لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الجمعية التأسيسية بين مطرقة القانون وسندان السياسة

الجمعية التأسيسية بين مطرقة القانون وسندان السياسة

02:39 ص الأحد 04 نوفمبر 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كتب - حسن نافعة

من المتوقع أن تبدأ الجمعية التأسيسية اليوم، الأحد 4 نوفمبر، مناقشة مسودة الدستور، تمهيداً لإقرار نصه النهائى الذى سيطرح لاستفتاء عام. وتلك هى المرة الأولى التى تناقش فيها الجمعية التأسيسية، بكامل هيئتها، مسودة كاملة للدستور تمهيداً لإقرارها مادة مادة، حيث ظل جهدها الأساسى مركزا حتى الآن على العمل من داخل اللجان النوعية التى اختص كل منها بمناقشة أحد فصول أو أبواب الدستور. وتدل مؤشرات عديدة على أن معظم النصوص التى تضمنتها المسودة المطروحة للنقاش ستحظى بقبول عام ولن تكون هناك مشكلة فى إقرارها بالإجماع. ومع ذلك لايزال العديد من النصوص موضع خلاف، سيتعين على الجمعية حسمه بالاختيار بين أحد بديلين: اللجوء للتصويت، أو استمرار الجهود الرامية للتوصل إلى توافق عام، سواء باستخدام نفس الآليات القديمة أو باستحداث آليات جديدة.
 
إذا استقر الرأى على خيار التصويت كأداة لحسم الخلافات المتبقية، فسنكون إزاء دستور غير توافقى يعكس رأى الأغلبية السياسية والفكرية الحالية، وتحيط بشرعيته القانونية والسياسية شكوك جادة. فهناك، من ناحية، دعاوى عديدة لاتزال مرفوعة أمام القضاء لإبطال تشكيل الجهة التى أصدرت هذا الدستور، والتى كان قد شكلها برلمان تم حل أحد مجلسيه. وهناك، من ناحية أخرى، احتمال انسحاب ممثلى قوى التيارات المدنية من الجمعية التأسيسية، مما يجعل من الدستور المستفتى عليه أقرب ما يكون إلى دستور يخص تيار الإسلام السياسى منه إلى دستور يعبر عن مصر بمختلف ألوانها.
 
أما إذا استقر الرأى على اعتماد خيار التوافق الوطنى، الأكثر حكمة ورشداً، فستواجَه الجمعية التأسيسية فى هذه الحالة بمعضلة تتعلق بالمهلة الزمنية المتاحة للانتهاء من صياغة الدستور. ولأنه يتعين عليها إقرار مشروع الدستور فى موعد أقصاه 12 ديسمبر المقبل، فربما يؤدى ضغط عامل الوقت إلى التعجل فى إصدار دستور غير مكتمل النضج وبه ثغرات كثيرة، بصرف النظر عن الوسيلة المعتمدة لإقرار نصوصه.
 
فى سياق كهذا من الواضح أن الجمعية التأسيسية تبدو الآن محشورة بين مطرقة القانون وسندان السياسة. ولأن تشكيلها افتقر إلى خبرات إدارية وقانونية وسياسية كان وجودها ضرورياً لإخراج منتج أفضل فى وقت أقل، فقد عجزت الجمعية التأسيسية على مدى الأشهر الخمسة الماضية عن إنتاج مسودة تحظى بتوافق عام وجاهزة للطرح فى استفتاء عام خلال الفترة القانونية المحددة. غير أن هناك ما هو أخطر، وهو عدم وضوح القواعد الإجرائية أو الالتزام بها عند مناقشة وإقرار النصوص مما يضفى على إدارة الجمعية التأسيسية جواً من الغموض وعدم الفهم. فقد ظهرت مسودة أولى فى 14/10 قبل أن تظهر عدة مسودات تالية، دون أن يعرف أحد كيف ولماذا، ربما كان آخرها مسودة يوم 24/10. ولأن العمل داخل اللجان النوعية كان قد اتسم بقدر كبير من الارتباك والفوضى وعدم وضوح القواعد الإجرائية أو عدم الالتزام بها فى حالة وجودها، فيبدو أن القرار النهائى فى كل ما يتعلق بكتابة الدستور أصبح محصوراً داخل نطاق مجموعة محدودة جداً لا تزيد على شخصين أو ثلاثة. لذا ليس من الواضح بعد ما إذا كانت المقترحات التى ستقدم لإدخال تعديلات على المسودة المطروحة للنقاش ستحسم داخل الجلسات العامة فقط أم ستحال مرة أخرى إلى اللجان النوعية ولجنة الصياغة.
 
لست شديد التفاؤل، فالأجواء السائدة فى أروقة الجمعية التأسيسية تشير إلى أن فجوة عدم الثقة القائمة بين مختلف التيارات السياسية والفكرية تزداد اتساعاً بمرور الوقت. ولوضع القارئ فى أجواء ما يجرى هناك ربما يكون من المفيد أن أشير فى هذا المقام إلى واقعة محددة لا أظن أن دلالتها يمكن أن تخفى على أحد. فمنذ أسابيع صدر قرار بتشكيل لجنة استشارية فنية لمعاونة الجمعية التأسيسية ضمت فى البداية عشر شخصيات عامة. ولم يكن هذا القرار فى الواقع سوى ثمرة جهود ومفاوضات دامت أكثر من شهرين بين أعضاء «الجبهة الوطنية»، من ناحية، وممثلين عن مؤسسة الرئاسة، من ناحية ثانية، وبتنسيق غير مباشر مع مكتب الجمعية التأسيسية، من ناحية ثالثة، وارتبط تشكيلها عضوياً بعودة المنسحبين من الجمعية والالتزام بصيغة معينة عند شغر المقاعد الخالية من قائمة الاحتياطى. وبعد أن بدأت اللجنة فى مباشرة عملها وقطعت شوطاً لا بأس به فوجئت منذ أيام بقرار ضم سبع شخصيات جدد إليها.
 
الملابسات التى أحاطت بالموضوع أعادت إحياء شكوك قديمة حول الجهة المنوط بها صنع القرار فى مصر فى المرحلة الراهنة، ونوع الحسابات التى تستند إليها.
 
يبدو أن البعض لم يدرك بعد معنى عملية صناعة الدساتير، ويتعامل معها كأنها معركة سياسية يتعين خوضها وتحقيق النصر فيها، وهو توجه شديد الخطورة والحمق. فصياغة دستور جديد لمصر، خصوصاً بعد ثورة شعبية هائلة كثورة يناير، ليست معركة سياسية تخاض من أجل تحقيق مكاسب حزبية أو شخصية، وإنما هى عملية تفاعل مجتمعى بين شركاء وطن واحد، ومن ثم يفترض أن تقيس وتعكس درجة التقدم الحضارى للشعوب، ومستوى وعيها بحاضرها، ومدى جاهزيتها وحرصها على عمل جماعى منسق ومنزه لصنع مستقبل أفضل للأجيال القادمة. ولأنها عملية تستهدف وضع الأسس والقواعد العامة لإدارة الدولة والمجتمع، بصرف النظر عن نوع الأغلبية الحاكمة المعرضة للتغيير بصفة دورية، يتعين أن تتمتع بثبات نسبى وأن تصاغ من ثم بالتوافق العام وليس بالتصويت. لذا يجب أن تستمر الجهود اللازمة لصناعة التوافق الوطنى حول الدستور، أيا كان الوقت الذى تستغرقه.
 
لقد شابت إدارة المرحلة الانتقالية فى مصر، لسوء الحظ، عيوب كثيرة وبدأت تضل طريقها منذ اللحظة التى قرر فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة تشكيل لجنة لتعديل الدستور، بينما كان الأحرى به أن يشكل بدلاً من ذلك لجنة لكتابة دستور جديد تضم أفضل الكفاءات المهنية فى مصر وأكثرها تنوعاً. وقد سبق أن أشرت مراراً وتكراراً إلى أن لجنة المستشار البشرى ارتكبت خطأ جسيما حين أوكلت للبرلمان مهمة تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة الدستور، مما أدى إلى تسييس هذه العملية منذ اللحظة الأولى وأوصلنا إلى المتاهة الحالية.
 
لا وقت للبكاء على اللبن المسكوب، فإذا تمكنت الجمعية التأسيسية، بتشكيلها الحالى، من التوصل إلى صياغات توافقية على جميع مواد الدستور، فـ«خير وبركة»، وإذا لم تستطع فعلينا تجنب اللجوء إلى التصويت لحسم المواد المختلف عليها لأن ذلك سيكون بداية لأزمة كبرى وليس نهاية للأزمة الراهنة. وربما يكون من الأفضل فى هذه الحالة تشكيل لجنة على مستوى عال، لمحاولة التوصل إلى توافق وطنى حول المواد المختلف عليها تضم، مثلما افترحت من قبل، ثلاث فئات: 1- رؤساء الأحزاب التى حصلت على خمسة مقاعد فأكثر فى آخر انتخابات لمجلس الشعب. 2- الشخصيات الأربع التى حصلت على أعلى الأصوات فى انتخابات الرئاسة، إضافة إلى الدكتور محمد البرادعى.
 
3- خمس شخصيات مستقلة. فإذا لم تتمكن لجنة على هذا المستوى من التوصل إلى التوافق المطلوب حتى يوم 12 ديسمبر المقبل، فمن الأفضل لمصر فى هذه الحالة أن تعلن الجمعية التأسيسية عجزها عن صياغة دستور توافقى على أن تحسم القضايا المختلف عليها بالتصويت. حينئذ سيتعين على الدكتور مرسى أن يشكل لجنة تأسيسية جديدة من خمسين عضواً، على أكثر تقدير، تراعى فيها التوازنات المجتمعية المطلوبة لكتابة دستور يليق بمصر التاريخ والثورة.

إعلان

إعلان

إعلان