مصراوي في غرفة الدعم النفسي.. مكالمة تخفف قلق "كورونا" (معايشة)
كتب- أحمد جمعة:
تصوير- علاء أحمد:
بالتزامن مع انتشار فيروس "كورونا المستجد" وزيادة أعداد الإصابات التي تسجلها وزارة الصحة يوميًا، كان القلق يزداد بالتزامن بين المئات؛ خوفًا وتوترًا، الأمر الذي أصاب البعض بـ"نوبات هلع"، جعلت هذه الكلمة تتردد بين الكثيرين مؤخرًا، ومعها خصصت أمانة الصحة النفسية خطين ساخنين لتلقي استفسارات المواطنين والرد على مخاوفهم، وصولًا إلى تنفيذ جلسات علاج نفسي "أون لاين" لبعض الحالات.
في الدور الأرضي من الأمانة الواقعة بجوار مستشفى العباسية، كان 4 أخصائيين نفسيين يمارسون عملهم، تحت إشراف الدكتور محمد علي المسؤول عن غرفة الخط الساخن للدعم النفسي، يتلقون استشارات المواطنين، يدوّنون مخاوفهم، ويحصلون على بياناتهم إن رغبوا في ذلك لإيصالها إلى أحد الأطباء النفسيين الذي يعيد الاتصال بهم مرة أخرى في غضون ساعة واحدة.
يعمل الخط الساخن للاستشارات النفسية منذ 6 سنوات، إذ كان في بداية تأسيسه مخصصًا للرد على استفسارات المواطنين بشأن خدمات الصحة النفسية، واستقبال الشكاوى سواءً من المستشفيات النفسية أو خارجها، والعمل على حلها، فضلًا عن تواجد أحد الأطباء النفسيين للرد على اتصالات الذين يعانون من أعراض نفسية مثل الاكتئاب وتوجيهه إلى المسار الصحيح للعلاج، وفق "علي".
لكن مع تفاقم أزمة كورونا، بدأت الخدمة تقدم الدعم النفسي للجمهور، وجرى تخصيصها لتلقي الاستفسارات عبر الخطين الساخنين "0800777800 و0220816831" لتعمل على مدار الـ 24 ساعة، وتدريب العاملين، سواء الأطباء أو الأخصائين النفسيين على حد سواء، ليصل عددهم إلى قرابة 300 فرد.
من بين هؤلاء العاملين، كان أحمد السيد أخصائي اجتماعي، يتلقى مكالمات المواطنين، ويحصل على بياناتهم وتشخيص الحالة، ويدونها في استمارة خاصة، ثم يرسلها بدوره إلى أحد الأطباء وفق جدول أعده مسؤولو الغرفة، والذي بدوره يتواصل مع الشخص لاحقًا.
يعمل "السيد" نحو 8 ساعات يوميًا داخل غرفة الاستشارات النفسية، لكنه يخضع لإجراءات وقائية قبل دخوله إلى عمله اليومي "بيتم قياس درجة الحرارة في الصباح، بجانب توفير مطهرات وكمامات لنا".
يوضح أن أبرز الاستفسارات من المواطنين لها علاقة بالقلق والتوتر، وقلة النوم، والشعور بالملل والزهق في فترة الحظر، وأغلبها تأتي من السيدات، قبل أن تزداد مكالمات الرجال حاليًا "بدأوا ينافسوا في الأيام الأخيرة".
بحكم عمله على مدار الأيام الماضية، كانت أغرب الاستفسارات التي يتلقاها "السيد" عن "سؤال الفيروس يخلص امتى؟ أو الشكوى من العمل وتوقفه في بعض الأحيان"، كما كانت الاتصالات المتعلقة بمشكلات الأطفال لها جانب كبير من المكالمات "الأهالي يعرضون مشكلات يواجهها أطفالهم، مثل الزهق وعدم السيطرة عليهم وكثرة الحركة والرغبة في النزول للشارع".
ومع بداية شهر رمضان، تلقى بعض الاتصالات المتعلقة بالعادات الاجتماعية التي توقفت بسبب كورونا "بعض كبار السن عايزين تجمعات عائلية ومش حاسين بخطورة الفيروس، وأولادهم اتصلوا، مش عارفين يقنعوهم بعدم التجمع"، وفي هذه الحالة يرى "السيد" أن إقناع كبار السن يواجه بصعوبة بعض الشيئ "لازم يصبروا عليهم بقدر الإمكان".
إلى جواره، عبدالله حامد أخصائي اجتماعي، الذي يعمل منذ 10 سنوات في أمانة الصحة النفسية، يشير إلى تلقي بعض الاتصالات المزيفة، أو الذين يحتاجون إلى خدمة أخرى "بعض الناس تتصل تريد وزارة القوى العاملة للسؤال عن منحة الـ 500 جنيه، وسيدة تريد رفع القمامة من أمام منزلها"، وبالتالي كانت أمامه ورقة دوّن عليها أرقام التواصل مع الوزارات والهيئات الحكومية "وجهنا السيدة للاتصال بوزارة البيئة والحي، والبعض يستفسر عن فيروس كورونا ويتم تحويلهم إلى الخط الساخن 105".
في المتوسط، تتلقى الغرفة قرابة 40 اتصالًا يوميًا، ووصل عدد الاستفسارات حتى الآن نحو 800 منذ تفعيلها عن كورونا مطلع أبريل، بحسب الدكتور محمد علي، والذي لاحظ زيادة كبيرة في عدد الاتصالات "العدد تضاعف بشكل كبير، وهناك تزايد في عدد المكالمات التي يتلقاها الخط الساخن يومًا تلو الآخر"، لذا توسعنا في عدد مقدمي الخدمة مؤخرًا "لدينا 2800 متخصص في الدعم النفسي أبدوا رغبتهم في المشاركة، وتم تدريب 300 منهم، والعدد كافٍ لتقديم الدعم النفسي".
الدكتورة إيمان جابر مدير إدارة طب نفسي الأطفال والمراهقين، من الذين يتلقون استفسارات المواطنين وتساعدهم في تجاوز أزمة كورونا. تقول إن "معظم الشكاوي عبارة عن قلق أو صعوبة في النوم أو مخاوف زائدة متعلقة بالأزمة"، لذا كان الحل والعلاج مختلفًا بعض الشيئ إذ هيّ المرة الأولى التي نواجه أزمة من هذا النوع "نحاول نخلي الناس ترى الأمور من زاوية أخرى، ونعلمهم بعض الأساليب تساعد على الاسترخاء مثل تمارين التنفس والتأمل"، وكل هذا يتم عبر الهاتف.
لكن بعض الحالات تحتاج إلى مراحل علاجية متقدمة داخل مستشفى، لذا تنصحهم "إيمان" بالتوجه لأقرب مستشفى أو عيادة نفسية "بعض الناس حالتهم بتكون صعبة ويحتاجوا إلى أدوية، وهؤلاء يتم نصحهم بإجراء الكشف أمام طبيب مختص، عليهم والحصول على خدمة متكاملة"، وفي معظم الحالات "يكون رد فعلها إيجابي وتتحسن أحوالهم".
في نظر مدير إدارة طب نفسي الأطفال فإن "الخوف يقلل المناعة"، لأن النظام المناعي مرتبط بالحالة النفسية بشكل كبير، ومن ثمّ تنصح الأسر بالالتزام بإجراءات مكافحة العدوى و"الخوف مطلوب للتحذير، لكن الخوف الزائد غير مفيد"، مع التقليل من تعرض الأطفال للأخبار المتعلقة بكورونا، وممارسة هواياتهم وأنشطتهم، على أن يتم تنظيم يومهم وفق روتين يومي "وقت للصحيان ووقت للمذاكرة ووقت للألعاب وإيجاد أنشطة تقل التوتر".
هذا ما ذهبت إليه الدكتورة مريم شحاته، بأن أغلب المتصلين لديهم قبول للدعم النفسي، ولا يتوقف الأمر عند اتصال واحد في الحالات التي تحتاج إلى أكثر من جلسة نفسية، إذ يجري الاتصال بهم مرة أخرى لمواصلة الدعم النفسي، ويتقبلون ذلك بترحاب شديد.
ترى "مريم" أن توابع هذه الأزمة لن تمر بسهولة، بل "ستترك أثرًا خلال الفترة المقبلة، فبعض الناس لم ينتبه إليها حتى الآن، وقد تظهر عليهم أعراض نفسية مستقبلًا".
فيديو قد يعجبك: