لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ما بين ''رابعة'' و''الجزيرة''

ما بين ''رابعة'' و''الجزيرة''

10:20 م الأحد 03 نوفمبر 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

 

ما بين ''رابعة'' و''الجزيرة''

بقلم - ياسر عبدالعزيز:

كانت الجماهير محتشدة فى إشارة ''رابعة العدوية'' تنصت باهتمام شديد لما يقوله الشيخ صفوت حجازي، أحد أهم خطباء المنصة آنذاك.

لم يكن حجازى مختصاً فقط بتعبئة الجماهير وإثارة حماسها، عبر خطبه الرنانة التى تشعل الرغبة فى الاستشهاد وتعزز اليقين فى ''النصر''، لكنه كذلك كان أحد مصادر التعليمات التى من شأنها تعظيم الاحتجاج، وتحريك الجموع، وضمان انتظامها فى الإطار الذى يريده القائمون على الأمر.

كان حجازى فى ذلك اليوم يتحدث عن جملة من التعليمات الحيوية الصارمة، حين قال بوضوح: ''أى أخبار تأتيك من أى مصدر غير المنصة لا تستمع لها، ولا تقرأها، ولا تصدقها. لا تقرأ أو تسمع أو تشاهد أى خبر غير معتمد من المنصة''.

لم يسع حجازى حتى لتوضيح أسباب إصدار مثل تلك التعليمات، ولم يجتهد فى محاولة إفهام المحتشدين المأمورين لماذا يصادر حقهم فى التزود بالمعلومات من أى مصدر غير المنصة، ولم يضرب لهم أمثالاً تعزز هذا ''الفرمان'' الذى أصدره، مكتفياً بالأمر، ومنتظراً السمع والطاعة.

لم يخب ظن حجازى، وقادة ''الإخوان''، فى جمهور ''رابعة''، الذى لم يناقش الأمر، أو يماطل فى تنفيذه. لقد امتثل الجميع، وأخلص لما تقوله ''المنصة''، وتجنب أى مصدر للأخبار والمعلومات غيرها.

إنها حالة مثالية من حالات ''التعرض القسرى لوسائل الإعلام''، وهى الحالة التى يُجبر فيها المتلقى، أو يختار، أن يُسلم نفسه لمصدر، أو منصة واحدة، ليتزود منها بما يريد أن يحصل عليه من معلومات أو أخبار، فى شأن حيوى يريد فهمه، أو اتخاذ موقف بصدده، أو تطوير سياسة تجاهه.

يقول علماء وباحثون إن نتائج ''التعرض القسرى لوسائل الإعلام'' خطيرة، إلى درجة أن بعض التجارب المعملية التى أجريت لمحاولة تقصيها، أشارت إلى إمكانية إصابة هؤلاء المتلقين المساكين بـ''اضطرابات ذهانية''. الاضطراب الذهانى هو نوع من الاضطرابات العقلية والنفسية الشديدة، يسبب أشكالاً شاذة من التصور والتفكير، إذ يفقد المصاب بالذهان صلته بالواقع، ويعيش فى عالم من الأوهام والهلوسات والقناعات الزائفة.

تفعل قناة ''الجزيرة'' بجمهورها ''الحصرى'' شيئاً من هذا القبيل.

أكتب تلك السطور من أوروبا، حيث أقوم بجولة تشمل ثلاثاً من دول القارة العجوز، مع نخبة من أهم الخبراء والإعلاميين المصريين، وبتنظيم جيد ومحكم من ''المعهد الدنماركى- المصرى للحوار''.

كان من السهل جداً إدراك أن هناك تشوشاً كبيراً فى رؤية المسؤولين السياسيين، والنخب الثقافية، والنشطاء، والإعلاميين الأوروبيين، الذين التقينا بهم، لما يجرى فى مصر.

ويمكن القول ببساطة إن معظم هؤلاء، بمن فيهم من ينتمى إلى أحزاب يمينية متشددة، أو يعارض الإسلام السياسى معارضة مبدئية، لا يدركون حقائق أساسية فى قصة إطاحة مرسى، ولم يحاطوا علماً بأخبار مهمة عما يجرى، أو أحيطوا بها، لكن لسبب ما لم تكن ضمن سياق تحليلهم للأمور ولا ضمن الدوافع التى تؤطر مواقفهم.

لم ألتق شخصاً هنا من هؤلاء إلا وسألته بوضوح: من أى وسيلة، أو وسائل إعلام، تحصل على المعلومات والأخبار المتعلقة بالشأن المصرى؟

وقد بدأ 100% ممن سألتهم، حتى لحظة كتابة هذه السطور، إجاباتهم بكلمة ''الجزيرة''. وقد ذكر معظمهم أسماء وسائل إعلام أخرى، لكن أحداً منهم لم يذكر اسم قناة فضائية مصرية واحدة.

من حق ''الجزيرة'' أن تفخر بشدة، ومن حق قطر أن تعزز ثقتها فى النجاح الذى حققته. لقد حشدت قطر الموارد الضخمة، وجلبت الكوادر المميزة، وأنفقت بلا سقف، وخاطرت بعلاقاتها بعدد من البلدان، وربما دفعت أثماناً فى أحيان كثيرة، لكنها فى النهاية حصلت على ما أرادت وأكثر: ''منصة فى أفضل المواقع، وهيمنة على فضاء التلقى فى الشرق الأوسط، وأوروبا.. والآن فى أمريكا''.

لا يخرج صفوت حجازى على قناة ''الجزيرة''، ليقول لجمهورها: ''لا تستمع لأى أخبار غير تلك التى تذاع على هذه القناة'' بالطبع، ولا ترجو ''الجزيرة'' لجمهورها حالة من حالات ''التعرض القسرى لوسائل الإعلام''، لكنها تجتهد لتضمن حالة من حالات ''التعرض الأحادى'' أو ''التعرض المهيمن''.

بذلت ''الجزيرة'' جهداً كبيراً، لكى تضمن أن تكون مصدر الاعتماد الأول لدى جمهورها حينما يتعلق الأمر بما يجرى فى مصر أو الشرق الأوسط، ونجحت نجاحاً مذهلاً فى ذلك.

جمهور منصة رابعة لم ينفض أو يتفتت كما يُظن، ولكنه راح ليتجمع أمام منصة أخرى، وتلك المنصة تواصل ''خطفه'' لمصلحة العالم الذى تبنيه، أو تهدمه، بالشكل الذى يخدم رؤيتها ومصالحها.

يجب أن تُلام ''الجزيرة''، لأنها تتلاعب بعقل جمهورها، وتعرضه للإصابة بالذهان، وتخون ثقته فيها، وتحيك له عالماً من الهلاوس عما يجرى فى مصر. ويجب أن يُلام جمهورها، خصوصاً إذا كان مثقفاً وواعياً ولديه قدرة على الاستماع لقصص مختلفة والتعرض لوجهة النظر الأخرى.

لكن اللوم الأكبر يجب أن يوجه إلينا. نحن الذين تراخينا، وتغاضينا، وتخلينا عن واجباتنا حيال أنفسنا، وتركنا جمهورنا فى العراء، ليصطاده آخرون بارعون ومغرضون، ويحكوا له ما كان يجب أن يسمعه منا.

أن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل أبداً. لذلك، سيمكننا أن نعالج هذا الخلل، إذا بدأنا فوراً.. فهل من مجيب؟

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ... اضغط هنا

 

إعلان

إعلان

إعلان