"أطفال في الحجر".. كيف يقضي أبناء العائدين من "ووهان" أوقاتهم في مطروح؟
كتب - أحمد جمعة:
كانت شيرين فليفل مع أبنائها الثلاثة؛ حينما طبقت مدينة ووهان الصينية حجرًا صحياً وحظرًا للتجوال على جميع السكان، مع زيادة عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد. في ذلك الوقت الذي كان زوجها الدكتور عبدالمُطلب العقيل في مصر لبضعة أيام، يُنهي خلالها إجراء ترقيته بجامعة بنها.
قضت "شيرين" أيامًا صعبة، كان القلق مضاعفًا، والخوف "خوفين"، فهيّ وحيدة ترعى الثلاثة: "زوجي نزل قبل الحظر، وأيام قليلة سمعنا عن كورونا، وبدون مقدمات الدنيا اتقلبت"، ومع ذلك بدأت تطبق -هيّ نفسها- حجرًا على أبنائها خوفًا عليهم "بقيت أخاف أفتح شبابيك، ويكون فيه غسل الإيدين باستمرار ويطهروها، وبحاول ميحتكوش ببعض كتير".
اتخذت أيضًا مجموعة من الإجراءات الاحترازية المشددة داخل البيت: "قعدنا مع بعض في غرفة واحدة، ومشغلين الدفاية، بجانب ارتداء الكمامات وجوانتيهات وكنت بأعمل أكل يزود المناعة". تحكي "شيرين" عن اللحظات الأكثر فزعًا عندما كانت تنوي الخروج لقضاء احتياجات الأسرة "مأساة بالنسبالي إني أسيب الولاد وأروح أجيب أكل، قمة الرعب لما أسيبهم وأخرج 10 دقائق وأرجع".
كغيرها من المصريين؛ طلبت أن تعود فورًا إلى مصر حماية لها ولأبنائها الصغار في المقام الأول، قبل أن يوجه الرئيس عبدالفتاح السيسي باتخاذ ما يلزم لعودة المصريين المقيمين في ووهان. في طريق الذهاب إلى المطار وفّرت الأم احتياطات عديدة "لما الأتوبيس وصل، نقلت الشنط والزملاء ساعدوني، وخليت الأطفال آخر حاجة، كنت أمنتهم بكمامات، جوانتيات، ولبسوا جاكيت بلاستيك فوق الهدوم"، قبل أن تطأ أقدامهم أرض مطروح الأسبوع الماضي، ويبدأ معها تنفيذ الحجر الصحي لمدة 14 يومًا.
تعيش "شيرين" في شقة منفصلة داخل الجزء الخاص بالأسر في الفندق المُخصص للحجر الصحي، تحاول أن تتجاوز مع هؤلاء الصغار تلك الأيام على صعوبتها، فالأجواء غريبة على الجميع. لديها عبدالله 10 سنوات، وآدم 8 سنوات، وفريدة 6 سنوات، قضوا من أعمارهم 4 سنوات في الصين بينما كان والدهم يستكمل دراساته العليا في جامعة هواتشونغ الزراعية.
يبدأ يوم "شيرين" وأبنائها بقياس درجة الحرارة، ثم تباعًا تمضي الساعات بتناول الوجبات الثلاث، والخروج لبعض الوقت لبهو الفندق وأماكن الترفيه، قبل العودة من جديد. في العموم فهو ليس يومًا عادياً، خاصة أن أمام هؤلاء الأطفال امتحانات "ولادي كبار شوية ووراهم مذاكرة، وجايبة معايا الكتب بتاعتهم من الصين، المفروض امتحانات السفارة في أول أبريل، وورانا مذاكرة كتير بنعوض الأيام اللي فاتت".
هناك أيضًا وقت للترفيه عن الأطفال كما تقول شيرين "لو حبوا ينزلوا يتمشوا شوية في الشمس، نلتزم بالكمامات، بيلعبوا شوية في ألعاب الفندق ويطلعوا تاني"، في الوقت الذي وفرت إدارة الفندق كرة قدم و"دومينو"، وبعض ألعاب التسلية الأخرى للكبار والصغار، بجانب توفير التلفزيون داخل الغرف للجميع.
في بعض الأحيان، يسأل أطفال شيرين عن الإجراءات الوقائية التي يمرون بها "مستغربين إحنا ليه مروحناش على البيت في مصر، بفهمهم إحنا دلوقتي أي حد كان مُعرض أنه يكون عنده المرض وبيطمنوا علينا وأيام وهنروّح بيتنا".
كانت عودة الدكتور شحات عبدالله لمصر حتمية، رغم أنه كان على وشك التخرج هذا الربيع من جامعة وسط الصين الزراعية ونيل درجة الماجستير، لكن الأمور تبدلت على نحو لم يشهده قبلًا في 3 سنوات قضاها هناك. جمّد الباحث حلمه باستكمال دراساته العليا حفاظًا على حياة أسرته، على أمل العودة للدراسة بعد هدوء الأوضاع.
مرّت أيام الخوف على شحات بعدما حسم قرار المغادرة لمصر، وقضاء الوقت داخل حجر مرسى مطروح رفقة 302 مصري.
يقضي شحات تلك الأيام مع زوجته أية محسن وابنه ذو العامين أبوبكر "بنتمشى في حدائق الفندق، ونمارس الرياضة مع تنفيذ إجراءات الوقاية، ونقضي الأيام بمشاهدة التلفزيون واللعب مع الأطفال بالألعاب التي خصصها الفندق لهم".
ومع القلق من "كورونا" كان شحات يخشى على أبوبكر، أمَنه بإجراءات تكفل حمايته، لكن صغر سنه لم يستوعب سبب وجوده "فاهم إن إحنا هنا كنظام إجازة أو رحلة". لا يطيق أبو بكر الكمامات المفروضة على الجميع في الحجر "بيتخنق منها جدًا، بنحاول نفهمه إن الجو برد ولازم يضعها، إحنا بنلبسها برضه والناس بتحاول تلعب معاه وتلهيه".
في الفندق، يحاول المسئولون عن الحجر الصحي التخفيف عن الصغار؛ وفروا لهم بعض الألعاب، أحضروا الحلوى، والكرة للجميع: "فيه مراجيح وزحاليق للأطفال، وجابوا مجموعة من كرات القدم للكبار والأطفال، وبيصرفوا بسكويت وشيكولاتة".
"يوسف طلعت" صاحب الأربعة أعوام ونصف، من هؤلاء الذين يقضون فترة الحجر الصحي في مطروح مع والديه، لم تكن تستهويه العودة بعدما جذبه جمال "ووهان" خلال عامين قضاهما هناك قبل أن ينتشر كورونا. ضاق "يوسف" كما الجميع بفترة الحجر في الصين تلك التي لزم الكل بيته "اتخنق من الحبسة"، لكنه استفسر عندما عاد إلى مطروح "سألني إحنا فين، قولته إحنا في مصر بنقضي شوية أيام وهنروح لجدو" كما قال والده طلعت عبدالرحمن.
يمضي يوسف روتينه اليومي بين شقتهم وبين الترفيه داخل الفندق، لكن الكمامة والجوانتي أصبحا من الأساسيات أينما كان، ضاق بها في بداية الأمر لكنه "اتعود عليها دلوقتي وفاهم كويس إن لازم نعمل كده علشان الفيروسات والجراثيم اللي في الجو"، فيما يحاول والده أن يتحدثا معه ويخففا عليه "بنطلع معاه في الشمس ونتمشى شوية مع صحابه، نركبه المراجيح ونلعب كورة معاه".
لمرتين يومياً يخضع يوسف وجميع من في الحجر لقياس درجة الحرارة، وفي الأيام الماضية سحبوا عينة دم لتحليلها، فيما كان تعامل الفريق الطبي رقيقًا مع هؤلاء الأطفال "كويسين جدا، وبيتكلموا معاه وادوله شيكولاته وهما بيسحبوا عينة الدم"، فيما كان الشكر حاضرًا للفريق القائم على تطبيق الحجر "موفرين كل حاجة للجميع، حتى الأطفال جابوا بسكويت وشيبسي وشيكولاته".
فيديو قد يعجبك: