هل موجة كورونا الثانية في أوروبا تعني ارتفاع وفيات بالفيروس؟
كتبت- رنا أسامة:
للوهلة الأولى، قد لا تبدو النظرة حول الوضع الوبائي للجائحة حول العالم قاتمة للغاية. ففي حين بلغت حالات الإصابة المُبلغ عنها مستويات قياسية في إطار ما أسمته أوروبا "موجة ثانية" من فيروس كورونا المُستجد، فإن الوفيات المُسجّلة لا تزال أقل بكثير من ذروتها في أبريل.
لكن الخبراء يحذرون من أن ثمة مزيد من المآسي المُحتمل أن يشهدها العالم جراء الفيروس بحلول الشتاء، بحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية على موقعها الإلكتروني، الخميس.
أصبحت مستشفيات القارة العجوز الآن مُجهّزة بشكل أفضل لعلاج مرضى كوفيد 19. وباتت تدابير الوقاية، بما في ذلك التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، القاعدة التي تحكم التعاملات اليومية ، فيما تزايد انتشار العدوى بالفيروس مؤخرًا بين الشباب، وهم الأقل عُرضة للوفاة جراء الإصابة بكورونا.
ومع ذلك، بدأ الطقس يُصبح أكثر برودة واقترب موسم الإنفلونزا. تنتقل العدوى إلى كبار السن، وسط دلائل على أن الناس سئموا من الالتزام بالقيود التي فرضها العالم لمواجهة الجائحة.
قال مايكل هيد، زميل أبحاث بارز بقسم الصحة العالمية في جامعة ساوثهامبتون البريطانية، للسي إن إن: "من الواضح أننا لا نملك حقًا أي طريقة لمنع تفشّي كوفيد 19، بخلاف عمليات الإغلاق أو تدابير التباعد الاجتماعي وما إلى ذلك؛ وليس لدينا لقاح مُضاد حتى الآن".
وبينما لا يتوقع هيد أن تصل الوفيات إلى المستويات ذاتها خلال الموجة الأولى، أضاف: "سنشهد تسارعًا في انتشار حالات (الإصابة بكورونا)، وسنشهد مزيدًا من الحالات التي يتم علاجها داخل المستشفيات، ومزيدًا من الأعباء ستُلقى على كاهل خدماتنا الصحية. كما سترتفع حصيلة الوفيات أيضًا بشكل كبير".
من الشباب إلى كبار السن
سجّلت القارة العجوز مستوى قياسيًا في إصابات كورونا المُبلغ عنها، بلغ 52 ألفًا و418 حالة، مقارنة بمتوسط 7 أيام يوم الثلاثاء، وفقًا لتحليل أجرته السي إن إن وفقًا لبيانات جامعة "جونز هوبكنز" الأمريكية. فيما أُبلِغ عن 556 حالة وفاة جديدة فقط، مقارنة بارتفاع 4134 حالة وفاة يومية (من 31852 حالة) خلال متوسط سبعة أيام في 10 أبريل.
الأمر الذي يُقارن بمتوسط سبعة أيام تم خلاله تسجيل 44 ألفًا و547 حالة و722 وفاة يوم الثلاثاء في أمريكا الشمالية، البالغ عدد سكانها 366 مليونًا مقارنة بـ 750 مليونًا في أوروبا.
أصبحت المستشفيات الآن أكثر قدرة على تشخيص وعلاج الفيروس، مما يعني أن معدل الوفيات بين مرضى "كوفيد 19" داخل وحدات العناية المركزة في بعض الدول الأوروبية، انخفض من حوالي 50 بالمائة خلال الربيع إلى حوالي 20 بالمائة، حسب تقديرات هيد.
فيما شهدت دول مثل بلغاريا وكرواتيا ومالطا ورومانيا وإسبانيا زيادات مستمرة في معدل الوفيات.
خلال الأسبوع الأول من سبتمبر، كانت النسبة الأكبر من الحالات الجديدة بين أشخاص تتراوح أعمارهم من 25 إلى 49 عامًا، وفقًا للمدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بأوروبا، هانز كلوج. وفي الوقت ذاته، كان هناك ارتفاع في الحالات بين الفئات الأكبر سنًا، ممن تتراوح أعمارهم بين 50 و79 عامًا.
وحذّر هيد من أن الزيادة الطفيفة في الحالات "ستُترجم في مرحلة ما إلى إصابات بين كبار السن الأكثر عُرضة للوفاة جراء كوفيد 19". وقال: "نشهد زيادة في معدلات الإصابات بين كبار السن والأكثر عُرضة للخطر مجددًا في جميع البلدان الأوروبية".
وتابع "أنه نمط يمكن التنبؤ به بسهولة في الواقع، ففي جميع أنحاء المملكة المتحدة وفرنسا أو إسبانيا، رأينا العدوى تنتقل إلى الفئات الأصغر سنًا، وبعد حوالي من 4 إلى 6 أسابيع ... بدأنا نرى إصابات بين كبار السن"، بحسب السي إن إن.
وأضاف هيد أنه كلما تم تسجيل مزيد من الحالات داخل المجتمع، كلما أُتيحت فرص أكبر ليتسلل من خلالها الفيروس إلى مؤسسات مثل دور الرعاية، لا سيّما مع "الزيادة الكبيرة في تفشي الحالات داخل دور الرعاية في المملكة المتحدة، خلال الشهر الماضي".
العبء على المستشفيات
وقال هيد إن وصول موسم الإنفلونزا يمثل أيضًا "مصدر قلق كبير" بسبب العبء المحتمل على الخدمات الصحية. وشهدت فرنسا، التي سجلت أعلى ارتفاع إصابات يومية بلغ 13 ألفًا و498 حالة يوم السبت الماضي، ارتفاعًا في عدد الأشخاص في العناية المركزة بنسبة 25 بالمائة الأسبوع الماضي.
لكن الوفيات ليست المشكلة الوحيدة. يزداد الضغط على المستشفيات أيضًا بسبب عدد المرضى الذين يعانون من تداعيات سلبية بعد أكثر من شهر على إصابتهم. قال هيد: "حتى بالنسبة للأشخاص الأصغر سنًا، ما زلنا نرى حوالي 10 إلى 20 بالمائة يعانون من عواقب طويلة الأمد تتجاوز العدوى الأولية".
وقال إن هذا من شأنه أن "يفرض مزيدًا من العبء والضغوطات على الخدمات الصحية خلال الأشهر القليلة المُقبلة، وفي الوقاع لأعوام قادمة".
قال بيتر دروباك، خبير الصحة العالمية بكلية أكسفورد للأعمال، للسي إن إن، إنه سيكون "من غير المسؤول" إذا سمحت أوروبا بعودة معدل الوفيات إلى مستويات أبريل.
وأضاف أنه بالرغم من أنه "لم نكتشف أي نوع من الأنماط الموسمية لهذا الفيروس بالتحديد" ، فإن الخطر الحقيقي يكم في أن الطقس البارد قد يجبر الناس على العودة إلى منازلهم ، حيث يكون انتقال العدوى أكثر احتمالًا.
وفي حين تملك معظم البلدان الآن قدرة أكبر على إجراء اختبارات، قال دروباك إن "الاختبارات المتزايدة لا تفسر الزيادة في الحالات؛ نظرًا لأننا نشهد أيضًا نسبة أعلى من الاختبارات التي تأتي إيجابية".
وتابع: "من الواضح أننا نفقد السيطرة على هذا الأمر".
وأضاف: "نعرف ما يكفي عن سلوك الفيروس- كيف ينتقل، وكيف نتحكم فيه، وكيف نتعامل معه عندما يصاب الناس- على نحو يُمكننا من التأكد أن الموجة الثانية ليست كبيرة بشكل مدمر، لأن هذا هو ما سيقود في نهاية المطاف إلى مزيد عدد أكبر من الضحايا، عندما تبدأ الأنظمة الصحية في الارتباك".
فيديو قد يعجبك: