العلاقات المصرية الأمريكية.. تاريخ ممتد وتعاون استراتيجي
القاهرة- (أ ش أ):
تتجه البوصلة الرئاسية في المحطة الثانية لجولته الخارجية التي بدأها أمس الأحد، الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، حيث اللقاء المرتقب بينه وبين الرئيس دونالد ترامب، والذي يأتي تلبية للدعوة التي تلقاها الرئيس السيسي من نظيره الأمريكي، دعوة تعكس إدراك الولايات المتحدة لدور مصر المحوري في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن كونها الباب الملكي للعلاقات وللسوق الأمريكي لإفريقيا، في ضوء تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي في دورته الحالية.
تبنت القيادة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، توجها جديدا في السياسة الخارجية المصرية، يقوم على أساس التوازن في علاقات مصر الدولية مع جميع الدول، بحيث تكون علاقات يحكمها المصالح المتبادلة والمشتركة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية.
إن دعوة ترامب للسيسى لزيارة الولايات المتحدة تعكس قناعة الإدارة الأمريكية بجدية التوجهات المصرية للتعاون مع الجانب الأمريكي لمجابهة التحديات المختلفة خاصة الإرهاب وتنظيماته، وتبرز الزيارة أهمية التعاون بين البلدين فيى تسوية أزمات المنطقة، والرغبة المشتركة لاستثمار الزخم الذي شهدته العلاقات الثنائية في الآونة الأخيرة، حيث توصف تلك العلاقات بأنها علاقات "شراكة استراتيجية" ذات فائدة كبيرة للبلدين وللشعبين المصري والأمريكي، من عدة منطلقات ( السياسي، والاقتصادي، والتجاري، والأمني) ، مما يجعل الجانبان يتطلعان دائما لدفع هذه الشراكة نحو آفاق أوسع على أسس من التعاون والاحترام المتبادل، وبما يسهم بفعالية في تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
لقد انعكست الرؤية المصرية تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة، في تصريحات ولقاءات الرئيس السيسي مع مسئولي الجانب الأمريكي، والتي ركزت على أن العلاقات المصرية الأمريكية هي علاقات استراتيجية تقوم على ثوابت يحرص عليها الطرفان، وتأكيده اعتزاز مصر بعلاقات الشراكة مع الولايات المتحدة، ومسيرة التعاون الممتدة عبر عقود، فضلا عن الحرص على الارتقاء بتلك العلاقات إلى نطاق أوسع يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة وما تفرضه من تحديات ومخاطر.
كما أن زيادة وتيرة اللقاءات والزيارات المتبادلة بين رئيسي البلدين وكبار المسئولين بهما، وتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية تحقيقا لرؤية الرئيسين، يعكس حرص الجانبين على تعزيز ودعم الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، وزيارة السيسي للولايات المتحدة الأمريكية التي تستغرق بضعة أيام، تأتى هذه المرة بعدما تحقق على أرض مصر من المزيد من التطور والتنمية في كافة المجالات وعلى كافة المستويات، وقرب استكمال تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي.
وإدراكا من مصر لحجم التحديات التي تواجهها وتواجه المنطقة، لاسيما الإرهاب الذى أصبح حاليا يمثل تهديدا للعالم أجمع، والتحدي الرئيسي الذي يواجه منطقة الشرق الأوسط، فإن ملف القضاء على الإرهاب سيشغل حيزا في مناقشات القمة بين الرئيسين ، بهدف التأكيد على أهمية العمل على مواجهة هذا التحدي العالمي والإقليمي من خلال تضافر جهود المجتمع الدولي لمواجهته، ووقف تمويله ومده بالسلاح والمقاتلين، ومساندة الدول التي تمر بأزمات وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي لإعادة بناء تلك الدول وتوفير حياة كريمة لأبنائها.
إن التحرك المصري حيال مختلف الملفات الإقليمية، والتي ستطرح على طاولة قمة السيسي - ترامب الثنائية المرتقبة، لاسيما في سوريا وليبيا، تحكمه مجموعة من المبادئ المصرية، تتمثل في الحفاظ على مفهوم وكيان الدولة الوطنية، ووحدة وسلامة أراضيها، والحيلولة دون انهيار مؤسساتها كخطوة هامة وأساسية تحول دون انزلاق المنطقة نحو المزيد من الانقسام والتشرذم، وأهمية التمسك بالحلول السياسية بما يمكن المجتمع الدولي من المضي قدما في جهود بناء وإعادة إعمار الدول التي شهدت أو مازالت تشهد نزاعات من أجل إنهاء معاناة شعوبها، وعدم إتاحة الفرصة لوجود بيئة خصبة تستخدمها المنظمات الإرهابية.
وتتجلى العلاقات المصرية الأمريكية الاستراتيجية في اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية أكبر شريك اقتصادي لمصر منذ أواخر حقبة السبعينات، وقبل عام تم توقيع 8 اتفاقيات للتعاون الاقتصادي بين البلدين بقيمة 121.6 مليون دولار، وذلك بقطاعات الاستثمار والتعليم والصحة والزراعة والمياه.
وتصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول المستثمرة في مصر، حيث بلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر 19.6 مليار دولار أمريكي في عام 2013، وهو يمثل ثلث الاستثمارات الأمريكية المباشرة في أفريقيا.. وتعتبر أمريكا أيضا أكبر مستثمر في النفط بمصر حيث يصل حجم استثمارات شركة (أباتشي)، أكبر مستثمر أمريكي في البلاد، إلى 12 مليار دولار أمريكي.
وعلى صعيد التبادل التجاري، يتبين من معدلات حجم التبادل التجاري بين البلدين، سواء بشكل ثنائي كالصادرات والواردات أو في شكل متعدد الأطراف كاتفاق الكويز والنظام المعمم للمزايا الأمريكي، أن حجم التبادل التجاري بين مصر وأمريكا 8 مليارات دولار، موزعة بين 6 مليارات دولار صادرات أمريكية لمصر، وملياري دولار صادرات مصرية لأمريكا.
وارتفعت الاستثمارات الأمريكية في مصر من 19.3 مليار دولار عام 2013 لتصل إلى 21.3 مليار دولار في نهاية عام 2014، فضلا عن أن الاستثمارات الأمريكية في مصر تمثل نحو 30 في المائة من الاستثمارات الأمريكية المباشرة في القارة الأفريقية، مما يجعل مصر أكبر مستقبل للاستثمارات الأمريكية في أفريقيا، ويمثل كل من النفط والمنتجات البترولية أكبر حصة من الصادرات المصرية للولايات المتحدة، كما تشكل المنتجات الزراعية والآلات الصناعية أكبر شريحة من الواردات الأمريكية لمصر، حيث تمثل مصر أكبر سوق للصادرات الزراعية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويحق لمصر الاستفادة من النظام المعمم للمزايا الأمريكي (GSP )، الذي يسمح بتصدير بعض المنتجات المصرية إلى السوق الأمريكي وإعفائها من الجمارك.. وتعتبر مصر رابع أكبر دولة في المنطقة بالنسبة للصادرات الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط.
وتؤمن القاهرة وواشنطن أن دعم العلاقات الثقافية والعلمية والتعليمية هي أساس توثيق العلاقات في المجال السياسي والاستراتيجي بين البلدين، حيث تم إبرام العديد من اتفاقات التعاون بين الجانبين في هذا القطاع ، وفيما يتعلق بالتعاون بين الجامعات في البلدين، تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون العلمي والثقافي بين الجامعات المصرية ونظيراتها في الولايات المتحدة وكذلك هناك العديد من برامج التبادل الأكاديمي والمهنى والبرامج التي تمولها الحكومة الأمريكية للتبادلات الأكاديمية بين مصر والولايات المتحدة كل عام، ومنها برنامج فولبرايت للعلماء، ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI )، وبرنامج قادة الغد، ومبادرة كلية المجتمع، وبرنامج المنح الدراسية، وبرنامج القيادة في التربية والتعليم، وبرنامج التنميو (LEAD )، ونموذج الكونجرس الأمريكي، ومركز البحوث الأمريكي في مصر، وبرنامج الباحث العلمي والإقامة، وبرنامج التربية المدنية، وزمالة القيادة، وبرنامج باحث المعاهد (سوسي)، وبرنامج التربية المدنية، وزمالة القيادة، وبرنامج الكاتب الدولية (ايوا).
ومن برامج التبادل الأكاديمي والمهني أيضا بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، برنامج التميز والإنجاز في التدريس (TEA)، وزمالة الديمقراطية، وبرنامج بورلوغ، الذي يهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي عن طريق زيادة المعرفة العلمية والبحوث التعاونية لتحسين الإنتاجية الزراعية، وبرنامج زمالة كوكران، الذي يوفر التدريب عالي الجودة لمساعدة البلدان المتوسطة الدخل والأسواق الناشئة والديمقراطيات الناشئة، لتحسين النظم الزراعية وتقوية وتعزيز الروابط التجارية مع الولايات المتحدة.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: