لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الدولة العميقة

الدولة العميقة

10:58 ص الخميس 19 أبريل 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم   د.عمرو الشوبكى

استخدمت تركيا تعبير «الدولة العميقة» لوصف الدولة التى لا يراها الناس ويسمعون عنها، وتعنى الجيش والقضاء والإدارة والمؤسسات العلمانية القوية، وهى تدير شؤون البلاد بصرف النظر عن الحزب أو الرئيس الذى يحكم، فـ«الدولة العميقة» كفيلة بإجهاض أو إضعاف تأثير الأحزاب والحكومات لأنها مترسخة منذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية فى ١٩٢٤.

والمؤكد أن العلاقة بين «الدولة العميقة» والديمقراطية لم تكن دائماً «يداً واحدة»، فقد أجهضت تجارب الأحزاب التى لم ترض عنها مثلما جرى عام ١٩٩٧ مع حزب الرفاه الإسلامى بقيادة الراحل نجم الدين أربكان، حين كشرت «الدولة العميقة» عن أنيابها وأقالت الحكومة فيما عرف بـ«انقلاب الجيش الأبيض» الذى نجح عبر قوته السياسية وليس بحركة آلياته أن يقيل الحكومة الإسلامية.

فى المقابل نجح حزب العدالة والتنمية فى تحقيق المعجزة التركية المتمثلة ليس فقط فى معدلات التنمية الاقتصادية المرتفعة، ولا فى حجم الإصلاحات السياسية والديمقراطية، إنما فى ترويض جانب من هذه «الدولة العميقة» حين قدم تجربة مدنية وديمقراطية خرجت من رحم المرجعية الحضارية الإسلامية، وتجاوزت الاستقطاب الإسلامى العلمانى الذى استنفر الدولة التركية العميقة على مدار عقود.

والحقيقة أن تعبير «الدولة العميقة» أطلقناه قبل الثورة فى أكثر من موقع، خاصة حين تحدثت عن صراع بين الجماهير ومشروع التوريث ستحسمه «القوة الثالثة»، وكان المقصود بها المؤسسة العسكرية (راجع مقالى «الثورة الثالثة» فى ٢١/١٠/٢٠١٠ و«ثمن التوريث» فى ١٢/٣/٢٠٠٩)، وهو ما شهدناه بعد قليل فى ٢٥ يناير مع فارق مهم، أن التحرك الشعبى وصل إلى حد الثورة ونحن توقعنا أن يقف عند حدود الانتفاضة - يرى تيار داخل مصر وخارجها أن ما جرى هو انتفاضة وليس ثورة، وكتب صديقنا ضياء رشوان عن النواة الصلبة داخل الدولة المصرية التى لن تقبل التوريث، وكان يقصد أيضاً المؤسسة العسكرية.

والحقيقة أن موضوع «الدولة العميقة» فُتح مرة أخرى مع صعود الإخوان المسلمين وسيطرتهم على البرلمان، ثم ترشحهم لانتخابات الرئاسة بما يعنى إمكانية سيطرتهم الكاملة على الحكم والدولة، وأصبح السؤال من شقين: ما هى أولاً طبيعة هذه «الدولة العميقة» فى طبعتها المصرية؟ وهل هى التى ستروض الإخوان أم أن الإخوان هم الذين سيروضونها؟

الحقيقة أن «الدولة العميقة» فى صورتها المصرية تتمثل أساساً فى عصب هذه الدولة متمثلاً فى المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والسلطة القضائية ووزارة الخارجية ثم الجهاز الإدارى للدولة الذى يبلغ تعداده أكثر من ٦ ملايين عامل وموظف.

إن خبرات النجاح فى العالم تقول لنا إن أى قوة أو جماعة راديكالية تأتى من خارج المنظومة السياسية السائدة، لابد أن تتبنى خطاباً مطمئناً وإصلاحياً لهذه «الدولة العميقة»، ولا تبدو أنها ستسيطر أو ستحتكر الحياة السياسية، وأنها ستكتب الدستور والقوانين الأساسية، وتهيمن على جهاز الدولة فى سطحه وعمقه، فهل يعقل بعد ٦ أشهر من تأسيس حزب الحرية والعدالة أن يسعى للسيطرة على كل مناصب الدولة، من برلمان إلى حكومة إلى رئاسة جمهورية؟

إن ما سبق أن سميناه من قبل «الدمج الآمن للإخوان» يستلزم الوصول المتدرج للسلطة وبشكل غير انقلابى، وبعد أن يطبع الإخوان أنفسهم مع قوانين الدولة الموجودة، وأن يكون وصولهم للحكم لا يعنى قلب كل المعادلات السياسية والقانونية بجرة قلم، ويعنى أيضاً طمأنة «الدولة العميقة».

إن تركيا التى وصل فيها الراحل نجم الدين أربكان للحكم عام ١٩٩٥، وتبنى مشروعاً بدا أنه ينقلب على قواعد الدولة التركية، وتم إسقاطه عام ١٩٩٧ بدور مباشر للجيش - وصل فيها «أردوجان» إلى الحكم عبر مشروع ديمقراطى حديث غيّر كثيراً من المعادلات السائدة داخل الدولة التركية العميقة بشكل متدرج مما جعل حزب العدالة والتنمية الرقم الأساسى فى المعادلة السياسية التركية.

والمؤكد أن «الدولة العميقة» فى مصر ليست دولة أيديولوجية، فهى لم ترتح للقوالب الأيديولوجية، فلا يمكن وصف الجيش المصرى، مثل نظيره التركى، بأنه «حامى العلمانية»، فهو جيش شبه المجتمع فى محافظته وتدينه وأيضاً مدنيته، كما لم تُعرف بيروقراطية هذه الدولة حتى فى عهد «عبدالناصر»، حين ساد الخطاب الاشتراكى وظهر تنظيم طليعة الاشتراكيين الذى اخترق مؤسسات الدولة. أىُّ توجهات عقائدية لهذه الدولة التى نجحت فى تحويل كثير من مفردات الخطاب الاشتراكى التحررى إلى خطاب بيروقراطى مفصل على مقاسها وتوجهاتها؟

إن «الدولة العميقة» منذ العهد الملكى والعهود الجمهورية لم تكن عقائدية إنما فيها من الوسطية المصرية الكثير، ولذا لم تنجح محاولات «عبدالناصر» فى صبغها بأيديولوجية محددة رغم حبها وحب الشعب المصرى العميق له، والأمر سيتكرر مع الإخوان المسلمين فى علاقتهم بهذه «الدولة العميقة»، فرغم تدينها المؤكد إلا أنها ليست على استعداد لأن تقبل مشروعاً عقائدياً إخوانياً شمر سواعده ليعلن عن قرب لحظة التمكين بعد أن حصل على أغلبية برلمانية وقرر فجأة أن ينافس على الرئاسة.

صحيح أن الدولة المصرية العميقة لا تعتبر نفسها ذات رسالة عقائدية، كما فى تركيا أو فرنسا حين تعلنان حراستهما العلمانية، إنما فيها كثير من الوسطية والاعتدال بما يجعلها قادرة على أن تضفى على أى مشروع أيديولوجى كثيراً من قيمها وبصمتها بما فيها سلبياتها.

فالمؤكد أن الدولة المصرية شهدت فى عهد «مبارك» أكبر تدهور فى تاريخها منذ محمد على، فقد تراجع أداؤها حتى وصل للانهيار الكامل فى بعض المجالات وتراجعت هيبتها وعانت من الفوضى والترهل وسوء الأداء، ومع ذلك ظلت حائط صد ليس من السهل تجاوزه أو هدمه، فالبيروقراطية المصرية مازالت لم تهضم بعد الثورة المصرية، ومازال قطاع منها ينظر إليها على أنها فرصة لتحقيق بعض المطالب الفئوية، ومازال البعض الآخر يعمل بهدوء شديد بعد أن وضع «فلتر خاص» لمواجهة أى مشروعات سياسية أيديولوجية سواء ارتدت عباءة إسلامية أو مدنية أو ثورية.

لن ينجح أى تيار سياسى جديد قادم من خارج المشهد الذى اعتادت عليه «الدولة العميقة» منذ عقود إلا إذا طمأن هذه الدولة، واعتبر أن إصلاحها أحد أهدافه لكن بشكل متدرج غير انتقامى وغير إقصائى، عندها فقط يمكن أن نحقق الديمقراطية التى ستعنى أيضاً إعادة بناء «الدولة العميقة» على أسس جديدة عصرية وديمقراطية.

 

اقرأ ايضا:

نواب ''الحرية والعدالة'' يصفون زيارة المفتي للقدس بــ''الكارثة''

إعلان

إعلان

إعلان