إعلان

ترشيح خيرت الشاطر (٢)

ترشيح خيرت الشاطر (٢)

11:14 ص الثلاثاء 03 أبريل 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - د. حسن نافعة:
    
قد يعفى قرار ترشيح المهندس خيرت الشاطر للمنافسة على المقعد الرئاسى جماعة الإخوان المسلمين من حرج المفاضلة بين مرشحين من غير الإخوان، سواء كانوا من داخل تيار الإسلام السياسى أو من خارجه، وربما يجنبها أيضا ًخطر الانشقاق من الداخل بسبب موقفها من ترشح الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، غير أنه سوف يتسبب للجماعة فى تحديات من نوع جديد يتعين أخذها فى الاعتبار.

ولأن قرار الجماعة بترشيح أحد أعضائها وضع نهاية مأساوية لشعار ظلت الجماعة ترفعه نظرياً دون أن تتمكن من ترجمته واقعاً على الأرض، فمن الطبيعى أن يجد البعض فى هذا القرار دليلاً إضافياً على أن سلوك الجماعة لا يختلف كثيراً عن سلوك الأحزاب السياسية التقليدية التى تحدد مواقفها السياسية بناء على مصالح دنيوية تستهدف اقتناص الفرص المتاحة، وليس استنادا إلى قيم دينية واعتبارات أخلاقية تدعى الجماعة أنها تشكل مرجعيتها الوحيدة. لذا من المرجح أن تكون لهذا القرار تداعيات هائلة وآثار عميقة وبعيدة المدى ليس فقط على الحياة السياسية المصرية لكن أيضا على مستقبل الجماعة نفسها. ومن المتوقع أن يختلف حجم وعمق هذه التداعيات باختلاف نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة وفقا للسيناريوهات الثلاثة التالية:

السيناريو الأول: نجاح الجماعة فى حمل المهندس خيرت الشاطر إلى المقعد الرئاسى، وفى هذه الحالة ستكون الجماعة قد تمكنت ليس فقط من الإمساك بجميع مفاتيح السلطة فى مصر، بجناحيها التشريعى والتنفيذى، وإنما من التحكم فى كتابة الدستور ذاته، من خلال هيمنتها على الجمعية التأسيسية. ولأن من شأن وضع كهذا أن يخلق حالة من الاستقطاب الحاد بين جماعة الإخوان ومعها كل الفصائل المنتمية إلى تيار الإسلام السياسى، من ناحية، وبقية الأحزاب والقوى السياسية التى لا تنتمى إلى هذا التيار، من ناحية أخرى، فليس من المستبعد أن تفضى هذه الحالة الاستقطابية، خصوصا إذا استمرت فترة طويلة، إلى احتقان سياسى خطير قد يمهد الطريق أمام انقلاب عسكرى يعيد مصر إلى نقطة الصفر.

السيناريو الثانى: إخفاق الجماعة فى التمكين لمرشحها من المقعد الرئاسى، ولا جدال فى أن عجزها عن تحقيق هذا الهدف سيشكل ضربة موجعة لها وستكون له آثار سلبية خطيرة ليس فقط على وضع ومكانة الجماعة فى المجتمع، لكن على مستقبلها السياسى ككل. غير أن حجم الآثار المترتبة على هذه الضربة سيتوقف فى النهاية على شخصية الفائز بالمنصب الخطير. فإذا ما فازت به إحدى الشخصيات المرتبطة بالنظام القديم فسيكون ذلك بمثابة مؤشر على بداية تحول خطير فى موقف الشعب المصرى من القوى السياسية المتنافسة على الساحة، وستعتبره قوى الثورة المضادة بمثابة نوع من رد الاعتبار لها، مما سيتيح لشبكة المصالح المرتبطة بالنظام القديم فرصة ذهبية لاستعادة مواقع النفوذ التى كانت قد فقدتها والانقضاض على قوى الثورة لتصفيتها نهائيا. ولا جدال فى أن هذا السيناريو، إن حدث، سيكون بمثابة كارثة كبرى لا أشك أن الضمير الوطنى سيحمّل جماعة الإخوان مسؤوليتها، منفردة أو بالتواطؤ مع المجلس العسكرى.

السيناريو الثالث: فوز إحدى الشخصيات المحسوبة على تيار الإسلام السياسى من خارج الإخوان بالمقعد الرئاسى. فإذا كان الفائز فى هذه الحالة هو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فسيعد فوزه بمثابة هزيمة قاسية للقيادة الحالية لجماعة الإخوان المسلمين، وسيحدث ارتباكا كبيراً وانشقاقاً عميقاً فى صفوفها. غير أن رئاسة الدكتور أبوالفتوح للجمهورية قد تتيح أمام الجماعة فى الوقت نفسه فرصة جديدة لإعادة حساباتها ومراجعة مواقفها وسياساتها وصياغة خطاب سياسى أكثر اعتدالاً واتساقاً، وبدء عملية إصلاحية واسعة النطاق قد تقود إلى تبنى نموذج فكرى مختلف. أما إذا كان الفائز بالموقع الرئاسى ينتمى إلى فصيل إسلامى آخر، فالأرجح أن يترتب على هذا الفوز انتقال مركز ثقل تيار الإسلام السياسى من جماعة الإخوان إلى الفصيل الذى ينتمى إليه الرئيس المنتخب.

من حق الجماعة أن ترشح أحد أعضائها للمنصب الرئاسى، سواء كان خيرت الشاطر أو غيره، لكن عليها فى الوقت نفسه أن تكون مستعدة لتحمل جميع النتائج المترتبة على قرارها، فى ظل التزام سابق أمام الجماعة الوطنية بالإحجام عن المنافسة على هذا الموقع. وأظن أن المنطق السليم كان يفرض على الجماعة التعامل مع القوى الوطنية التى أسهمت فى إنجاح الثورة بمنطق المشاركة لا المغالبة. ولأن قرار ترشيح «الشاطر» رجح كفة المغالبة على المشاركة فعلى الجماعة، التى سبق لها أن تمتعت بقطف ثمار انتصاراتها فى الانتخابات التشريعية، أن تكون مستعدة فى الوقت نفسه لابتلاع مرارة هزيمة قد تتجرع كأسها فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

اقرأ أيضا:

الهيئات القضائية فى الدستور الجديد

إعلان

إعلان

إعلان