محدش بعيد عننا.. الخط الأحمر يمتد لسد النهضة: كيف تصاعد خطاب السيسي خلال الأزمة؟
كتب- أحمد شعبان:
مشهد (1)
قصر الاتحادية – القاهرة
10 يونيو 2018
آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا في أول زيارة له إلى القاهرة بعد توليه منصبه. مباحثات هي الأولى من نوعها بينه وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي، تصدرتها أزمة "سد النهضة". وقف الرئيسان في مؤتمر صحفي عُقد بعد انتهاء مباحثاتهما. كانت الأجواء ودية، تشي بتوافق في الرؤى، الصداقة تغلّف أحاديث الزعيمين، فيما كانت روح الفكاهة حاضرة كذلك.
أنهى "آبي أحمد" كلمته، صفّق له السيسي والحاضرون، قبل أن يستحلفه السيسي بالله بعدم إلحاق الضرر بحصة مصر من مياه النيل "والله والله، لن تقوم بأي ضرر للمياه في مصر"، قال السيسي فيما ردد وراءه آبي أحمد بسعادة، فصفق الرئيس المصري ببهجة ومعه الحاضرون.
مشهد (2)
الإسماعيلية
مؤتمر صحفي على ضفاف قناة السويس
30 مارس 2021
زار الرئيس عبد الفتاح السيسي قناة السويس، بعد انتهاء أزمة سفينة "إيفر جيفن" التي جنحت في المجرى الملاحي الأهم في العالم، ألقى كلمة، تحدث خلالها على أزمة سد النهضة، قائلاً إن "معركتنا هي معركة تفاوض والأسابيع القادمة ستشهد تحركات في هذا الاتجاه، والأمور تحكمها القوانين الدولية ذات الصلة بالمياه العابرة للحدود"، قبل أن يُطلق تحذيراً بلهجة حادة.
قال الرئيس بحزم: "مش بنهدد حد، محدش هيقدر ياخد مننا نقطة مية واحدة، واللي عايز يجرب يجرب، وعمرنا ما هددنا، ودايما حوارنا رشيد جداً، وإلا هيكون فيه حالة من عدم استقرار المنطقة لا يتصورها أحد، محدش بعيد عننا، المساس بمياهنا خط أحمر".
ما قبل "الخط الأحمر"
منذ صعوده إلى سدة الحكم في يونيو 2014، تعددت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أزمة سد النهضة الإثيوبي، إلا أنها كانت تدور حول التأكيد على أن المياه لمصر هي "مسألة حياة أو موت"، مع تفهّم لموقف إثيوبيا الباحثة إلى التنمية، والتأكيد على مواصلة التفاوض، فقال في حفل تنصيبه قبل نحو 7 سنوات: "لن أسمح لموضوع سد النهضة بأن يكون سبباً لخلق أزمة أو مشكلة، أو أن يكون عائقاً أمام تطوير العلاقات المصرية، سواء مع إفريقيا أو مع إثيوبيا الشقيقة (..)"، متابعاً: "إن كان السد يمثل حقها في التنمية، فالنيل يمثل لنا حقنا في الحياة".
كانت المفاوضات حول سد النهضة، تجمدت لأشهر طويلة، قبل أن يتفق الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ديسالين، في يونيو 2014، على الاستئناف الفوري لعمل اللجنة الثلاثية حول سد النهضة بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، والالتزام بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة على استخدامات مصر من المياه.
في سبتمبر 2014، عقد الاجتماع الأول للجنة ثلاثية تضم مصر وإثيوبيا والسودان، للتباحث حول صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية، والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات.
غير أنه في مارس 2015، اتخذت المفاوضات منحى جديداً، مع توقيع الدول الثلاث وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة". عقدت جولات عديدة من المفاوضات، التي تمحورت حول فترة ملء وكيفية تشغيل سد النهضة الذي أقامته إثيوبيا على نهر النيل. في خضم ذلك كان القلق والتساؤلات يتزايدان حول الأزمة وإلى أين تمضي.
وفي ديسمبر 2015، قال الرئيس السيسي في ختام كلمته بمناسبة تدشين المرحلة الأولى من مشروع المليون ونصف المليون فدان عن مفاوضات السد: "اطمئنوا، الأمور تسير بشكل جيد، وبشكل مطمئن، وأنا مضيعتكمش قبل كده علشان أضيعكم في ملف سد النهضة".
فيما عرج خلال كلمته في جلسة نقاشية بالمؤتمر الوطني للشباب، في يناير 2017، على الحديث عن قلق المصريين تجاه السد الإثيوبي، ووصفه بأنه "قلق مشروع للغاية، لأن الأمر ده حياتنا، ومحدش يقدر يستهين بقلقنا، والموضوع ماشي بشكل جيد في إطار اتفاقية وقعت مع إثيوبيا منذ 3 سنوات"، وأردف أن "المياه بالنسبة لنا حياة أو موت، ولن نسمح بأي قلة لحصة مصر في مياه النيل. لا أحد يستطيع العبث بحصة مصر في مياه النيل، لأنها مسألة حياة أو موت"، قال السيسي مشدداً.
لكن استمرت المفاوضات دون تحقيق تقدم ملموس يُرضي مصر ويزيل قلقها. وفشل الاجتماع الـ17 للجنة الفنية الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، فجاءت تصريحات الرئيس المصري بافتتاح بركة "غليون" للاستزراع السمكي بمحافظة كفر الشيخ، في 18 نوفمبر 2017، حول أزمة السد قائلاً: "مش لسه بتتكلموا على سد النهضة، ولسه بتقولوا يا ترى المية هتبقى أخبارها إيه؟ لأ، موضوع مية مصر دا موضوع مفيش فيه كلام، وأنا بطمنكم، مش تطمينكم كلام، محدش يقدر يمسّ مية مصر".
وبعد التعثّر في المسار الفنّي، باتت مصر قلقة على إمكانية التوصل لاتفاق يحفظ حقوقها، فاقترحت على إثيوبيا، في ديسمبر 2017، مشاركة البنك الدولي في أعمال اللجنة الثلاثية، غير أن الاقتراح قوبل برفض إثيوبي.
"كونوا مطمئنين.. مفيش أزمة"
العاصمة الإثيوبية أديس أبابا
29 يناير 2018
خرج قادة الدول الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، بعد انعقاد قمة ثلاثية، وتشابكت أياديهم في مشهد بدا فيه أن ثمة تفاهم ورؤى مشتركة غلّفت الأجواء، حتى أن الرئيس السيسي قال في تصريح مقتضب بعد القمة الثلاثية: "كونوا مطمئنين تماماً، في إثيوبيا وفي السودان وفي مصر كونوا مطمئنين تماماً، فيه قادة مسؤولين والتقينا واتكلمنا واتفقنا، مفيش ضرر إن شاء الله على حد (..)، نحن نتكلم كدولة واحدة مش 3 دول، صوت واحد"، فيما وجه إليه أحد الصحفيين سؤالاً "انتهت الأزمة يا فندم؟"، فجاء رد السيسي: "مفيش أزمة مفيش أزمة".
الدول الثلاثة اتفقت خلال القمة الثلاثية على حل القضايا الفنية لسد النهضة خلال شهر واحد، حسب تصريح لوزير الخارجية سامح شكري. لكن مرت الأيام ولم تُحل الأزمة. مضت إثيوبيا في طريقها، طابعها في المفاوضات هو التعنّت واستهلاك الوقت، رفض للوساطات، فشل للمفاوضات التي ظلّت تراوح مكانها، لنحو 10 سنوات دون تحقيق تقدم ملموس، يُرضي مصر ويزيل قلقها، الذي تصاعد مع قيام إثيوبيا بملء أول لخزان السد دون التوصل لاتفاق مُلزم، تبحث عنه مصر – ومعها السودان- ويحقق هدفها المنشود عبر التوصل إلى اتفاق ملزم يضع آلية واضحة لحل المنازعات وإدارة السد في المستقبل.
تحول نوعي
بعد إعلان إثيوبيا عزمها المضي في الملء الثاني لخزان السد، ثم فشل مفاوضات "الفرصة الأخيرة" التي استضافتها عاصمة الكونغو الديمقراطية قبل أيام؛ ثمة تحول نوعي طرأ على لهجة الرئيس السيسي، الذي حذّر إثيوبيا مرتين في نحو أسبوع، بلهجة حادة. أولها كان في 30 مارس 2021، في كلمته بعد انتهاء أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس، وتحدث خلالها عن أن "المساس بمياهنا خط أحمر".
فيما كانت الثانية، يوم 7 أبريل الجاري، حين قال الرئيس: "نتحرك أكثر وأشقائنا في الدول العربية والأفريقية بيشوفوا الكلام ده دلوقتي، مصر لن تقبل أن تمس نقطة مياه واحدة، لأن الخيارات كلها مفتوحة، وتعاوننا أفضل كتير من إننا نختلف"، تابع: "في الآخر اللي نزل المياه هناك ربنا واللي خلاها تيجي مصر ربنا، في مسار ربنا محدده، واللي عمله ربنا مش هيغيره البشر".
فيديو قد يعجبك: