مسعفون على جبهة كورونا: "إحنا في حرب.. ومش هنروح إلا لما تنتهي" (معايشة)
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
كتب – أحمد جمعة:
تصوير – نادر نبيل:
فيديو - أسماء يسري:
12 عامًا كاملة قضاها عادل فتحي كمساعد أخصائي إسعاف داخل فرع 6 أكتوبر، واجه خلالها الكثير من الصعاب، والحوادث الكبرى، ومعها اكتسب مزيدًا من الخبرة في العمل، ليكون في صدارة المجموعة التي اختارتها هيئة الإسعاف للتعامل مع فيروس كورونا.
كان فتحي مرتدياً بدلته الصفراء الواقية، والنظارة الطبية، والماسك عالي الكفاءة، والجوانتي، وواقي القدم، حينما شرع في الحديث عن مهمته المستجدة في نقل حالات الاشتباه بكورونا إلى مستشفيات "الإحالة"، أي الحميات أو الصدر، والحالات الإيجابية إلى مستشفى العزل، من داخل سيارة الإسعاف التي يعمل عليها بعد أن جرى تطهيرها.
تلقى عادل وعدد آخر معه من المتعاملين في أزمة كورونا عددًا من التدريبات خلال الأسابيع الماضية عن كيفية التعامل مع الحالات، وارتداء الواقيات الشخصية وأساليب مكافحة العدوى "عرفنا إزاي نسلم الحالات في المستشفى، ونطهر العربيات لما نخلص".
بمجرد أن يتلقى عادل وزميله السائق البلاغ يبدأ تلقائياً في تنفيذ هذه التعليمات "الغرفة تتسلم البلاغ، ثم يتم إبلاغنا بالجاهزية للذهاب إلى الحالة، لنبدأ في ارتداء الواقيات المختلفة". ينطلق الاثنان لمواجهة "المجهول"، هما لا يعرفان إن كانت الحالة "سلبي أم إيجابي"، لذا يكون الحرص مضاعفًا. بمجرد الوصول يشرع في الحصول على بيانات المريض وتاريخه المرضي والأعراض الظاهرية "الضغط والنبض والسكر"، ثم يبدأ في التعامل "أعطيه ماسك جراحي علشان الكحة والعطس".
الدعم النفسي للمريض ضمن أولويات المسعفين في التعامل مع الحالات "نطمنه ونهديه لأنه في ظل الظروف دي ممكن يكون خايف"، ويزداد هذا الدعم حال نقل مريض إلى مستشفى العزل "أقوله أنت مع إخواتك وفترة وهتعدي وترجع سليم"، ثم يدخلان إلى داخل السيارة "بعمل الترولي زاوية 45 درجة وأقعده"، دون أن يدخل السيارة شخص آخر.
في رحلة نقل المريض إلى المستشفى، يتابع "عادل" العلامات الحيوية من نبض وضغط وأكسجين، وعلى هذا المنوال حتى يصل إلى مستشفى الحميات أو العزل، ويجري إنزال الحالة إلى هناك، لتتسلم المستشفى المريض وهنا تنتهي مهمة رجال الإسعاف، لكن ينقصهم تنفيذ التطهير اللازم لهم وللسيارة "بعض المستشفيات يجري داخلها التطهير، ولدينا في الفرع مكان للتطهير، بخلاف تعقيم أنفسنا كمسعف والسائق أيضًا".
ينظر عادل إلى مهنته بعين التقدير "المسعف بيشتغل بضمير. إحنا مش شيالين. إحنا متعلمين كويس ومؤهلين للتعامل والنقل الآمن للمرضى"، وفي ذاكرته القسم الذي أداه منذ اليوم الأول "نعامل الناس كأهالينا، ونحافظ على أرواحهم وأماناتهم وخصوصياتهم دون النظر لعرق أو لون أو منفعة".
هذه أكبر أزمة واجهها عادل في عمله خلال السنوات الماضية "دي أكبر أزمة صحية. مرينا بأزمات كبيرة وشلنا البلد وكنا موجودين بأرواحنا". ومع ذلك كان الحرص أكبر عند عودته لأسرته بالمنوفية، في إلى جانب نظام عمله الذي طرأ عليه جديد "بقى يومين في الأسبوع، 24 ساعة، علشان منطولش فترة التردد على البيت"، لكنه وجه أسرته بعدم الاختلاط كثيرًا معه "لما أروح ولادي عاوزين يبوسوني ويحضنوني لكني بأفضل تكون فيه مسافة بيني وبينهم"، ويأمل من ذلك أن يمر الوباء دون أن يؤذي أحبائه "بنقول ربنا يستر ويعدينا من الأزمة على خير".
إلى جوار عادل، كان خالد عبدالسلام سائق سيارة الإسعاف، الذي يرى أن الحرص في التعامل مضاعفا "الحوادث معروف قصتها، ودلوقتي فيه وضع غير الوضع"، ولذا يتم التشديد على ارتداء البدلة الصفراء التي في نظره حمل زائد عليهم "مصنوعة من البلاستيك، وكاتمة للحرارة الجسم وعاملة عزل بين الجسم والسطح الخارجي، وتسبب في إرهاقي، لكني مضطر استحمل علشان تعاملي مع المصابين".
يساعد خالد زميله في التعامل مع الحالات مدركًا صعوبة الوضع الحالي "ممكن تروح لحالة مرضية مصابة بالفعل ونتعامل معه"، يرافقه في سيره أثناء الحالات الإيجابية قوة من الشرطة لتأمين وصوله إلى المستشفى، ليس خوفًا من المرضى لأنه لم يسبق أن رفض أحدهم النقل أو تعنت مع طاقم الإسعاف، لكن حتى يكون الطريق آمنًا.
ما يُحزن خالد حالياً أنه لا يستطيع احتضان أطفاله الأربعة حالياً خوفًا عليهم "لما برجع بيتي هي دي مشكلتي الأصعب.. مفيش أحضان وأتعامل بكل حذر، لأني خايف عليهم"، لكن ما يزعجه بالفعل تلك التعليقات "السخيفة" التي يسمع من بعض أصدقاءه أو في بلدته "حسيت بتغير بعض الناس بسبب عملي حالياً، وأحيانًا حد يقولي خليك مكانك كنوع من الهزار، لكنه يؤلمني".
ورغم ذلك، لا يتردد خالد أن يذهب إلى عمله قبل مواعيده "شغال ومكمل، بنخاطر بحياتنا علشان خاطر الناس، ومش مطلوب منهم يتعاونوا معانا"، ويأمل من الله أن تمر تلك المِحنة دون أن يسقط أحد زملائه مصابًا "ربنا يعدي الأزمة دي على خير".
قبل دخول عادل وخالد إلى استراحة فرع الهيئة بأكتوبر، وقفا الثنائي رافعين أيديهما في مشهد لم يعتادا عليه، ليمر عليهما مسؤول التعقيم منظفًا البدلة الواقية، ثم إلى سيارة الإسعاف "الفارغة من محتوياتها" ليعقهما من الداخل والخارج.
يقول الدكتور محمد الشربيني، مدير فرع الإسعاف في 6 أكتوبر، إنه بعد انتهاء البلاغ وتوصيل الحالة إلى المستشفى يتم تطهير المسعف والسائق والتخلص من البدل ذات الاستخدام الواحد، أو تطهيرها بالكلور المركز إن كانت قابلة لإعادة التطهير.
خصص "الشربيني" 10 سيارات مجهزة في فرع أكتوبر لنقل حالات المشتبه بإصابتها بكورونا أو الإيجابية بكورونا إلى المستشفيات، وجرى تفريغها من محتوياتها لتكون فقط وسيلة نقل آمنة ومعزولة للمريض. أما في الحالات الخطيرة التي تحتاج إلى تنفس صناعي، أوضح أنه يتم وضع أقل التجهيزات "جهاز تنفس ومونيتور وجهاز أكسجين وجهاز الصدمات"، على أن يعاد تعقيم كل هذه الأجهزة فور انتهاء البلاغ.
الفارق في عدد البلاغات اليومية التي تتلقاها هيئة الإسعاف حالياً أوضحه "الشربيني" بالإشارة إلى الضغط على خط "123" الذي كان يتلقى بين 50 إلى 60 ألف مكالمة يومياً، الفعلي منها كان بين 3 إلى 4 آلاف بلاغ والباقي بين "معاكسات وبلاغات خاطئة"، لذا جاء الخط الساخن "105" كفلتر لمثل هذه البلاغات في التعامل مع أزمة كورونا، ليتعامل إقليم القاهرة الكبرى مع ما لا يقل عن 200 بلاغ يومياً.
"غرفة للتعقيم"
من مدينة أكتوبر إلى 15 مايو، اقترح مشرف الإسعاف شريف عبدالمنعم، إنشاء غرفة لتعقيم السيارات المكلفة بنقل الحالات الإيجابية إلى مستشفى العزل، قبل أن تخرج السيارة للعمل مرة أخرى، ليتواجد لنحو 40 يومًا متصلة داخل مستشفى مايو دون أن يغادرها إلى الآن "خوفنا على زملائنا اللي في السيارة أن تنتقل لهم أي عدوى"، يساعده في ذلك 3 من زملائه.
شارك شريف في إخلاء مستشفى مايو بعد اختيارها للدخول ضمن منظومة مستشفيات العزل، نقل مرضاها إلى مستشفيات مجاورة، ليتخذ قراره بالبقاء فيها لتعقيم سيارات الإسعاف الوافدة "أول ما بدأت تشتغل كعزل للمصابين، خدنا قرار مش هنروح بيوتنا إلا لما الأزمة تنتهي"، في يقينه أن هذه الأوقات لا تقل عن أيام الحرب "يا إما نموت شهداء أو الموضوع دا ينتهي".
يعود للتأكيد أن حديثه ليس "كلام مجاملة بل من قلبي، إحنا مصريين ولازم نخاف على بعض"، معتبرا أن العدوى قد تنتشر في غفلة من أحد زملائه العاملين في مرفق الإسعاف "جبنا آلات تعقيم وبدأنا نتعامل بالنظام الصحيح، لأنه فرد واحد ممكن يعمل مشكلة كبيرة والعدوى تنتشر في الطاقم الصحي".
"نفسي أحضن ولادي بس".. هذا فقط ما يفتقده شريف منذ بداية عمله في أزمة كورونا، رافضًا أن يعود إلى منزله حماية لهم، ما يخفف من هذا "مكالمات الفيديو" التي يجريها بين الحين والآخر. اعتاد منذ عمله بالهيئة عام 1994 على مثل هذه الظروف "شغلنا كله أزمات، تعاملنا أثناء الثورة وقسما بالله كنت بشوف الموت بعيني".
فيديو قد يعجبك: