم للقتال، سواء أكان هذا الحث صريحًا أم ضمنيًّا، ومن هذه الفتاوى تلك الفتوى الواردة في كتاب "تحفيز الأنام إلى كفالة الأيتام"، تضمنت: "أُولَئِكَ الأَشْبَالُ الَّذينَ يَنْشئونَ فِي كَفَالَةِ آبَاءِ الشُّهداءِ أَوْ إِخوانِهِم أَوْ أَقَاربهم أَوْ رُفَقَائِهِمْ يُربَّونَ عَلَى طَاعَة اللهِ المْعْبُود، وُيُجهَّزُونَ لِفَتْحِ الأَمْصَارِ وَكَسْرِ الْحُدُودِ".
وحول توظيف "داعش" للأطفال في خطابه كشف مؤشر الفتوى أن هذا التوظيف يأخذ شكلين، الأول يظهر الأطفال بنسبة (80%) في شكل عنيف،والثاني يظهرهم بنسبة (20%) بشكل غير عنيف وغالبًا ما يكون معبرًا عن قيم الطاعة للوالدين وولي الأمر والشكل الرمزي لحمل راية الجهاد.
واستدل مؤشر الفتوى على ذلك بعدد من الفتاوى والإصدارات أبرزها إصدار بعنوان: "إلى أطفال يهود" نُشر في العام 2015م تضمن قيام 6 من أطفال التنظيم بإعدام عناصر من قوات الأمن السورية كانوا محتجزين لدى التنظيم.
وتابع مؤشر الفتوى: إنه في تحليل الخطاب الإفتائي لتنظيم "القاعدة"توصل المؤشر إلى أن التنظيم يُبرز في خطابه ضرورة عملية تجنيد الأطفال بنسبة (25%)، وعلى الرغم من أن هذه النسبة قد تبدو قليلة مقارنة بتنظيم داعش، فإن ذلك لا يعطي دلالة على وجود اختلاف بين استراتيجيتي التنظيمين في التجنيد، فالاختلاف يقع فقط في طريقة التطبيق لكن الغاية تظل واحدة.
وبرر المؤشر ذلك بأن تنظيم داعش يعتمد بنسبة كبيرة على الإعلام في عملية التجنيد، في حين يعتمد تنظيم القاعدة على التنشئة بصورة أكبر، لذا نجد أن تنظيم القاعدة يعتمد بنسبة (85%) على التجنيد بصورة غير مباشرة، وذلك بالاعتماد على الأساليب التربوية، ويمكن الاستدلال على ذلك بتتبع أعداد مجلتي "بيتك"، و"ابنة الإسلام" اللتين تركزان على دور الأم في التعامل مع الأبناء وطريقة إعداد مقاتل جهادي، ومن ذلك موضوع جاء بعنوان: "اجعلي ولدك شبلًا للإسلام" الوارد بمجلة "بيتك" في عدد شهر يناير 2019.
وتابع المؤشر أن تنظيم القاعدة يستخدم الأطفال في إصداراته بنسبة (15%)بهدف كسب التعاطف والتأييد والحشد له، ودلل المؤشر على ذلك بما جاء تحت عنوان: "لأجل أطفالنا سنقاتل الطواغيت" في عدد فبراير 2019 من مجلة "ابنة الإسلام": "أطفالنا أضحوا مستهدفين لاستعمالهم كأسلحة في هذه الحرب القذرة بعد أن طغى الكفر وتجبر صنم الردة".
روافد التنظيمات الإرهابية للحصول على الأطفال المقاتلين:
وكشف المؤشر العالمي للفتوى أن التنظيمات الإرهابية تحصل على الأطفال المقاتلين في صفوفهم من خلال ثلاثة روافد، الأول: الأطفال من أبناء مقاتلي التنظيمات، والثاني: الاختطاف والأَسر، والثالث: الخداع والاستقطاب.
أما عن الرافد الأول: فقد أوضح مؤشر الفتوى أنه جاء بنسبة (66%) من جملة الأطفال الذين تعتمد عليهم التنظيمات، مشيرًا إلى أن التنظيمات تتبع لتحقيق ذلك سبلًا قسرية وأخرى طوعية، عن طريق (عمليات خطف النساء، تشجيع الزواج المبكر، تدعيم قيم تعدد الزوجات)، وهذا يهدد بوجود جيل جديد من أبناء هذا التنظيم الإرهابي يحافظ من خلالهم التنظيم على بقائه.
أما عن الرافد الثاني: فتمثل في اعتماد التنظيمات الإرهابية بنسبة (24%) على اختطاف الأطفال والقُصَّر دون علم أهاليهم إضافة إلى اليتامى وأطفال الشوارع، وذلك لاستخدامهم في العمليات الإرهابية، أو استخدامهم كوسيلة للتمويل من خلال مساومة ذويهم، أو الاستفادة من بيعهم لعملاء تجارة الأعضاء والحصول على الأموال، ولأجل تحقيق ذلك فقد استند تنظيم "داعش" على فتوى صادرة في العام 2014م أجازت "سبي واحتجاز النساء والأطفال من غير المسلمين".
وأخيرًا جاء الرافد الثالث بنسبة (10%) القائم على تجنيد التنظيمات الإرهابية للمراهقين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية،واستدل على ذلك باللعبة التي أطلقها تنظيم داعش عام 2014 وحملت اسم "صليل الصوارم" والتي يظهر فيها علم "داعش"، مع خلفية موسيقية لأحد الأناشيد الجهادية، مع ترديد شخصيات اللعبة عبارة "الله أكبر" عند قتل أو تفجير الخصوم.
أسباب تجنيد التنظيمات الإرهابية للأطفال:
وقد أجاب مؤشر الفتوى العالمي عن سؤال: لماذا تفضل التنظيمات الإرهابية تجنيد الأطفال؟ مجيبًا بأن الطفل يُمثل"الاحتياطي الاستراتيجي للتنظيمات"الذي تستخدمه التنظيمات في حالة القلة العددية في صفوف المقاتلين من الرجال، أو في اختراق النقاط الأمنية التي لا يجد الطفل صعوبات في اختراقها أو استغلاله كمادة إعلامية.
ولقد كشف مؤشر الفتوى أن هناك ثلاثة أسباب تحفز التنظيمات الإرهابية لتجنيد الأطفال والناشئة داخل صفوفها، أولها: طبيعة الطفل الانفعالية والمندفعة والتشبع بالأفكار دون تمييز، والذي يمثل(45%) من جملة هذه الأسباب المحفزة للتنظيم. وثانيها: التراجع في قوة التنظيمات العددية والضغوط الأمنية وتمثل (35%) من هذه الأسباب. وثالثها: استغلال تدهور الأوضاع المعيشية في بعض الدول، ويمثل (20%) منها.
حيث أوضح مؤشر الفتوى أن طبيعة الأطفال تسهل عملية تلقينهم وتطويعهم للقيام بالعمل الإرهابي، كما أن الأفكار والأحداث التي تغرس في عقل الطفل تظل معه طوال حياته، وبالتالي يضمن التنظيم رسوخ أفكاره وتوارثها جيلًا بعد جيل.
وتابع المؤشر: إن التنظيم يستخدم الأطفال في أوقات الهزيمة والانحسار، باعتبارهم قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت أو مقاتلين يحملون الأسلحة، أو القذائف الخفيفة مثل القنابل اليدوية وغيرها، إلى جانب بعدهم عن مواضع الشبهة عند النقاط والارتكازات الأمنية، فمن ذلك فتوى عضو الهيئة الشرعية لتنظيم "داعش" الإرهابي "أبو سعيد الجزراوي" التي صدرت في العام 2016، تضمنت "إجازة استخدام الأطفال في تنفيذ عمليات انتحارية بعد "تفخيخ أجسادهم" بالقنابل".
كما تستغل التنظيمات الإرهابية الأطفال في الدعاية من خلال استخدامهم كمواد إعلامية في إصداراتهم المرئية للتعبير عن شراسة وقوة التنظيم والتأكيد على استمرار وجوده عبر هذا الجيل حتى لو تمت هزيمته، وهو الأمر الذي اعتمد عليه تنظيم "داعش" بصورة مستمرة بإبراز الأطفال في عدد من إصداراته المرئية، ومنها إصدار مرئي بعنوان "جيل الملاحم" تم نشره عام 2017 برزت فيه التدريبات العسكرية التي يخضع لها أبناء التنظيم في الرماية وكيفية استخدام الأسلحة في التصويب والاستهداف.
طرق التجنيد: تنشئة الطفل الإرهابي .. من "الإعداد الذهني" إلى "التجنيد الكامل"
وكشف مؤشر الفتوى العالمي أن التنظيمات الإرهابية تتبع 4 خطوات لتنفيذ خطتها في تجنيد الأطفال،
أولها: "التحضير الذهني" وذلك من خلال عملية زرع الأفكار الجهادية في عقلية الطفل، ودلل على ذلك بما جاء تحت عنوان: "أطفالنا ومعاني الرجولة" بمجلة بيتك عدد ديسمبر 2018 الذي استشهد بمشاركة الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير في معركة اليرموك وهو ابن عشر سنين.
هذا بجانب زرع أفكار الطاعة المطلقة للوالدين والعلماء وولاة الأمر التابعين للتنظيم فقط، مما يسهل عملية الإخضاع التام لهؤلاء الأطفال لهم وضمان عدم خروجهم عن هذا المبدأ ورفض أي فكر مغاير.
أما الخطوة الثانية: "التعليم" والذي يصب في صالح التنظيم، حيث يتسم بأمرين، الاستمرارية والشمول، حيث يستمر التعليم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، علاوة على أنه تعليم شامل غير قاصر على العلوم الشرعية فقط، إنما يشمل علومًا أخرى متعلقة بإعداد مقاتل صغير قادر على تنفيذ العمليات الإرهابية.
ولأهمية التعليم حرصت التنظيمات على فتح المدارس في المناطق التي تقع تحت سيطرتها لخدمة أهدافها، مثل مدارس تنظيم "القاعدة" في الصومال وأفغانستان ومعظم مناطق وجوده، حيث أعلنت "حركة شباب المجاهدين" التابعة لتنظيم "القاعدة" في الصومال في مارس 2019 عن تخريج طلاب "معهد الشريعة للتعليم العالي" في الولايات الإسلامية.
وكذا نفس الأمر بالنسبة لتنظيم "داعش" الذي أنشأ مدارس في سوريا والعراق، حيث أعلن التنظيم في عام 2017 عن القيام بتعليم 100 ألف و423 طالبًا وطالبة في ألف و350 مدرسة ابتدائية خاضعة لسيطرته.
أما عن الخطوة الثالثة للتجنيد فهي:"التدريب" والذي يعتمد على الإعداد البدني للطفل، بتدريبه على حمل السلاح وفنون القتال، فمن ذلك ما نشره تنظيم "القاعدة" في عام 2015 من مقاطع مصورة لعمليات تدريب الأطفال لاستخدامها بهدف الترهيب من قوة التنظيم بإبرازه كتنظيم فتي سيبقى بقوة ما يسميه "أشباله"، أو لاستخدامها في استقطاب المزيد من الأطفال.
وآخر هذه الخطوات: "التخصيص"حيث يقوم التنظيم بتوزيع هؤلاء الأطفال كل حسب المؤهلات التي حصل عليها وقدراته، لتعظيم الاستفادة من هؤلاء الأطفال، فمن يظهر فيه الطاعة وقلة الشجاعة يمكن استخدامه لعمليات التفخيخ والتفجير ومن ذلك العملية الإرهابية الآثمة التي استهدفت منطقة السوق في الشيخ زويد مؤخرًا، وأيضًا ما نشره تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا عام 2016 لطفلة لا يتجاوز عمرها العاشرة قامت بتفجير إرهابي بعدما تم تفخيخها، هذا بجانب مناظر الذبح والقتل التي يشارك فيها أطفال ويستغلها التنظيم في الترويج الإعلامي.
كما تستغل التنظيمات الإرهابية الجوانب المهارية والإبداعية لدى هؤلاء الأطفال، خاصة الجوانب التكنولوجية التي تمثل الكنز الثمين للتنظيم لاستخدامه صناعة الأجهزة المختلفة التي يعتمد عليها في عملياته مثل أجهزة التصوير والتتبع والرصد وغيرها، أو يتم استخدامه في الجانب الإعلامي الذي لا يقل أهمية عن الجانب القتالي كإدارة مواقع التواصل وشبكات التنظيم الإلكترونية.
وفي النهاية أوصت وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء بضرورة تحصين الأطفال ضد التطرف من خلال تنظيم دورات تدريبية لهم، حول المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي بغرض عدم التأثر بأية مؤثرات خارجية قد تحمل تطرفًا أو عنفًا، فضلًا عن ضرورة تنظيم دورات تربوية للأسر لتعليم وزرع قيم الشريعة الإسلامية الصحيحة في أبنائهم لتنشئة جيل قادر على مواجهة الإرهاب والتطرف، وإعداد دورات لتأهيل الأطفال المتضررين من العمل الإرهابي.
فيديو قد يعجبك: