المفتي: حديث السفينة يؤكد مدى حرص الإسلام على المسئولية الجماعية
(أ ش أ):
قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن التغيُّر المناخي الحاصل في كوكب الأرض على النحو الحالي فساد طارئ على أصل الخلقة والفطرة التي خلق الله الأرض عليها، وتغيير لخلق الله تعالى بنحو غير مسبوق. وإذا كان الحفاظ على الأرض من الفساد واجبًا، وإذا كان هذا التغيير المفسد للأرض مسلكًا شيطانيًّا، فإن مواجهة هذا الفساد مواجهة صارمة حق وواجب في الوقت ذاته.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن الحق المشترك بين الناس في الاستمتاع والانتفاع بعطاء الله ورزقه الذي لم يجعل أحدًا كفيلًا على آخر في الوصول إليه، من ثم واجب الرعاية والمحافظة على الكون والوجود؛ لأن هذا هو مقتضى الخلافة والأمانة التي تحمَّلها الإنسان.
ولفت فضيلة المفتي النظر إلى أن الاستخلاف في الأرض مسئولية وأمانة تقتضي المشاركة والتعاون، وأن هذه المسئولية تستدعي بالتبعية أن يحافظ الإنسان على الكون، وأن يتعامل مع المشكلات الناجمة عن سوء تعامله معه باهتمام بالغ؛ رعايةً لإصلاح عمران الأرض الذي هو مقتضى الاستخلاف والذي هو مراد الحق سبحانه وتعالى من خلق الإنسان وجعله خليفته في الأرض بالعلم الصحيح والعقيدة الرشيدة كما يظهر ذلك من حكاية القرآن للحوار بين الله تعالى وبين ملائكته في قصة خلق آدم.
وشدد فضيلته على أن الإسلام ينظر إلى التحديات البيئية كمؤشر لأزمة معنوية وأخلاقية، فيقدم الخطاب الإسلامي شعورًا بالأمل والتفاؤل بشأن إمكانية تحقيق الانسجام بين الإنسان والطبيعة، وستتوازن الأمور على الأرض إذا أعاد البشر التفكير في أساليب حياتهم وعقولهم.
وأوضح مفتي الجمهورية أن السبيل الوحيد في تقويض خطر التغيُّر المناخي والحد من انتشاره هو الالتفاف العالمي حول ذلك الهدف المشترك، وتعزيز سبل التعاون المشترك في هذا الصدد.
وأضاف: وهناك معانٍ وعبر كثيرة في الشرع الشريف تؤكد مدى حرص الإسلام على المسئولية الجماعية، ودعوته إلى العمل الإيجابي ورفضه لأي عمل سلبي، منها ما جاء عن النُّعمان بن بشيرٍ -رضي الله عنهما- عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ الله والواقِعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء، مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا في نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا)). فهذا الحديث -حديث السفينة- قد جمع بين ثناياه أهم معاني المسئولية المشتركة التي ينبغي أن نكون عليها، تلك المسئولية التي تحرص على المصلحة العامة أشد الحرص لكنها في نفس الوقت لا تغفل قيمة المصلحة الخاصة، تلك المسئولية التي تنظم العلاقة بين البشر على اختلاف درجاتهم بميزان العدل الذي لا يحيف على حق أحد، كما ظهر من خلال الحديث التفريق بين المصالح الشخصية والمصالح العامة وكيفية تغليب العام على الخاص؛ درأً للفتن وحفظًا للحقوق وصيانةً للأمة وحفظها من ورود المهالك.
فيديو قد يعجبك: