"زي نتيجة الثانوية".. رحلة بيان كورونا اليومي من قطاعات الصحة إلى الناس
كتب - أحمد جمعة:
على نحو مختلف كثيرًا مرّ يوم الجمعة 14 فبراير الماضي على أعضاء المكتب الإعلامي لوزارة الصحة، بعدما جرى استدعاؤهم لحدث مهم. فبينما كانت مصر ترفع استعداداتها للدرجة القصوى، اكتشف فريق التقصي إصابة أول حالة على أراضيها بفيروس كورونا المستجد لشخص أجنبي.
ومن هذا اليوم حافظت وزارة الصحة على إصدار بيانها يوميا بشأن موقف إصابات ووفيات كورونا في مصر، ومعها زاد تفاعل المواطنين على منصات الوزارة على مواقع التواصل الاجتماعي، للدرجة التي أصبحت الجهات الرسمية أشد تفاعلًا.
تتولى "منى صالح"، أحد أعضاء المكتب الإعلامي، مهمة تنسيق بيان كورونا اليومي بصفة أساسية منذ بداية الأزمة. تتذكر بيان الوزارة الأول عن الشخص الأجنبي وظروف إصداره "الناس مكنتش عارفة تفاصيل كثيرة عن كورونا، والحاجة الغريبة إن الشخص حامل للفيروس والناس كانت بتسأل عن معنى ده".
وكما كان البيان صادمًا للبعض من وجود أول حالة كورونا في مصر، تسلل الشعور نفسه قبل ذلك إلى أعضاء المكتب الإعلامي "عندنا رهبة قبل ما نطلع البيان للناس، فكرنا إزاي نوصل المعلومة للناس ومتكونش خايفة".
نسّق المكتب الإعلامي مع منظمة الصحة العالمية بشأن هذا البيان، لكنه كان أصعب البيانات التي يُصدرها المكتب منذ بداية الأزمة، وأخذ الكثير من الوقت حتى ضبطت الصياغة بعد مراجعته أكثر من مرة: "كتب زميلي هشام بدوي أغلب المعلومات التي تخص الحالة، حتى يطمئن الناس ولا نسبب لهم أي ذعر"، حسبما قالت منى صالح.
اهتمام المواطنين بالبيان الأول لكورونا رصده طارق إبراهيم، مدير الإعلام الرقمي بالمكتب الإعلامي، كأكثر البيانات التي جذبت المواطنين؛ لكونه خبرا جديدا بعد أيام من نشر شائعات على مواقع التواصل بشأن حالات كورونا في مصر، وللتفاعل بطريقة فكاهية، لافتًا إلى أن أكثر من مليون شخص تفاعلوا مع هذا البيان على حساب وزارة الصحة الموثق، ما يدل على اهتمام الناس حينها.
وخلال رحلة إصدار البيان، توضح "منى" أن المكتب يكون حريصًا على التواصل مع غرفة العمليات المركزية لإدارة أزمة كورونا، ومكتب منظمة الصحة العالمية لجمع البيانات والأعداد واقتباس المعلومات عن الموقف الوبائي "نرغب طوال الوقت في إصدار البيان بشكل بسيط، حتى تكون المعلومات دقيقة ومفهومة للجميع".
وعن طريقة صياغة بيان كورونا توضح أنه "في البداية لم يكن هناك أسلوب واحد للبيان، نتابع الموقف وحسب المعلومات المتوفرة نصوغه، لكن مع منتصف مارس الماضي أصبحت الأمور أكثر استقرارا".
تضيف: "مع بداية خروج المتعافين من مستشفيات العزل وشفائهم، حرصنا على إعطاء جرعة أمل للناس في البيان، بوضع حالات الشفاء والتحول من إيجابي إلى سلبي في بدايته"، حيث من المعلوم أن الغرفة المركزية ترصد حالات الإصابة، وهناك أيضًا حالات التعافي التي تغادر مستشفيات العزل، وكذلك التي تتحول نتيجة تحليلها من إيجابي إلى سلبي.
تتابع "منى" ومن قبلها المستشار الإعلامي للوزارة د. خالد مجاهد مع الغرفة المركزية للحصول على البيانات اليومية لأعداد كورونا في مصر: "الأرقام تصب كلها في الغرفة من المستشفيات والمديريات الصحية، وكان مسؤولًا عنها لفترة كبيرة د. أحمد حماد من مكتب مساعد الوزيرة للرقابة والمتابعة، ونحصل عليها يومياً بالمتابعة معهم".
مع تصاعد وتيرة الأعداد منتصف مايو الماضي، حرصت "منى" على التواجد داخل غرفة الأزمات، تتابع ورود أعداد الإصابات والوفيات، كما تقول "تعيش الموقف حتى تستطيع نقله إلى الناس"، ومن ثمَّ لم تلتف إلى "التشكيك" في أعداد الإصابات اليومية "كنت بشوف الناس بيتعاملوا إزاي مع الحالات ومتابعة الموقف لحظة بلحظة، ولم يساورني شك في عدم دقة الأعداد".
وطوال الشهور الماضية، كان مُلاحظًا أن وزارة الصحة تجاهلت الكثير من بيانات الحالات كأماكن توزيعهم وبياناتهم الأساسية، وترد على ذلك عضو المكتب الإعلامي، بأن "المفيد للمواطن معرفة أعداد الإصابات بصورة مبسطة، دون أن يتحول البيان لشكل من أشكال الذعر".
وانتقد البعض عدم تحديد موعد ثابت يصدر فيه البيان، وتأخره إلى منتصف الليل مؤخرًا، إلا أن منى صالح، دافعت عن ذلك بقولها إن الأمر يرتبط بوقت انتهاء تجميع عدد الحالات داخل الغرفة المركزية بالوزارة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن إصداره قبل الإفطار خلال شهر رمضان كان لاستهداف الوصول إلى أكبر عدد من المواطنين.
طوّر فريق "السوشيال ميديا" من صيغة نشر البيانات على المنصات المختلفة بإرفاق "إنفوجرافيك" لسهولة العرض في الأيام الأولى لشهر مارس. يرى طارق إبراهيم أن ذلك "وضعنا نفسها موضع الجمهور الذي يريد المعلومة السهلة والسريعة، وبالتالي كانت الصورة جزءًا أساسياً مع البيان، ومن حينها تحولت لأمر مهم في حياة الناس".
حدثان ارتبطا بصورة "الجرافيك" منذ إصداره، الأول مع الوصول للحالة رقم 10 آلاف، والتي ثارت تفاعلًا وجدلًا على مواقع التواصل بشأن طريقة تعامل الوزارة يومها "هيكبروا الدائرة ولا هيصغروا الخط"، يومها رصد "إبراهيم" اهتمام قطاع من المتابعين، لكن كان فريقه يفكر بشكل مختلف "هل نغيّر الشكل كله ولا نحافظ عليه"، قبل أن تجتمع الآراء على الإبقاء عليه لأنه أصبح علامة محددة للبيان، وجرى تنسيق الخط لاستيعاب الزيادة الجديدة في الأرقام.
الحدث الثاني ارتبط بحذف دائرة من الصورة، كانت للحالات التي تحولت نتيجتها من إيجابي إلى سلبي، أواخر يونيو الماضي، بالتزامن مع توجيه منظمة الصحة العالمية بشأن إرشادات تعافي المصابين من كورونا بعد مرور 10 أيام من الإصابة وإجراء تحليل "PCR". قال "إبراهيم" إن الصورة أثارت تفاعلًا أيضًا ووصلهم استفسارات بشأنها وكانوا يتجاوبون في بعض الأحيان مع تلك الاستفسارات، وحينها أبقى كذلك الفريق على شكل "الجرافيك" مع حذف الدائرة فقط.
وبعد أيام من اعتمادها، أصبحت صورة البيان الرسمي لكورونا "علامة تجارية" للكثير من المحال، أو مجالًا لـ"الكوميكس" على مواقع التواصل، لكن ذلك لم يزعج المكتب الإعلامي "رصدنا محال تجارية تضع أسعار منتجاتها على صورة البيان، أو كوميكس على السوشيال ميديا، هذا دليل أكثر من أي شيء على اهتمام الناس بكورونا وثقتهم في الأعداد التي تعلنها الوزارة"، وفق طارق إبراهيم.
ومع إنشاء الحسابات الرسمية للوزارة بداية العام الجاري، كان لأزمة كورونا جانب مشرق داخل المكتب الإعلامي، بعدما وصلت الصفحة الرسمية للوزارة إلى قرابة 4.5 مليون متابع على فيسبوك، وقرابة مليون متابع لصفحة المتحدث الرسمي للوزارة.
يوضح "إبراهيم" أن للبيان اليومي لكورونا تأثيرا كبيرا على زيادة متابعة حسابات وزارة الصحة على مواقع التواصل "من أعلى البوستات اللي كانت بتنزل لأنه يشغل اهتمام الناس كلها"، رغم ضخ العديد من البيانات والنصائح المتعلقة بكورونا، وفي معظم الأوقات يسأل المتابعون عن البيان خاصة إن تأخر يومًا عن الموعد الطبيعي لنشره "فيه وقت معين لو نزلنا حاجة غير البيان الناس لا تهتم به وبيكون عليه تفاعل كبير بيسألوا عن البيان، كأنهم مستنيين نتيجة الثانوية العامة".
فيديو قد يعجبك: