بين دعاية للأدب السيئ وضجة مفتعلة.. القصة الكاملة لأزمة غلاف أحمد مراد بمجلة "عالم الكتاب"
كتب- مصراوي:
ارتبط اسم الكاتب أحمد مراد بالجدل في كل مرة يقترب فيها من المؤسسة الرسمية لوزارة الثقافة؛ حدث ذلك خلال الساعات الماضية عندما كشفت إدارة مجلة "عالم الكتاب" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عن تخصيص ملف صحفي كبير بأقلام عدد من النقاد والمتخصصين عن مسيرة أحمد مراد، فضلًا عن تصميم غلاف العدد الجديد من المجلة، والذي يتصدره نفس الكاتب منفردًا، بعنوان مقتضب "مراد"، وهو الأمر الذي زلزل صفحات المثقفين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بين مؤيد ومعارض لاحتفاء المجلة الحكومية بكاتب شاب محسوب على شلة "البيست سيلر" كما يصفه البعض، ووصلت الاعتراضات إلى سحب بعض النقاد المشاركين في الملف مقالاتهم.
حدث نفس الأمر عندما حاز مراد على جائزة التفوق من المجلس الأعلى للثقافة، منذ عامين، عندما اعترض البعض على تجاهل الوزارة لأسماء ثقافية كبيرة.
وبعدما قررت إدارة المجلة تخصيص هذا العدد لأحمد مراد، أوكلت تصميم الغلاف للفنانة التشكيلية منار عادل، التي عملت على تصميم غلاف العدد السابق؛ والذي حمل صورة الناقد الراحل علي الراعي، إلا أن إدارة المجلة طلبت منها ألا يكون الغلاف صورة فوتوغرافية كالسابق، وإنما رسم بورتريه لمراد، فرسمته بطريقة الرسم الرقمية الحديثة وحاولت الاحتفاظ بنفس الروح، وراعت فيه أن يكون مزيجًا بين الواقعية وروح الرسم الحديثة، حتى يدرك مَن يراه أنه رسم وليس صورة تم التقاطها وتصميمها على الغلاف.
خلال السطور التالية نستعرض تفاصيل الأزمة التي شغلت الرأي العام الثقافي خلال اليومين الماضيين، وانتهت إلى تغيير الغلاف واستبداله، حسب مصادر موثوق بها في هيئة الكتاب؛ استجابة لضغط الأدباء والمثقفين.
من جانبها، علقت الناقدة الدكتورة هويدا صالح، رافضة غلاف المجلة، بقولها: "من حق أي كاتب يمثل ظاهرة ثقافية أن يعد عنه ملف، لكن فكرة الغلاف أنا ضدها تمامًا وأظن معروف عنِّي الحيادية المفرطة في الحكم على الأمور، وأنا ضد الغلاف؛ لأن أي غلاف عتبة مهمة جدًّا من عتبات أي نص، وكونك تجعله حصرًا على مراد وتتجاهل بقية مواد العدد التي ستفوق حتمًا المقالات السبع عن شغل مراد يبقى حضرتك بتسيّد عتبة قرائية وتسحبها على كل محتوى العدد، وكونه ينفرد بالغلاف هذه إشارة ضمنية عن انحياز فريق التحرير اللي مهمته الرصد وعدم الانحياز، انحيازه أقصد للملف على حساب بقية مواد العدد".
أما الدكتور الكاتب محمد سليم شوشة، فعلق قائلًا: "الغلاف سيئ جدًّا بصراحة؛ خصوصًا بالدقن دي والألوان".
في حين قال الكاتب محمد سيد عبدالرحيم: "هذا أسوأ غلاف لمجلة شفته في حياتي.. للأسف دعاية للأدب السيئ رغم أن دوركم العكس.. لكن نقول إيه في زمن أحمد مراد؟!".
من جانبه، قال الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، في تصريحات خاصة أدلى بها إلى "مصراوي": إنني لم أطالع غلاف المجلة حتى الآن لأحكم عليه من الناحية الفنية؛ هل يرتقي مستواه الفني للنشر بمجلة عريقة مثل (عالم الكتاب) أم لا، ولكن من حيث المبدأ ليس لديّ أي مانع من تصدر أحمد مراد لغلاف المجلة.
وأضاف عصفور: أن تخصص المجلة عددًا لكاتب تصفه من البيست سيلر؛ فهو أمر لا غضاضة فيه، شريطة أن تضع المجلة اعتبارات موضوعية أرى أنها متحققة في هذا العدد؛ لأن أي كاتب يوزع مليون نسخة من روايته في بلد لا يقرأ مثل مصر؛ فهذا أمر يستحق التهنئة؛ لأنه أمر مفرح بغض النظر عن رأي النقاد في أحمد مراد.
وأكمل عصفور: إذا كانت حجة المعارضين أن المجلة تابعة للدولة؛ فعلينا أن نعلم أن كل شيء في مصر تابع للدولة، وبالتالي لا مبرر لمثل هذه الخناقة، وبغض النظر عن رأيي الشخصي في أدب أحمد مراد، فإن أي شاب يستطيع أن يجذب مليون قارئ له، يستحق التكريم؛ لأن هذه نسبة كبيرة في بلد ترتفع فيه نسبة الأمية، وبهذا أرى أن هذه الضجة المثارة حول الرواية ضجة مفتعلة.
وتحت عنوان "إرهاب مدعي الثقافة"، نشر الدكتور زين عبدالهادي رئيس تحرير المجلة وأستاذ علم المكتبات بجامعة حلوان، بيانًا أكد خلاله أن مجلة "عالم الكتاب" مجلة تتحدث عن صناعة الكتاب، وليست معنية بالأدب لا من بعيد أو من قريب، وإذا كانت قد سارت في طريق الأدب أحيانًا فهذا خطأ في استراتيجية المجلة، ولا يمكن الاستمرار فيه.
وأضاف عبدالهادي: يبدو أن صورة أحمد مراد قد أثارت حساسية البعض واعترافهم بالهزيمة أمام كاتب وزع مليون نسخة، من رواية واحدة، هذا الكاتب له وجه واحد، وإذا نجح كاتب واحد في بيع مليون نسخة، فما السر وراء الهجوم عليه سوى فشلهم الذريع.
وأكمل رئيس تحرير المجلة: أنا لا أفهم الحقيقة سر هذا الهجوم سوى أنه غيرة من النجاح، لم يصل لها كاتب مصري من قبل، ولم يدَّعي أحمد مراد يومًا أنه أعظم كاتب في التاريخ، إنه إنسان متواضع للغاية يعرف ماذا يفعل ويخطط لنجاحه جيدًا، فهل الهجوم هو هجوم على الملايين التي قرأت مراد ونوع الثقافة الذي يصدره للقراء العرب، أم الهجوم بسبب فشلهم في صناعة كاتب يحصد الجوائز ويبيع مليون نسخة ويحافظ على الثقافة المصرية، أم أنهم لا يريدون الخروج من عباءة الأفكار البالية.
وتابع عبدالهادي: أحمد مراد وريث نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، اللذين نجحا مع آخرين في عودة القارئ المصري إلى القراءة، أحمد مراد ظاهرة في صناعة الكتاب وجزء منها، أليس هذا حقيقيًّا؟ إذن ما هذا الانزعاج الشديد الذي أراه؟! إلا إذا كانوا ينظرون إلى أنفسهم في مرآة المجلة، بأنهم لم يستطيعوا بناء مساحة لما يكتبون في شارع النشر، وهو ما يجعلنا نتساءل عن الهدف من هذه الحملة التي تؤكد أن جزءاً من الثقافة في مصر ليس بخير، وأن فشل بعض المثقفين في القضايا الكبرى يحتاج إلى مراجعة نقدية، وأن بعضهم ما زال يعيش في العصر الحجري، وأن أحمد مراد مرة أخرى كسب الجولة دون أن يحرك ساكنًا.
وواصل رئيس تحرير المجلة: لا أعتقد أنه يمكن تبرئة بعض المثقفين من هذه الحملة التي تدل على طريقة تفكير بعضهم وهم ليسوا بالقلة؛ وهل أحمد مراد يوزِّع ٥ نسخ فقط من كل عمل له على أصدقائه مثل البعض؟ وهل قال أحمد مراد عن نفسه إنه أعظم روائي مثل البعض؟ وهل قال إنه مجدد الرواية.. وهل وهل وهل؟ هذا ليس دفاعًا عن مراد؛ لأنه لا يحتاج إلى مَن يدافع عنه، يا سادة فرقوا بين مجلة متخصصة في الأدب ومجلة متخصصة في صناعة الكتاب، كم مجلة لدينا في العالم العربي متخصصة في صناعة الكتاب؟ تقريبًا لا يوجد، ويبدو البعض متحفزاً للغاية لنجاح مجلة "عالم الكتاب" في أعدادها الأخيرة، إلى حد توزيعها على نطاق واسع في العالم، ومع ذلك فنحن نعمل بجدية على مؤشرات الثقافة، ووضع أحمد مراد على الغلاف لا علاقة له بأهمية أحمد مراد الأدبية من عدمها على الرغم من ترشيحه للبوكر ووصوله إلى القائمة القصيرة لها مؤخرًا؛ بل لأن أحمد مراد يلعب دورًا كبيرًا في صناعة الكتاب وصناعة الثقافة، في الاقتصاد الثقافي، وفي الفكر أيضًا، أحمد مراد ظاهرة لا يمكن تجاهلها وهو لم يظهر فجأة، أما أن يرسل أحدهم بأنه يعتذر عن عدم نشر مقاله فهذا شأنه، ومن الجيد إثارة الحركة في البركة الآسنة أحيانًا؛ ليعود الجميع إلى صوابهم.
وحاول مصراوي التواصل مع أحمد مراد، لكن هاتفه مغلق منذ أيام.
فيديو قد يعجبك: