لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

شيخ الأزهر: "التعدُّد" ليس بأقل جُرمًا من الظلم في أمر اليتيمات

07:19 م السبت 08 أبريل 2023

الدكتور أحمد الطيب

كتب- محمود مصطفى أبوطالب:

قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس الحكماء، استكمالًا لحديثه عن مشكلة"فوضى الزواج والطلاق"، إن أول ما يجب التنبيه إليه هو أن الجزء المتعلق بقضية التعدد في هذه الآية وهو: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".

وأضاف الطيب أنها ليس آية مستقلة، يمكن للمسلم أن يفهم منها إباحة "التعدد" دون قيد أو شرط، كما فهمت الغالبية العظمى ممن يقدمون على هذا النوع من الزواج، ويوردون هذه الآية مورد الحجة التي تحسم النزاع، وكأنها توفر لهم كل المبررات الشرعية والخلقية للزواج بأخرى أو أخريات.. نعم؛ قوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" ليس آية مستقلة تفيد الأمر أو النهي ابتداء مثل الآيات الأخرى، الدالة على الأمر بالشيء استقلالًا ودون ارتباط بأمر آخر كقوله: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام"، "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة".. إلخ العشرات من الآيات التي تعد من قبيل النص القاطع في الدلالة على الأمر أو النهي أو الإباحة.

وأوضح شيخ الأزهر، خلال الحلقة السابعة عشرة ببرنامجه "الإمام الطيب"، أن قليلًا من التأمل يدلنا على أن الآية ليست من الآيات التي قصد منها إباحة «التعدد» أولاً وبالذات، والدليل على ذلك أن هذه الآية تسبقها مباشرة آية تحذر أولياء اليتامى من أكل أموالهم؛ سواء أكانوا يتامى أم يتيمات، وتبين أن أكل أموالهم هو نوع من استبدال الخبيث بالطيب، وأن ضم مال اليتيم إلى مال أوليائه ليأكلوا منه ظلم كبير: "وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيرا"، ثم تأتي بعدها مباشرة آية التعدد لتنضم إلى آية اليتامى، ولتدرج في السياق ذاته: سياق تحصين أموال اليتامى والتحذير من ظلمهم، وإن كانت هذه المرة تتعلق بظلم خاص من جنس مظالم اليتيم وأكل أمواله بالباطل، وهو ظلم الأوصياء على اليتيمات اللاتي يتولون أمورهن وشؤون أموالهن، ومن هؤلاء الأوصياء من كان يدفعه جمال اليتيمة للزواج منها ليأكل أموالها، دون أن يدفع لها مهرها، بحجة أنه وليها، ومعنى ذلك أن هذه الآية تبدأ بالنهي عن ظلم اليتيمات: "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"؛ أي: (إن خفتم ألا تعدلوا في زواج اليتيمات).

وأضاف فضيلته أن الآية استكملت مسيرتها لتصل إلى النهي عن تعدد الزوجات إذا لم يكن الزوج متيقنًا من تطبيق شرط العدل التام بينهن، وأن رخصة "التعدد" هي عدول عن الأصل للفرار من ظلم اليتيم، ويتضح لنا مما سبق؛ أولًا: السياق العام للآيتين معًا هو سياق حماية الضعيف، والتحذير من ظلمه والاعتداء عليه، سواء جاء الظلم في مورد أكل أموال اليتامى، أو في مورد ظلم الزوجة في حالة التعدد. ثانيًا: آية التعدد يبدأ صدرها بقضية "شرطية" ذات طرفَين: الطرف الأول: الخوف من عدم العدل في زواج اليتيمات، (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى)، والطرف الثاني: الزواج من غيرهن، ولو بالتعدد، كحل يتفادى به ولي اليتيمة ما ينتظره من عذاب أليم، "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"؛ لينتهي أيضًا بقضية شرطية ذات طرفين: الأول: الخوف من عدم العدل والتسوية بين الزوجات مطلقًا، الثاني: حرمة التعدد إن خاف الزوج عدم العدل والتسوية إن تزوج بثانية، والمعنى العام للآيتين: إن خفتم الوقوع في الظلم وعدم العدل بزواج اليتيمات فيحرم عليكم الزواج منهن، ولكم في غيرهن متسع ومندوحة: زوجة أو اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، فإن خفتم الوقوع في الظلم وفي عدم العدل بينهن فلا يحل لكم -والحالة هذه- إلا زوجة واحدة.

ولفت فضيلته إلى أنه قد نقل قدماء المفسرين في تفسير هذه الآية قول ابن عباس وابن جبير: "المعنى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى؛ فكذلك خافوا في النساء؛ لأنهم (في الجاهلية) كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء"، مضيفًا أن التعبير بالخوف من عدم العدل في اليتيمات والتسوية بين الزوجتين يدل على أن الظلم في أمر "التعدد" ليس بأقل جرمًا من الظلم في أمر اليتيمات وأن مجرد "الخوف" من الظلم يكفي في حرمة هذا الزواج، وليس بلازم أن يصل الزوج إلى درجة اليقين في التقيد بـ"العدل" والقدرة على منع الظلم، بل يكفي مجرد "التخوف" من حدوث ذلك ليصبح التعدد أو التزوج بثانية من الظلم الذي هو أكبر الكبائر، وصحيح أن كتب التفسير تنقل اختلاف العلماء في تفسير قوله تعالى: "خفتم"؛ هل هو بمعنى: أيقنتم، أو بمعنى: ظننتم، إلا أن الغالب من العلماء يحملها على المعنى الثاني الذي هو مجرد الظن.

واختتم الإمام الأكبر حديثه بتوضيح مفهوم العدل في الآية الكريمة، وأنه ليس المقصود به التسوية بين الزوجتَين في النفقة والكسوة والمسكن فحسب، بل في البشاشة وحسن العشرة واللطف في القول، وكل ما يدخل تحت قدرته دون ميل القلب، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، وقد نقل القرطبي عن "الضحاك" أنه قال في تفسير هذه الآية: "فإن خفتم ألا تعدلوا" (في الميل والمحبة والجماع والعشرة والقسم بين الزوجات "فواحدة"، فمنع "الله" من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في القسم وحسن العشرة، وذلك دليل على وجوب ذلك).

يذاع برنامج "الإمام الطيب" يوميًّا على القناة الأولى والفضائية المصرية وبعض القنوات العربية والأجنبية، بالإضافة إلى الصفحة الرسمية لفضيلة الإمام.​

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان