زياد بهاء الدين: استمرارية السياسات ومشاركة القطاع الخاص حققا نهضة الصين
القاهرة- أ ش أ:
اعتبر الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء الأسبق للشئون الاقتصادية، أن تحقيق الصين للنهضة الاقتصادية التي تعيشها حاليا، ترجع إلى عوامل أساسية أهمها استمرارية السياسات والذى أدى لتحقيق الصين متوسط معدل نمو سنوي 9% منذ عام 1989 حتى الآن، إضافة إلى المشاركة القوية للقطاع الخاص.
وأوضح بهاء الدين خلال ندوة عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، اليوم الأربعاء بعنوان: "الصين: أربعون عاما من التحول الاقتصادي"، أن من أهم معجزات التجربة الصينية، هي القدرة على خفض نسبة الفقر من 80% من السكان عام 1980 إلى 2 – 2.5% عام 2019، وهو ما يعنى خروج أكثر من 800 مليون مواطن من دائرة الفقر، لافتا إلى أن الصين في طريقها للقضاء على الفقر نهائيا في عام 2022.
وبين بهاء الدين أن الصين دولة كبيرة الحجم، فهي ثاني دول العالم بعد الولايات المتحدة من حيث الحجم الاقتصادي بقيمة 15 تريليون دولار، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف حجم اليابان و5 أضعاف حجم الهند وفرنسا وإيطاليا، ولدى الصين أكبر احتياطي نقدي في بعض الموارد، وأكبر احتياطي نقدي في العالم، ورابع متلقى للاستثمارات المباشرة عالميا، ولديها ثلاثة من أكبر عشر بورصات في العالم، في حين أن ترتيبها رقم 73 عالميا من حيث متوسط دخل الفرد والذى يعادل 10 آلاف دولار سنويا، مقابل 65 ألف دولار للفرد في أمريكا.
وأشار بهاء الدين إلى أن التحول الاقتصادي الأكبر في الصين حدث في نهاية السبعينات عندما أعلن الحزب الشيوعي الحاكم سياسة جديدة بفتح المجال للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، لافتا إلى أن الصين لديها قطاع عام قوى يطغى عمله في مجال الدفاع والبنية التحتية والطاقة والموارد المائية وملكية الأراضي والعقارات والبحث العلمي، ولكن القطاع الخاص يساهم حاليا بنحو 60% من الدخل القومي للصين، وينفذ 70% من الاستثمارات الجديدة، ويوفر 90% من الوظائف الجديدة.
وقال بهاء الدين: "الصين ليست دولة ديموقراطية، ولكن الحزب هو الحاكم ولا يوجد حكم فرد، وبالتالي يحدث الصراع الداخلي على السياسات داخل الحزب الحاكم الذى تأسس عام 1925، ولكن ساعد تطور فكره وتطور تشكيله على استمراره حتى الآن".
وأشار بهاء الدين إلى أن مبادرة الحزام والطريق التي تتبناها الصين، وقال: "قدر البنك الدولي في تقرير له عام 2018 تكلفتها عند الانتهاء منها بنحو 575 مليار دولار، ويقدر حجم الزيادة في حركة التجارة الدولة بعد انتهائه بنحو 4.5%"، لافتا إلى أن الاستفادة الحقيقية للدول المختلفة المشاركة بالمبادرة يتوقف على استعاد هذه الدول لجذب المزيد من الاستثمار والتحوط من حجم الفساد الداخلي، والحرص على الاقتراض لتنفيذ المشروعات الداخلية في حدود القدرة على السداد، ومراعاة الأثر الاجتماعي لهذه المشروعات ليكون لها أثر داخلي جيد.
وتطرق بهاء الدين إلى تحديات التجربة الصينية، وقال أنها: "تتمثل في وجود فجوات بين الريف والحضر، بالإضافة إلى الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتفاق الذي تم توقيعه مؤخرا بين البلدين مجرد هدنة في معركة هيكلية، بالإضافة إلى تحديات الإصلاح السياسي، وقدرة الصين على الاستمرار في النجاح لأنه تحديا في حد ذاته".
وحول كيفية استفادة مصر من التجربة الصينية، قال بهاء الدين: "توجد 3 دروس اقتصادية هامة يمكن الاستفادة منها، وهو إيجاد المعادلة السليمة لاستمرار الدولة في النشاط الاقتصادي، ولست من أنصار خروج الدولة من النشاط الاقتصادي في ظل وجود معدلات فقر مرتفعة، وبالتالي لا يسمح الوضع بخروج الدولة من النشاط الاقتصادي، لكن يمكن الاستفادة من التجربة الصينية في كيفية تحول هذه العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص إلى علاقة تكامل وتدعيم من الدولة للقطاع الخاص بدلا من وجود أي عنصر من عناصر التنافس".
وأضاف: "يتمثل الدرس الثاني في استمرارية السياسات لأنه ما يشجع الاستثمارات على الدخول إلى الدولة، لأن التغيير المستمر في السياسات هو أكثر ما يضر بالاستثمار، وأخيرا الاهتمام بالعنصر البشرى لأنه أساس النمو وزيادة الإنتاجية.
من جانبه، قال هان بينج المستشار الاقتصادي والتجاري بسفارة الصين بالقاهرة، أن ما وصلت إليه الصين من إنجازات قامت به على طريقتها الخاصة، وأسلوبها في التطوير والبحث عن الطريقة الصحيحة لهذا التطوير، مشيرا إلى أن الحزب الشيوعي هو السبب فيما وصلت إليه الصين الآن، مشيرا إلى أنه نظام ديموقراطي ولكن ليس على الطريقة الغربية، حيث يتم اتخاذ القرارات داخل الحزب بطريقة ديموقراطية، ولكن لا يتم إجراء هذه المناقشات أمام وسائل الإعلام.
وحول تجربة الصين في مكافحة الفقر، أشار بينج إلى أن الحزب الشيوعي وضع خطة تفصيلية للقضاء على الفقر بجعل أمين عام الحزب في كل قرية مسئولا عن الفقراء في قريته، ويتم دراسة احتياجات كل أسرة وفق ظروفها، ودراسة ما يمكن تقديمه لهذه الأسر للمساعدة على خروجها من دائرة الفقر، وليس مجرد دعم أو إعانات يحصلون عليها.
وأوضح أن السياسة الأساسية التي تم الاعتماد عليها لخفض معدلات الفقر تمثلت في تشجيع الأفراد بأنفسهم على الخروج من الفقر من خلال تعليمهم وتدريبهم على بعض المهارات والحرف والصناعات اليدوية بالنسبة لمن هم في سن العمل ومساعدتهم على تسويق وبيع منتجاتهم إلكترونيا، أما بالنسبة لكبار السن ومن هم خارج قوة العمل فيتم الاعتناء بهم بطريقة أخرى من خلال دعمهم بالمال ودراسة احتياجاتهم.
ويرى بينج أنه رغم ما حققته الصين من نجاح اقتصادي خلال الأربعين عاما الماضية منذ تطبيق سياسة الانفتاح، فلا تزال دولة نامية، حيث ما زال بها 12 مليون شخص فقير، وما زال دخل الفرد منخفضا في المرتبة 33 عالميا، ومازال هناك أراضي ومناطق في الصين تحتاج للتطوير وبالتالي هناك مجال للتطوير.
وأشار المفوض التجاري إلى أن العلاقات بين مصر والصين شهدت تطورات كبيرا منذ عام 2014، وهناك زيارات متبادلة بين رئيسي البلدين، بالإضافة إلى التعاون في مشروعات البنية التحتية، ويمكن أن تسهم الصين في نقل التكنولوجيا إلى مصر بتكلفة أقل كثيرا مما يحدث إذا تم نقل هذه التكنولوجيا من أوروبا.
بدورها، قالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية مدير البحوث بالمركز، إن أحد أهم أسباب نجاح الصين، يتمثل في أنها ترى نفسها دولة نامية رغم النجاحات الاقتصادية التي حققتها، وترى نقاط الضعف وتركز عليها لتطويرها، مشددة على أهمية استمرارية السياسات لإنجاح أي تجربة.
وأشارت عبد اللطيف إلى أن نجاح العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في الصين تجربة يحتذى بها، لافتة إلى أن تركيز استثمارات الدولة على البحث العلمي والتطوير بدون مزاحمة القطاع الخاص هو نهج يمكن تحقيقه في مصر حتى تكون العلاقة بين الطرفين متوازنة.
وطالبت بوجود خريطة استثمارية حقيقية في مصر يمكن على أساسها صياغة الحوافز المطلوبة لجذب الاستثمارات، داعية إلى ترجمة العلاقات بين مصر والصين في استثمارات مباشرة ونقل التكنولوجيا الحديثة، بدلا من اقتصارها على تنفيذ مشروعات مباشرة في البنية التحتية.
من ناحيته، قال الدكتور محمد هلال عضو مجلس الأعمال المصرى الصينى، إن هناك استثمارات صينية في مصر لكنها لا ترقى إلى الحجم الهائل للصين، كما أن مجتمع الأعمال المصري يتعامل مع الصين من خلال استيراد منتجاتهم، ولكن يجب أن يكون التركيز الرئيسي على الاستثمار والتصدير إلى الصين، وهو ما يتطلب أن نعرف نحن ماذا نريد من المستثمرين الصينين، وما يمكن أن تصدره مصر إلى الصين وهى سوق كبيرة الحجم منفتحة على العالم، ولا زالت تعانى من فجوة بين المدن والقرى، لافتا إلى أن الأسعار لا تمثل مشكلة أمام تصدير منتجات مصرية إلى الصين، ولكن الأهم هو الاهتمام بالتطوير والبحث العلمي ودراسة المنتجات التي يمكن تصديرها للصين بما يتناسب مع أذواق السكان المختلفة واحتياجاتهم.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: