مجدي الجلاد يكشف أسباب فشل الإعلام المصري
كتب- محمد شاكر:
أجرى الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، رئيس تحرير مؤسسة "أونا للصحافة والإعلام"، حوارا صحفيا مطولا مع الكاتب عصام الشريف رئيس تحرير موقع "الحرية"، تناول خلاله العديد من القضايا الساخنة التي تشغل الساحة الإعلامية والسياسية في مصر.
وخلال اللقاء، تحدث "الجلاد"، حول مستقبل الإعلام المصري، ودور الصحافة في تشكيل الرأي العام في ظل الانفتاح على منصات التواصل الاجتماعي.
وشدد الجلاد على أنه مهما حاول أي صاحب سلطة أن يضيق عليه للخروج من مصر فإنه لن يخرج، قائلا: لن أعطي أحدًا الحق أن ينزع وطني من داخلي، أنا لي متر في البلد، لي ربع متر، شوية أكسجين، هتنفسهم لحد ما أموت".
وقال الجلاد: سئلت قبل ذلك عن ردة فعلي إن منعت من العمل وأجبرت على الجلوس في منزلي؟ فأجبت أنني لن أفعل شيئًا سأجلس في منزلي، لا مشكلة، وبالفعل جلست لفترة قبل ذلك في المنزل، كل ما أريده أن يسمحوا لي بأن أعمل في الصحافة، لأنني أحب الصحافة. وأما إن كان المقصود من السؤال هو معرفة إن كنت سأسافر إلى الخارج أم لا فهذا ليس من طبيعيتي، أنا أعاني من شيء اسمه « الحنين إلى الوطن homesickness» أي أنني إذا سافرت لمدة يومين أو ثلاثة أصاب بضيق تنفس ولا أرتاح إلى بعد العودة إلى الوطن.
وتابع: إن كانوا يريدون إجباري على الجلوس في المنزل أو سجني، أو حتى قتلي، فأنا ليس لدي مشكلة، ففي النهاية ليس لدي خيارات أخرى بعيدًا عن هذا الوطن.
مجدي الجلاد: المصري اليوم صنع اسمي
كما تحدث الجلاد حول بداية تجربته في الصحافة والإعلام، قائلا: أعتقد أن بداية حياتي الصحفية كانت غنية بالخبرات، إذ عملت في مدارس صحفية متنوعة، لكن التجربة التي يمكنني القول إنها صنعت اسم مجدي الجلاد هي تجربة "المصري اليوم" عام 2004. وقبلها عملت في مؤسسة الأهرام، وما زلت أفتخر بانتمائي لهذا الصرح العريق.
وأضاف الجلاد: إطلاق "المصري اليوم" كان بمثابة نقطة تحول في مسيرتي المهنية، فهي أول جريدة يومية مستقلة تصدر في مصر، وواجهت تحديًا كبيرًا بالمنافسة مع الصحف القومية الكبرى مثل الأهرام والأخبار والجمهورية، إضافة إلى الوفد.
وتابع: كثيرون قالوا حينها إن إصدار جريدة يومية مستقلة دون دعم حكومي أو حزبي هو نوع من المغامرة أو الجنون، وهذا التحدي المهني الكبير جاء في مرحلة الشباب بالنسبة لي، حيث كنت رئيسًا لتحرير "المصري اليوم" لمدة تسع سنوات، وخلال تلك الفترة، تمكنا من التمرد على القوالب الصحفية التقليدية وقدمنا نموذجًا مختلفًا للصحافة. كانت مرحلة مليئة بالشغف، وشعارها الذي كان “من حقك أن تعرف” يعكس طبيعة التجربة وروحها المتمردة.
مجدي الجلاد يكشف عن حلمه في مؤسسة أونا
وحول حلم "الجلاد" في مؤسسة "أونا"، قال: أحلم بإعادة الصحافة المطبوعة إلى ألقها ونجاحها، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الصحافة الورقية في مصر حاليًا.
وواصل: أسعى لتحقيق تجربة تزاوج بين الصحافة الورقية المطبوعة والصحافة الرقمية، بهدف المساهمة مع الزملاء في إعادة الصحافة الورقية إلى مكانتها الحقيقية.
وأوضح الجلاد: أتطلع إلى تأسيس نموذج لمؤسسة تعتمد على التكامل بين المنصتين الإلكترونية والمطبوعة، حيث تستفيد كل منهما من الأخرى لتحقيق انتشار وتأثير أكبر.
وأكمل: هذا النوع من التزاوج لم يتحقق في مصر حتى الآن، للأسف، هناك مؤسسات صحفية كبيرة تمتلك صحفًا مطبوعة، لكنها تفتقر إلى القدرة على تنفيذ هذه الصيغة. النتيجة هي أنها لم تنجح في الحفاظ على الصحافة الورقية، ولم تحقق أيضًا التحول الرقمي المطلوب.
وبشأن قراءته للمشهد الصحفي والإعلامي في الوقت الحالي، قال "الجلاد": بصراحة، يمكن القول إن الإعلام المصري بصفة عامة—سواء كان مقروءًا أو مسموعًا أو مرئيًا—شهد ارتكاب خطايا بحقه وليس مجرد أخطاء، فالقضاء على التنوع في الآراء ووجهات النظر، وعلى تداول المعلومات الحقيقية والتواصل الفعّال مع الجمهور، يعني القضاء على جوهر الإعلام.
واستطرد: الإعلام الحقيقي يجب أن يكون وعاءً للحوار الوطني وداعمًا للوعي العام، ينشر الحقيقة دون فرض وصاية على المتلقي. وللأسف، ما يحدث في مصر بعيد عن ذلك.
مجدي الجلاد: 3 عوامل رئيسية ساهمت في فشل الإعلام
وأكمل الجلاد: هناك ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في فشل الإعلام المصري: أولها هو هيكل الملكية، الذي أصبح غير واضح، ولم نعد نعرف من يملك وسائل الإعلام وكيف تُدار، والأسوأ أن نسبة كبيرة من وسائل الإعلام، تقدر بـ80% أو 85%، أصبحت مملوكة لكيان واحد، مما أدى إلى المشكلة الثانية، وهي: تحول الإعلام إلى صوت واحد، وهذا التوجه تسبب في عزوف الجمهور عن الإعلام المصري واللجوء إلى مصادر أخرى، بعضها معادٍ للدولة، أما المشكلة الثالثة فتكمن في الاختيار غير المهني للقيادات الإعلامية، حيث أصبحت الموالاة الشخصية هي المعيار الأساسي، بدلاً من الخبرة والكفاءة. وهذا التوجه أدى إلى تراجع الكفاءات، وتحولت المنابر الإعلامية إلى أبواق توجيه عفى عليها الزمن.
وواصل الجلاد: اليوم، منصات التواصل الاجتماعي أصبحت البديل الذي يقدم المعلومة الصحيحة ووجهات النظر المتنوعة بحرية أكبر مما تفعله الصحافة التقليدية.
وتابع: من يتحكم في سياسة الإعلام المصري يبدو منفصلًا عن الواقع وخارج التاريخ، حيث لم يعد ممكنًا منع المعلومة أو تقييدها. والجمهور ببساطة يترك الإعلام التقليدي ويتجه إلى وسائل التواصل، وهذا ما يحدث الآن.
وأضاف: أرى أن غياب التخطيط المهني والاحترافية، بالإضافة إلى التضييق غير المبرر، جعل الإعلام المصري يفقد تأثيره، ومع ذلك، هناك أمل في الأجيال الجديدة، التي تتمتع بحيوية أكبر وتمرد إيجابي يمكن أن يعيد الإعلام إلى مساره الصحيح.
وحول الرسالة التي يرغب "الجلاد" أن يقولها لرئيس الجمهورية، قال الجلاد: رسالتي لرئيس الجمهورية أن المواطن المصري، مثلك تمامًا، غير راضٍ عن حال الإعلام المصري اليوم، والمواطن لم يعد يجد في الإعلام صوته الحقيقي.
وأضاف: الصحفي، المذيع، وكل عامل في وسائل الإعلام يحلم فقط بأن يتمكن من التعبير عن رأيه بحرية وأمان. يجب الإيمان بأن اتساع مساحة الحرية يثري الوطن ويعزز قوته.
وتابع: من ينتقد أو يتحفظ أو يقدم وجهة نظر مختلفة عن أداء الحكومة أو قراراتها ينطلق من حرصه على مصلحة الوطن، وليس من منطلق عداء للدولة، والاختلاف في وجهات النظر ضرورة وطنية، إذ يصب في النهاية لصالح البلد.
وأكمل الجلاد: أدرك أن السنوات العشر الماضية كانت فترة صعبة تطلبت من الدولة التركيز على استعادة قوتها واستقرارها، لذا قد يكون التحكم في الإعلام مبررًا آنذاك، لكننا الآن، وبعد تجاوز تلك المرحلة، نستحق إعلامًا أكثر قوة وتأثيرًا يعكس صوت الشعب وتنوعه.
وواصل: الصحفي اليوم بحاجة إلى الأمان في عمله، وهذا الأمان لا يمكن تحقيقه إلا عبر قرارات تأتي من أعلى المستويات، من خلال فتح مساحات حرية أكبر في الإعلام المصري، وإتاحة الفرصة لجميع وجهات النظر.
مجدي الجلاد هناك رموز ممنوعة من دخول مدينة الإنتاج الإعلامي
واستطرد: للأسف، هناك رموز ممنوعة من دخول مدينة الإنتاج الإعلامي، وقائمة كاملة تضم أسماءً تُحظر استضافتها أو ظهورها في البرامج التليفزيونية، فهل يعني ذلك أن هؤلاء أعداء للوطن أو خطر على الدولة؟ هذا النهج لا يعكس قوة الإعلام، بل يعزله عن المجتمع.
وختم بقوله: الإعلام بكل أشكاله من المستحيل أن ينجح في خدمة بلده بدون أن يكون مؤثر، فإعلامنا غير مؤثر لأن لا أحد يصدقه، ولا أحد يجد نفسه وقضاياه به، فالمتلقي ليس بحاجة إلى وصاية، وإنما هو بحاجة إلى طرح القضية وعمل حوار ديموقراطي إيجابي حولها، ما يجعل المتلقي يجد وجهة النظر التي يريدها.
فيديو قد يعجبك: