القاهرة في خطر.. كيف أبرزت قيود الصحة العالمية تفاقم تلوث الهواء بمصر؟
كتب- محمد نصار:
غلاف- مايكل عادل:
وضعت منظمة الصحة العالمية قيودا أكثر صرامة وشدة فيما يتعلق بقضية تلوث الهواء ومستويات الحدود المسموح بها بالنسبة لمختلف أنواع الملوثات التي تمثل خطرا صحيا على المواطنين، وأوصت دول العالم بأهمية اتباعها.
التوجيهات الجديدة صدرت بتاريخ 22 سبتمبر الماضي بعد تعدد الأدلة العلمية على تزايد مخاطر التعرض لملوثات الهواء على مدار الـ 16 عاما الأخيرة بعد صدور آخر أدلة إرشادية لمعايير جودة الهواء من منظمة الصحة العالمية عام 2005.
7 ملايين وفاة مبكرة سنويا
أوضحت بيانات منظمة الصحة العالمية أن تلوث الهواء ينتج عنه 7 ملايين وفاة مبكرة سنويا، ما يجعل تلوث الهواء أكبر خطر بيئي على الصحة العامة بجانب تغير المناخ.
ويؤدي التعرض إلى الهواء الملوث إلى فترات طويلة إلى الإصابة بالأمراض التالية:
6 ملوثات رئيسية هي الأشد خطورة
أوصت المنظمة الدولية يحدود قصوى جديدة للتعرض إلى 6 ملوثات رئيسية تعرف بالملوثات الكلاسيكية وهي الجسيمات الدقيقة (PM) والأوزون (O₃) وثاني أكسيد النيتروجين (NO₂) وثاني أكسيد الكبريت (SO₂) وأول أكسيد الكربون (CO) باعتبارها الملوثات الأكثر خطورة على الصحة العامة والحد منها يؤثر بالتبعية على مستويات تركيزات الملوثات الضارة الأخرى.
وصرح الدكتور هانز كلوج، المدير الإقليمي للمنظمة في أوروبا بأن تقديرات المنظمة "تفيد أن ملايين الوفيات التي تحدث سنويا ناجمة عن آثار تلوث الهواء، ولاسيما الأمراض غير السارية، مشيرا إلى أهمية أن يكون الهواء النقي حقا أساسيا من حقوق الإنسان وشرطا ضروريا للمجتمعات الصحية والمنتجة.
وبحسب المنظمة تمثل التوصيات الحديثة لمعايير جودة الهواء أهمية للدول النامية مثل مصر والتي يتسارع فيها التوسع العمراني والتنمية الاقتصادية المعتمدة على الوقود الأحفوري والملوث للهواء باعتبارها أداة علمية موثوقة يمكن الاعتماد عليها مباشرة كمرجع في صياغة السياسات والتشريعات البيئية وكهدف واضح وقابل للقياس في الخطط الاستراتيجية الوطنية لتحسين جودة الهواء.
الجسيمات العالقة خطر داهم
تعتبر الجسيمات العالقة أخطر أنواع الملوثات الـ 6 التي تتحدث عنها المعايير العالمية بمختلف إصداراتها وذلك للأسباب التالية:
تركيزات الهواء في القانون المصري
يسمح قانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 ولائحته التنفيذية بمتوسط تركيز سنوي يصل إلى 70 ميكروجرام لكل متر مكعب للجسيمات الدقيقة (PM 2.5) وهو ما يعني 14 ضعف التركيز المسموح به في التوصيات الجديدة لمنظمة الصحة العالمية 2021.
كما يسمح القانون المصري أيضا بمتوسط تركيز سنوي يصل إلى 100 ميكروجرام بالنسبة للجسيمات العالقة أقل من 10 ميكروجرام (pm 10) في حين أن التوصيات الجديدة للصحة العالمية توصي بـ 15 ميكروجرام لكل متر مكعب سنويا، وهو ما يعني 6.6 ضعف الحد العالمي المسموح به.
معايير يصعب تطبيقها
قال الدكتور مصطفى مراد، رئيس قطاع نوعية البيئة بوزارة البيئة، إن التوجيهات الجديدة الصادرة من منظمة الصحة العالمية صعبة التطبيق في مصر ودول الشرق الأوسط.
وأضاف مراد، لمصراوي، أن التوجيهات والمعايير الأوروبية والأمريكية كنموذج مازالت مختلفة عن تلك التوجيهات الجديدة لمنظمة الصحة العالمية.
وأكد رئيس قطاع نوعية البيئة، على أن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مختلف بسبب طبيعة الصحراء المؤثرة على جودة الهواء.
وبشأن الفارق بين معايير المنظمة بين عامي 2005 والجديدة الصادرة عام 2021، قال إنه بالنسبة لجسيمات PM 2 فتعني تخفيض الحدود المسموح بها وتشديدها في الوقت نفسه.
وذكر مراد أن هذا الأمر في منطقة الشرق الأوسط صعب تطبيقه وذلك لأنه حتى في المناطق الصحراوية بدون أنشطة يكون الوصول لهذا الرقم أمرا يصعب تحقيقه نتيجة تأثير المحيط الصحراوي الكبير الممتد من الخليج للمحيط مع انخفاض معدلات تساقط الأمطار في المنطقة بصفة عامة بالمقارنة بالمناطق الأخرى.
مقارنة بين المعايير الجديدة والقديمة لمنظمة الصحة العالمية ومعايير قانون البيئة المصري
القاهرة الكبرى في دائرة الخطر
يعاني سكان القاهرة الكبرى من خطر أكبر نتيجة تلوث الهواء وذلك بالمقارنة مع باقي المحافظات المصرية بحسب التقرير التالي:
جرس إنذار
تعد منطقة القاهرة الكبرى والتي تشمل محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية أكثر منطقة تلوثا في مصر وذلك بحسب مؤشرات ومعلومات وزارة البيئة الصادرة في تقريرها الوطني عام 2018، حيث تجاوزت محافظات القاهرة الكبرى الحدود العالمية المسموح بها بقانون البيئة فيما يتلعق بملوثات الجسيمات الصلبة العالقة (pm 2.5) و(pm 10).
وبحسب تقرير البيئة فإن الجسيمات الصلبة العالقة ذات القطر أقل من 10 ميكروجرام، سجلت متوسطا سنويا في القاهرة الكبرى والدلتا قدره 133 ميكروجرام لكل متر مكعب، وهو أعلى من الحد المسموح به وفق التركيزات في قانون البيئة وهو 70 ميكروجرام لكل متر مكعب.
وبشأن الجسيمات العالقة ذات القطر أقل من 2.5 ميكروجرام، سجل المتوسط السنوي العام للتركيزات على مستوى القاهرة الكبرى والدلتا 71 ميكروجرام لكل متر مكعب، وهو أعلى من الحد المسموح به قانونا والمقدر بـ 50 ميكروجرام لكل متر مكعب.
الفجوة تتسع
ما يزيد من الوضع سوءا أن مصر تجاوزت حتى نسب التركيز المنصوص عليها في قانون البيئة والتي تتجاوز بدورها أضعاف الحدود المسموح بها عالميا، وهو ما يعني أنه حدود تلوث الهواء الفعلية في القاهرة الكبرى وفق تقرير وزارة البيئة عام 2018 والتي بلغت 133 ميكروجرام للجسيمات قطر أقل من 10 ميكروجرام تعادل 13.5 ضعف الحدود العالمية الجديدة، وبالنسبة لنسب تركيز ملوثات الجسيمات الدقيقة أقل من 2.5 ميكروجرام فإن النسب الواردة في تقرير وزارة البيئة عام 2018 تعادل أكثر من 14 ضعف المعايير الجديدة.
مقارنة معيارية
تباعد الحدود الجديدة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية الهوة بين وضع أرقام مصر في معدلات تلوث الجسيمات الصلبة الأقل من 10 ميكروجرام والجسيمات الصلبة أقل من 2.5 ميكروجرام.
وبحسب التوصيات والمعايير الجديدة للمنظمة فإن الفارق بين ما حققته القاهرة الكبرى والدلتا عام 2018 بالنسبة للجسيمات أقل من 10 ميكروجرام (133 ميكروجرام لكل متر مكعب حققته مصر في حين أن الحدود الجديدة تنص على 15 ميكروجرام لكل متر مكعب سنويا).
وبالنسبة للجسيمات العالقة ذات القطر أقل من 2.5 ميكرومتر وذلك يكون الفارق بين ما حققته القاهرة الكبرى والدلتا عام 2018 وبين القيود الجديدة (71 ميكروجرام لكل متر مكعب حققته مصر في حين أن الحدود الجديدة تنص على 5 ميكروجرام لكل متر مكعب).
12.6 ألف وفاة في القاهرة الكبرى بسبب تلوث الهواء
شهدت القاهرة الكبرى في عام 2017 ما يصل إلى 12.6 ألف حالة وفاة مبكرة بسبب تلوث الهواء، بالإضافة إلى نحو 3 مليارات يوم عمل ضائع بسبب الأمراض الناتجة عن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى، وعدم توفر المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة بشكل عام في مصر، بحسب ما ذكره البنك الدولي في آخر تقاريره.
37.7% من تلوث هواء مصر من السيارات يتركز في القاهرة الكبرى
تظل عوادم السيارات هي الملوث الأكبر للهواء في مصر، وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في آخر إحصاء له أن إجمالي عدد المركبات المرخصة بمحافظات الجمهورية بلغ 10.8 مليون مركبة وذلك في 31 ديسمبر 2020.
وجاءت محافظة القاهرة في المرتبة الأولى حيث بلغ عدد المركبات بها 2.4 مليون مركبة بنسبة 22% تليها محافظة الجيزة بعدد 1.2 مليون مركبة بنسبة 10.9%، بينما مثلت نسبة المركبات في القليوبية 4.8% بعدد 515 ألف مركبة من إجمالي مركبات مصر.
وتضم محافظات القاهرة الجيزة والقليوبية 37.7% من إجمالي مركبات المرخصة في مصر،أي ما يزيد عن ثلث مركبات مصر مركزة في 3 محافظات بخلاف المركبات التي تدخل هذه المحافظات من محافظات أخرى يوميا، ما يعني أن أكثر من ثلث ملوثات المركبات في مصر ترتكز في القاهرة الكبرى.
مشروع إدارة تلوث الهواء في القاهرة الكبرى
تعمل مصر بالتعاون مع البنك الدولي على تنفيذ مشروع خاص بإدارة تلوث الهواء في القاهرة الكبرى وذلك بتمويل عبارة عن قرض من البنك بقيمة 200 مليون دولار.
وأشارت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، إلى أن المشروع يتكون من 5 مكونات رئيسية يمثل المكون الأول فيها تعزيز نظام دعم القرار بشأن نوعية الهواء، والمكون الثاني لدعم تفعيل الخطط الرئيسية لإدارة المخلفات الصلبة في القاهرة الكبرى، والمكون الثالث خفض انبعاثات مركبات وسائل النقل العام، والمكون الرابع لتغيير السلوك ورفع الوعي والتواصل، والمكون الخامس إدارة المشاريع والرصد والتقييم.
وبينت وثائق البنك الدولي -حصل عليها مصراوي في وقت سابق- أن المشروع يركز على تقليص انبعاث غازات الاحتباس الحراري من المركبات وتحسين إدارة المخلفات الصلبة وتقوية منظومة اتخاذ القرارات الخاصة بجودة الهواء والمناخ.
وقالت الوثائق إنه بالرغم من أن جودة الهواء في القاهرة الكبرى شهدت تحسُّنا في الآونة الأخيرة إلا أن تلوث الهواء المحيط لا يزال أكبر مشكلات السلامة البيئية التي تواجهها المدينة، وهي مشكلة تُؤثِّر تأثيرا شديدا على معيشة السكان وعلى الاقتصاد.
وقدَّرت الدراسات الأخيرة التكلفة الاقتصادية السنوية لتلوث الهواء على الصحة في منطقة القاهرة الكبرى وحدها بنحو 1.4% من إجمالي الناتج المحلي لمصر.
وبحسب وثائق البنك الدولي بشأن المشروع فإنه يمتد لستة أعوام لدعم ومساندة جهود مصر لتقليص انبعاث ملوثات الهواء والمناخ وذلك تماشيا مع استراتيجية التنمية المستدامة للبلاد "رؤية مصر 2030".
استمرار الأزمة
سيُسهِم مشروع إدارة تغير المناخ في القاهرة الكبرى بحسب الوثائق في تحقيق هدف الحكومة المصرية الخاص بالبيئة وهو تخفيض تلوث الهواء الناجم عن الجسيمات الدقيقة العالقة بمقدار 50% (النصف) وتنفيذ برنامج قوي بجدوى اقتصادية لمعالجة آثار تغيُّر المناخ من أجل تحقيق رؤية مصر 2030 في تقليص انبعاثات الاحتباس الحراري.
وحال نجاح المشروع في تحقيق الهدف المرجو منه ستتوافق حدود ملوثات الهواء في القاهرة الكبرى مع المعدلات الموجودة في قانون البيئة المصري، لكنها ستظل بعيدة عن المعايير الجديدة التي أقرتها منظمة الصحة العالمية وأوصت باتباعها لحماية أرواح المواطنين.
فيديو قد يعجبك: