لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

30مقال- مشاريع ''النخبة'' لا تصلح.. وحتى لا نكرر أخطاء فبراير 2011

30مقال- مشاريع ''النخبة'' لا تصلح.. وحتى لا نكرر أخطاء فبراير 2011

08:25 م الثلاثاء 16 يوليه 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – حسن هيكل:

إن الوضع الاقتصادي كارثي؛ فالبلد يخسر مايقرب من مليار جنيه يوميا (عجز ميزانية الدولة في عام 13/2014) وحوالى 2 مليار دولار شهرياً من العملة الأجنبية، ولهذا فإن الوضع الاقتصادي الحالي لايمكن أن يستمر(لقد ''استهلكنا'' أو ''حرقنا'' أكثر من 500 مليار جنيه بالإضافة إلى أكثر من 50 مليار دولار في عامين !). إن المرحلة الانتقالية والتي بدأت في فبراير 2011  ستستمر لفترة أخرى (وأنا لا أتحدث هنا عن الفترة القانونية ولكن عن الفترة التي ستصل بنا إلى الهدوء النسبي) وهذا يعنى أننا في حاجة، خلال هذه الفترة ، لسياسات مختلفة تماماً عن المألوف (فالحديث مثلا عن جذب الاستثمار بمستويات مرتفعة في الزمن القصير هو غير ُمجدى) . إن الدعم العربي في الآونة الأخيرة يعطينا مهلة عدة شهور بدلاً من عدة أسابيع لاستنفاذ أرصدتنا ولكن بدون تطبيق حلول جادة سنعود لما كنا عليه سريعاً.

سألتني والدتي أخيراً عن حالة الاقتصاد المصري – علماً بأن اهتمامها الأساسي خارج الشؤون المنزلية هو الزراعة  في ''برقاش''– وكان ردي هو أنه لمدة زمنية، نستطيع أن نتفق أو نختلف عليها، لم تروَ هذه الأرض ولم تقَلَم، الأرض ستبور، الأرض مازالت الأرض بعظمتها وكبريائها ولكن في ظل التردد وارتعاش وشلل الأيادي وارتباك وتخبط القرارات، بارت الأرض لأنها في حاجة إلى ماء وتقليم وإرادة وخيال ..

مقدمة عن ''التجريف و''التسطيح''.. ولماذا هذا الخطاب الآن:

1. إن الاقتصاد المصري في شكله الحالي أخذ من الاشتراكية أسوأ ما فيها (الشكل بدون المضمون)  ومن الرأسمالية شراستها (أدوات السوق بدون تطويع).. وصار لدينا عشوائيات في البناء وعشوائيات في التفكير .

2. إن أكثر البلدان رأسمالية – الولايات المتحدة الأمريكية – بها بدل بطالة وتأمين صحي وضرائب تصاعدية. كما أن أكثر البلدان على اليسار – كالصين مثلا – بها أسواق مال وعرض وطلب –  بعبارة أخرى لا توجد رأسمالية '' آدم سميث'' ولا يسار ''الجامعات والكليات'' إلا ''أكيد في مصر'' !

3. كما أنه لا يوجد في مصر فكر اقتصادي يميني لأن ما هو أمامي حالياً ماهو إلا مجموعة مصالح لا أكثر ولا أقل كما أن الفكر اليساري الاقتصادي لم يتطور منذ الستينات .. أليس هذا هو ''التجريف''؟ أما ''التسطيح'' فهو القول أن هناك فكر اقتصادي إسلامي! ''نخبة'' لم تتحمل مسؤولية بلادها في اللحظة التاريخية.. اللحظة الحرجة بعد سقوط الرئيس السابق ''مبارك'' وأخشى أن تكرر ''النخبة''  بكل فصائلها نفس الأخطاء بسبب ضعفها وارتجالها كما أنها غير قادرة على إدارة ''نقلة'' حقيقية في الاقتصاد المصري .

4. إن البرامج الاقتصادية للأحزاب الحالية تعكس هذا الوهن في ''النخبة''، كما أن الشباب الثوري – شباب كل الفصائل -  في هذا الوطن هو شباب جسور ورائع ولكن ليس لديه حتى هذه اللحظة مشروعا اقتصادياً .

5. إن الفترة الانتقالية بطبيعتها قد تؤدى الى تأجيل القرارات ورمى كل شيء - بسبب وبدون سبب  - على ''التركة الثقيلة'' الموروثة .

6. إن الوقت ليس في صالحنا لأننا وصلنا الى حافة الانهيار الاقتصادي، كما أن ''إدارة'' اقتصاد الوطن لا يمكن أن يكون  معتمداً على ''شحنة من هنا'' و ''هبه من هناك''. علماً بأن الدعم العربي ضروري ولكنه لا يمثل حلاً في حد ذاته. ولأضيف أن حرية حركة ''القرار السياسي'' فى ظل الاعتماد على هذا الدعم قد يكون محدوداً.

7. أخشى أن العجز الاقتصادي خلال الفترة الانتقالية الحالية قد يُعقد الأمور السياسية بشكل كبير والعودة بنا إلى نقطة ''الصفر''! وما أدراك ما ''الصفر'' في هذه الحالة!

هذا هو حال الوطن اقتصادياً: نحن نخسر يوميا مليار جنيه، وشهريا 2 مليار دولار.

1. بطالة.. عاطل في كل عائلة ومنزل، ومع ارتفاع الأسعار المتتالي، الفقر يضرب الغالبية العظمى من الأسر.

2. إن خسارة الدولة (العجز في الموازنة التي بدأت في 1/7)  سيقترب من مليار جنيه يوميا (300 – 350 مليار جنيه في العام).

3. حرقنا أكثر من50 مليار دولار في عامين ونصف (حوالى1.5 -  2   مليار دولار شهريا) .. احتياطي نقدي ينفذ.. يقترب من الصفر إذا لم نأخذ في الحسبان احتياطي الذهــب واقتراض البنك المركزي من البنوك المحلية بالدولار وودائع بعض البلدان الإقليمية –  مع العلم أن ودائع هذه البلدان لدى البنك المركزي لا تصنع احتياطياً بالمعنى الحقيقي للكلمة.

4. وبعد أن حرقنا أكثر من50 مليار دولار، ونفذ الرصيد، نحن نذهب إلى دين وراء دين، محلى وأجنبي... سيؤدى ذلك الى أن الفائدة على دين الدولة ستقترب من  مليار جنيه يومياً (يوم عمل) على الفائدة فقط  (200 – 240 مليار جنيه)، ناهيك عن الأقساط! هذا يعني أن جزء كبير من إيرادات الدولة بما فيها قناة السويس والضرائب ستأكلها الفائدة قبل دفع المرتبات والدعم والاستثمارات. ألم يقابل الخديوي إسماعيل موقفا شبيهاً؟

5. عدم عدالة في توزيع الدخل .. أقل من 1% من المجتمع يمتلك أكثر من الاحتياطي النقدي للبلد عدة مرات.

6. نقص في المواد والخدمات الأساسية.. بدءاً من اسطوانات البوتاجاز إلى الكهرباء لعدم وجود رصيد مالي.

7. مناخ عام طارداً للاستثمار وبنية تحتية من سكك حديد وطرق وكباري، لا تُطور ولا تُصان.

8. انحدار مستمر في قيمة العملة.

9. مطالبات لتعويضات مالية بسبب منازعات قضائية عن طريق التحكيم الدولي والتي قد تنتهي بنا أن ندفع عدة مليارات من الدولارات... نتناسى هذا الملف وكأنه لا يعنينا حتى نفيق يوماً ما وبعض أصول البلد في الخارج مجمدة!

إن هذا مقال ليس الهدف منه إخافة أحد ولكن وضع حلول أتكلم عليها منذ عامين  (برجاء مراجعة عدة مقالات منشورة في جريدة المصري اليوم في الفترة من مارس حتى مايو 2011).

أستأذن أولا أن ألخص ''المشروع'' (على وزن ''البرنامج'' حتى أخفف من حدة هذا الخطاب!) لتحقيق ''نقلة'' حقيقية في الاقتصاد المصري، بصرف النظر عن الأوضاع السياسية وفى ظل المرحلة الانتقالية:

1. رفع الحد الأدنى للأجور إلى 900 - 1000 جنيه شهرياً.

2. رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 450 جنيه شهرياً.

3. دفع بدل بطالة في حدود 200- 300 جنيه شهرياً إلى حوالي 8 مليون عاطل.

4. دفع بدل تضخم في حدود 150 – 200 جنيه شهرياً إلى حوالي 12 مليون أسرة.

5. إلغاء الحد الأقصى للأجور لأنه إهدار للمال العام.

6. تطبيق ضريبة على الثروة لكل من يزيد ثروته على 10 مليون دولار بنسبة 10- 25%.

7. إلغاء الهدر في قطاع النفط والغاز في شكل بيع معظم المنتجات البترولية بالسعر العالمي أو قريباً منه.

8. توفير دعم عيني في حدود 75 مليار جنيه يذهب لمستحقيه.

9. إنشاء صندوق سيادي لجمهورية مصر العربية.

10. دعم الدول العربية لتمويل خطة متكاملة.

11. إعلاء دولة القانون وعدم التصالح مع الفساد.

12. البدء في عدة مشروعات قومية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، إعادة بناء جميع عشوائيات مصر بكود بناء موحد مع تسليم قاطني العقارات عقود رسمية تثبت ملكيتهم.

13. بعد تطبيق ما سبق بستة أشهر, تخفيض سعر الفائدة على الجنيه المصري.

14. حقنة عدالة اجتماعية ... ولا للحد الأقصى للأجور لأنه إهدار للمال العام!

إن عدم العدالة في توزيع الدخل واضح وضوح الشمس، وإذا كنا نطلب من الوطن ''التقشف'' و''ربط الحزام'' فإن الطبقة التي عليها تحمل الجزء الأكبر من التكلفة فيما هو قادم هي الطبقة القادرة  وليس الطبقات المطحونة وهذا لم يحدث بعد ، وفى هذا السياق فإني أقترح:

1) رفع الحد الأدنى للأجور إلى900- 1000 جنيه شهرياً.

2) رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 450 جنيه شهرياً.

3) دفع بدل بطالة في حدود  200 – 300 جنيه شهرياً إلى حوالي 8 مليون عاطل.

4) دفع بدل تضخم في حدود 150 - 200  جنيه شهرياً إلى حوالي 12 مليون أسرة.

إن تكلفة ما سبق ستكون في حدود 100- 120 مليار جنيه سنوياً والهدف من هذه الجرعة هو أن تتحمل الطبقات الدنيا في المجتمع موجة التضخم وارتفاع الأسعار كما أن معالجة ثورة الجوع يكون بتحسين الأوضاع الاقتصادية وليس بالحلول الأمنية فقط.

وقبل أن نتكلم عن حد أقصى للأجور يجب أن نتساءل عما إذا كنا نريد ملكية عامة للدولة في بعض الشركات والهيئات الاقتصادية أم لا؟ فإذا كانت الإجابة بأن الدولة يجب أن تمتلك عدة شركات أو صندوق سيادي أو هيئات كقناة السويس مثلاً؛ فكيف نأتمن إدارة أصولاً للبلد بمئات المليارات على أفراد ليسوا الأفضل في مجالاتهم لأن فرصة العمل في القطاع الخاص أو خارج مصر أفضل لهم من الناحية المالية. إن تطبيق الحد الأقصى للأجور يعني ببساطة إهداراً للمال العام لعدم قيام أفضل عناصر مصر خبرة في إدارة شركاتها. مع الأسف، نحن نبدو كوطن ''حافظ مش فاهم'' نُغلب ''الشكل على المضمون''.

2. ضريبة على الثروة والسيدة المحجبة !

لا يوجد تناقض بين مجتمع أسواقه تعمل بشفافية وحرية مع عدالة اجتماعية.. لا يوجد تناقض بين مجتمع يُولِد قادرين على أن يدفعوا التزاماتهم للمجتمع لأنه حق وليس صدقة.. لأنهم جزء من نسيج وطن ولا يجب أن يتحولوا – أو يتاح لهم أن يكونوا - شركاء في مشروع اقتصادي يستطيعون التخارج منه ، (هذا لا يختلف عن سيدة محجبة تؤمن بالله ورسوله وتستمع للموسيقى وتعشق الفن ، لا تناقض، الإيمان بالله لا يتناقض مع حب الحياة كما أن تحقيق عوائد مالية للفرد بدون فساد لا يتناقض مع العدالة الاجتماعية).

لقد تحدثت في ذلك مراراً بما في ذلك في محاضرتين في جامعة ''أكسفورد'' البريطانية و''هارفارد'' الأمريكية وفي عدة مقالات دولية ومحلية منذ أكثر من عامين ومُلخص ما أطالب به هو تطبيق ضريبة ولمرة واحدة على الثروة (ضريبة ''ميدان التحرير'') بنسبة 10 - 25 % لكل من تزيد ثروته على 10 ملايين دولار – الحصيلة  5 - 15 مليار دولار. إن ثروات كبيرة في مصر تم تكوينها دون فساد، لكن بسبب طبيعة تكوينها لم تدخل الأرباح والتوزيعات على الأسهم في الوعاء الضريبي. وفي تقديري – مع العلم بأنه لا توجد قاعدة بيانات واضحة في هذا الشأن –  فإن أغنياء مصر لم يدفعوا أكثر من 1 إلى 2 % من دخلهم السنوي الإجمالي في حين تدفع الطبقة المتوسطة 20 – 25%. إن الهدف من هذه الضريبة بجانب الحصيلة هو إرساء مبدأ العدالة وحماية نسيج المجتمع، حيث أن 99.9% من المصريين لن تنطبق عليهم هذه الضريبة، أليس هذا أفضل من الاقتراض؟

وقد يرى البعض أن تطبيق ضريبة ولمرة واحدة يخلق سابقة خطيرة، أو أنه حل راديكالي أكثر من اللازم أو يبدو كأننا نطبق بأثر رجعي، ولذلك فمن الممكن تطوير هذه الفكرة لتصبح 2- 3 % سنوياً (شبيهة بالزكاة) تطبق بنفس الطريقة السابقة، وفى هذه الحالة نحصل على ضريبة سنوية متكررة وعائدها على المدى الطويل أكبر من تطبيقها لمرة واحدة. وفي هذا الصدد يجب أن يتم تطبيق ضرائب على أرباح وتوزيعات البورصة . أرجو ألا يتعلل أحداً بصعوبة التنفيذ لأنه بنفس المنطق ما كانت ''30/6 '' لتنجح.

3. وقف الهدر في قطاع النفط والغاز المسمى دعماً .. 18/19 يناير 1977 مازالت في الأذهان.

يجب بيع الغالبية العظمى من المواد البترولية بالسعر العالمي (إن دولة ليست لديها احتياطيات نفطية كبيرة لا تستطيع أن تتعامل مع النفط والغاز بهذه الطريقة لأنها سلعة استراتيجية وحيوية وناضبة) على أن يستفيد من الدعم مستحقيه في حدود 50 - 75 مليار جنيه عن طريق دعم قمح الخبز وأسطوانات البوتاجاز وبعض وسائل النقل، الحصيلة (وفر) : 150 مليار جنيه سنوياً. إن ما يحدث هو هدر وليس دعم حيث أن كل الدراسات والدلائل تؤكد أن معظم هذا الهدر يستفيد منه الطبقات الأفضل حالاً في المجتمع .  وأؤكد هنا أن توفير بدل البطالة وبدل تضخم لـ 80% من المجتمع سيجعلهم في وضع أفضل حتى بعد الزيادة في الأسعار، خاصة إذا ما تم توزيع الدعم في شكل عيني (عن طريق بطاقات ذكية).

وينبغي أن أضيف هنا أن دعم الصناعة والسياحة لا يجب أن يكون في شكل دعما للطاقة ولكن في تحسين شبكة الطرق والمرافق، المطارات والموانئ، إلخ... كما ان دعم الزراعة يكون عن طريق وضع سياسات طويلة الأجل للمدخلات وأسعار بيع المحاصيل ليستطيع الفلاح أن ينظم إنتاجه.

والسؤال الذي يتبادر للأذهان هو لماذا لم تقم حكومات متتالية في آخر 10 سنوات بمعالجة هذا الاختلال؟ الكل كان خائفاً لأن أحداث 18 و19 يناير 1977 ما زالت تمثل عقدة لأجيال كثيرة لأنه في ذلك اليوم تم رفع الدعم فثارت الناس لأن الحكومة لم توفر لمستحقي الدعم أي غطاء لمواجهة ارتفاع الأسعار. السؤال لا يجب أن يكون هل الأسعار سترتفع أم لا ولكن هل الطبقات المعنية كلها أصبحت افضل حالا بسبب بدل التضخم وبدل البطالة بعد رفع الأسعار أم لا؟

4. الاقتراض من صندوق النقد.. ودائع قطر (بالأمس) أو السعودية (اليوم) .. يعنى '' شُـكك '' ولكن ماذا عن سعر الفائدة على الجنيه؟

هناك فرقاً جوهرياً بين الاقتراض لتمويل مشروعات، وهو أمر محبذ، والاقتراض لتغطية خسائر، وهو أمر غير حميد، وإذا كان الاقتراض لاعتبارات السيولة النقدية فأرجو أن يرافق ذلك خطة للتحول من الخسائر إلى الأرباح. فالدين مذلة بالنهار وهم بالليل! وفي هذا السياق أريد أن أؤكد أن قرض صندوق النقد الدولي أو ودائع قطر أو ليبيا هي في النهاية قروض.. ديون، كما أن الصكوك الإسلامية هي أيضاً دين ولكن بتغليف ديني! لقد ''حرقنا'' أكثر من 50 مليار دولار في عامين ونصف وبعد أن نفذ الرصيد ذاهبين إلى دين وراء دين، فمتى تنتهي هذه الحلقة المفرغة؟

إن الدين الحكومي سيكلفنا مليار جنيه في كل يوم عمل في شكل فائدة فقط، ناهيك عن الأقساط! كما أن الدين الأجنبي شاملاً الهيئات الاقتصادية تعدى 50 مليار دولار، أي أنه في عامين، لم نحرق فقط 40 مليار دولار من الاحتياطي (المعلن وغير المعلن) ولكن أضفنا مديونية على البلد بحوالي 500 مليار جنيه و10 مليار دولار، سأكرر ما أقوله، بعبارة أخرى عجزنا في عامين هو حوالي 50 مليار دولار من العملة الأجنبية و500 مليار جنيه في شكل '' شُكك '' على الحكومة، (أليس هذا هو العبث؟).

وجزء من المشكلة هو أن سعر الفائدة على الجنيه هو حوالي 13– 14%؛ فإذا خُفضت الفائدة إلى 7% وفرت الدولة 100 – 120 مليار جنيه سنوياً، والسؤال هنا هو كيف نستطيع خلال 6 – 12 شهراً أن نُخفض سعر الفائدة على الجنيه مع العلم أن بقائه في الزمن القصير مرتفعاً ضروري لمواجهة التضخم والحفاظ بقدر المستطاع على قيمة الجنيه المصري . إننا نستطيع الوصول لهذا الهدف إذا خلقنا المناخ الصحي وطبقنا هذه الحزمة المتكاملة من السياسات وتسلحنا بالعلم والإرادة وبعض الخيال.

5. دعم الدول العربية... نعم ولكن!

يجب اعتماد خطة مالية حقيقية ومتناسقة وتقديمها الى الدول العربية للحصول على الدعم.. يجب أن نذهب الى العالم العربي لنطلب، مرة واحدة، لدعم الخطة والميزانية.. هناك فرق بين التسول كل شهر والدعم في ظل خطة لتقدم مصر. ان المبلغ المطلوب يجب ان يكون في حدود 50 مليار دولار من العالم العربي وعلى الأقل 25 مليار دولار من الغرب و آسيا، إن ''الشحنات'' و''الودائع'' ليست حلاً ولكنها مخدر لن يدوم طويلاً مع عرفان وتقدير كل مصري لما تقوم به بعض البلدان العربية لمساعدة مصر. أود أن اشير هنا إلى أن الدعم الحقيقي هو المنح، أو ''الشُحنات''، أو المشاريع. أما الدعم ''الناعم'' فهو الودائع ، ولى تساؤل هنا وهو هل تستطيع مصر الدولة، في هذه اللحظة، أن تعادي ''قناة الجزيرة'' بطريقة حقيقية مثلاً في ظل وجود ودائع قطرية ب8 مليار دولار؟! مع الأسف.. إن ''القرار السياسي'' قد يكون محدود الحركة بسبب ''ضرورات اللحظة''.

6. إنشاء صندوق سيادي لجمهورية مصر العربية

الاقتراح هنا هو إنشاء صندوق سيادي يجمع جميع شركات القطاع العام، والهيئات الاقتصادية الحكومية وجميع أراضي الدولة تحت مظلة واحدة، على أن يدار من مجموعة من أفضل الكوادر المالية والصناعية والتجارية، لأن من سنأتمنهم على إدارة صندوق سيادي قيمته مئات المليارات من الأصول يجب أن يكونوا على الكفاءة والنزاهة المطلوبة لتحـمل هذه المسؤولية. كل هــذه الموارد المتاحة في هذا البلد، ''عبقريـة المكــان''،... كيف لا نستطيع أن نستغل مواردها؟ إن وزير الكهرباء، مثلا، لا يجب أن يكون مسئولا عن ملكية شركات الكهرباء ولكن عن السياسة العامة للكهرباء.

7. دور الدولة  وإعلاء دولة القانون.. ولا للتصالح مع الفاسد.

إن أي بلد في العالم النامي لم يتقدم إلى الأمام اقتصادياً إلا باستثمارات خارجية.. من الصين إلى البرازيل مروراً بالهند وجنوب أفريقيا وتركيا .. والسبب في ذلك ليس تقليلاً من شأن الاستثمار المحلي ولكن، ببساطة، إن حجم المدخرات المحلية لا تكفي لتحقيق النمو المطلوب لنقل البلد من العالم الثالث إلى الثاني. هذه الفجوة يجب تغطيتها –  في حالتنا – عن طريق استثمارات عربية وأجنبية   (وبالطبع بجانب ما هو متاح محلياً لأنه إذا لم يستثمر المصريون في بلدهم لا يمكن أن يقتنع غير المصريين). إن قدرتنا على جذب الاستثمارات في الوقت الحالي غير متوفرة والحديث عنها هو عبث ولكن يجب وضع البنيه التحتية لتسهيل جذب الاستثمار في بداية مرحلة ما بعد الانتقالية. ما يمنع جذب الاستثمار بخلاف الوضع السياسي هو غياب القانون والتنكيل بالمستثمرين والتشهير بهم وتغيير القواعد والسياسات بشكل عشوائي والاجراءات الروتينية والبيروقراطية وفي هذا السياق فإن جذب الاستثمار لمصر يتطلب:

‌أ. أن تحدد الدولة سياسات طويلة الأجل تتعلق بالضرائب وأسعار الطاقة وحقوق العمال والزراعة (نوعية المحاصيل والعوائد المرتبطة بها).. إلخ.

‌ب. القيام بعدة مشروعات قومية كتنمية محور قناة السويس، إعادة بناء جميع عشوائيات مصر بكود بناء موحد، وحل مشكلة أطفال الشوارع بشكل تنموي وإعادة النظر بشكل كامل في الخريطة الزراعية وكذلك معالجة انتشار الفشل الكبدي (فيروس سي) لـ 10% من المواطنين، إلخ .. (ملاحظة: نستطيع أن نتفق على عناوين للمشروعات ولكن نختلف من ''الباء إلى الياء'' فيما يتعلق بحقيقة وتفاصيل هذه المشروعات – نتفق فقط على العنوان: ''الألف''! فالموضوع ليس العنوان ولكن تفاصيله).

‌ج. إيجاد طريقة قانونية للتعامل مع البلاغات الكاذبة بحيث يعاقب مقدم البلاغ في حالة الكذب حيث أن كثير من البلاغات المقدمة والتغطية الإعلامية المرتبطة بها تؤثر بشكل سلبي على المناخ الاستثماري في مصر.

‌د. إصدار قانون يحمي موظفي الدولة من الأخطاء الناشئة عن سوء التقدير حتى تحرر الأيادي المشلولة والمرتعشة لأنه لا يُعقل أن كل موظف في الدولة خائف وبحق أن يوقع على ورقة. لست دارساً للقانون ولكن يجب حماية الأخطاء التقديرية لأنها يجب أن تحدث وإلا لن يتخذ أي قرار خوفاً من الخطأ كما حدث في آخر عامين.

هـ .   إعلاء دولة القانون.. وفي هذا السياق أود أن أقول أنني لست من مؤيدي التصالـح مع فاسد علـى أن تكـون التحقيقات والاتهامات والإدانات مرتبطة بالوقائع والحقائق وليس بأمور أخرى وإذا قرر الوطن التصالح فيجب وضع إطار قانوني وقواعد لعمليات التصالح حماية للوطن وللمفاوض الحكومي.

الخاتمة..  العنف.. فساد العقل.. المستقبل

الشعب الذي يريد تغيير النظام، يريد تغيير طريقة عقيمة في التفكير (أسميها فساد العقل) الموضوع ليس يسار أو يمين، أصالة أو معاصرة، إسلامي أو مدنى، ... ولكن هي احترام لعقول الناس.. عقول بشر.. احترام لنبض وضمير أمة.

إن الطفل المحروم والمهمش الذى يمر أمام سيارة ويأخذ قطعة حجر من الأرض ليخدش السيارة قد أخطأ قانونياً، ولكن من منطلق اجتماعي يعبر عن عدم العدالة والحرمان، الأمر يبدو لي مختلفاً.

ان الطبيعة الإنسانية ليست عنيفة بطبيعتها، العنف يتولد عندما لا تتلاقى التطلعات والآمال مع الواقع وعندما تُغتال الأحلام، وبدون تحسن الأوضاع الاقتصادية بعملية جراحية متكاملة فإن المستقبل الاقتصادي متوسط الأجل شديد الخطورة...

في النهاية أود أن أؤكد أنه بالرغم من ''تجريف'' و''تسطيح'' الأرض، سيبقى للأرض كبريائها.. سيأتي يوما – إن شاء الله  قريباَ –  تستعيد ''ريادتها''.

إعلان

إعلان

إعلان