لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حازم دياب يكتب: كيف أحرق ''عارف'' قسم الأزبكية؟

حازم دياب

حازم دياب يكتب: كيف أحرق ''عارف'' قسم الأزبكية؟

02:31 م الخميس 02 أكتوبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- حازم دياب:

''((والغربة...حزن يصيب المشاعر في القلب...فترحل)) فاجعلني حلما حط بلا صوت على قلبها...فنامت قريرة العين واجعلني قلب عجوز...ما بين ندم وخوف ورجاء وطمأنينة ثم اجعلني نورا... وضعني في قلبك!''

يقول القاضي بنبرة سريعة، حكمه على أكثر من ستين شخصا، يقرر أنه بعد الاطلاع على ما بين يديه من أوراق في قضية سمّت إعلامياً بـ''أحداث الأزبكية'' بأن هناك 63 متهماً وجب حبسهم 15 عاماً ووضعهم بعد ذلك تحت المراقبة لخمس سنوات، وأن هناك 5 آخرين يستحقون الحبس لعشر سنوات فقط.

كان من بين الثلاثة وستين، شاب يدعى عبد الرحمن عارف.

''والغربة...برودة بين الأفكار وبعضها في العقل...فتتبعث فاجعلني دفئا كامل الأوصاف والوجود...ودلِّك ساقيها واجعلني قلب طفل...بكل ما فيه من براءة وحب وخبث ثم اجعلني سماءً... وارشقني بالحجارة والسباب!''.

لا تكاد تشعر بوجوده، هادئ حد الخرس، يوزّع الابتسامات من قبيل المجاملات كي يحس محدثة بالألفة، تارة يربي شعره حتى يحجب الشمس عن مجاوره، وتارة يجزه حتى تحرق الشمس فروة رأسه، متقلب الأهواء، يقتله الملل، يختفي عن الناس ويؤثر العمل والكتابة، لا يحب الصخب، يبتعد عن كل ما يؤرق حياته خجلاً.

تقول النيابة إن عبد الرحمن عارف، متهم في القضية رقم 10325 لسنة 2013 جنايات الأزبكية، حيث قام بارتكاب جرائم القتل العمد والشروع في القتل العمد والتجمهر بغرض تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح ومحاولة اقتحام ميدان التحرير والتعدي على المواطنين به والتأثير على سلطات الدولة والاعتداء على الأشخاص وإتلاف الممتلكات العامة ومقاومة السلطات.

''والغربة...هبوب الحيرة في اليقين...وغصة في الروح

فاجعلني طمأنينة وسكون...وأسكنِّي قلبها

واجعلني قُبلة...وقبلني

واجعلني صلاة...واقبلني

ثم اجعلني حضنا...

واختزنِّي للقاءٍ آخر!''

قسوة الشعور بالعجز لا تُضاهى، لهذا السبب حين مرت اسوأ اللحظات على النبي محمد، كانت لحظات بالعجز وقلة الحيلة والهوان على الناس.

رؤية الأصدقاء يتوسدون بلاط السجن عجز استمرار الحياة وهم ينتظرون سرفيس السجن عجز الاكتفاء بالتنهيد والحسبنة، عجز سماع هتافات المعتقلين في عربات الترحيلات، وشماتة المواطنين الشرفاء عجز مرور المناسبات السعيدة بشكل تعيس على المعتقلين، عجز حبس شاعر لمجرد أنه كان يمشي وأخيه في مكان المظاهرات عجز انطواء حلم الثورة والتركيز في رغبة الهجرة عجز أن يبدأ عبد الرحمن حياته في الأربعين بدلا من 25 عجز الشجار حول ماهية 25 يناير عجز وجود أحمد موسى كأكثر الإعلاميين مشاهدة عجز.

في بلادنا حضن المحب لمحبوبته يصور وينشر في المواقع كونه فضيحة، لكن التبوّل في الشوارع ضرورة كونية، في بلادنا يُحكم على مستغل لضعف 35 سيدة في المحلة بعامين، ويحول أمين شرطة مغتصب لفتاة مريضة للجنح، ويحول الشباب إلى الجنايات، لا يهم مستقبل الآلاف، أو دموع الأمهات وحسرة الآباء، المهم ''اضرب بيد من حديد''، حتى لو وصلت تلك اليد للإعدام.

قاضي ''الإعدام'' في المنيا حكم على مئات المتهمين دون معرفة تفاصيلهم، حيث اعترف بمعرفة وجود طفل ضمن المتهمين من الجرائد، هل عرف قاضي أحداث الأزبكية، أنه تم الحكم على الصبي علي عارف ذو ال19 ربيعا فقط، وهل شرع الصبي في القتل؟.. وهل يمكن أن يتلف أخيه عبد الرحمن عارف خريج الحقوق والرسام والشاعر ممتلكات عامة؟ وهل كل المتهمين ألصقت بهم تهمة الانتماء لجماعة محظورة؟..

هل فكّر سيادة القاضي في أن يسأل نفسه أي سؤال عن المتهمين أصلاً؟.

''والغربة...انقسام في القلب بين الحبيب...والذات

فاجعلني إلى قسمين متساويين...لها

واجعلني قلب فراشة مسجونة...واتركني أحلق فيك، بحثا عن منفذ ما

ثم اجعلني صمتا...

واستمع إليَّ!

أفكر في نفسية المسجون، لا أفكّر في عارف (كما يحب أن يطلق أصدقاء عبد الرحمن عليه) وحده، بل في كل معتقل، عارف مثلاً مر أكثر من عام على وجوده داخل السجن، كيف لفرد يكره روتين الحياة أن ينصاع لتعليمات الحبس، أن يكون الأكل بموعد والكلام بحساب والقراءة ممنوعة والكتابة ضرب من مستحيل، كيف يمكن لمسؤول أيا كان أن يقرر مستقبل أفراد دون الفحص، هل يمكن أن يكون النداء المجتمعي مؤثرا في معنى العدل لهذا الحد؟.

إبان ثورة يناير، حين كان الكثيرون يسخرون من الشهداء، كنت أدعو بأن يحرق الله قلبه في ابنه، الآن أدعو بنفس الدعوة في كل من يشمت في محبوس أو مهان.

يقول صلاح عبد الصبور ''لا أدري كيف ترعرع في وادينا، كل هذا القدر من السفلة والأوغاد''.

أفكّر في عارف لو استمر حبسه، لو خرج من الحبس ليبدأ حياته بعد الأربعين ورفاقه يستعدون للدروس الخصوصية لأبنائهم، أفكّر في هدوئه هل يستمر؟.. هل يمكن أن يختفي عبد الرحمن الذي نعرفه، هل يتوقف عن كتابة الشعر ورسم التصميمات الفنيّة ليفكّر في العزلة، هل يمكن أن أشطح وأتوقّع تحوّله لإرهابي فعلاً على طريقة سليم فواز في مسلسل ''عد تنازلي'' ويقطع علاقته بنا من أجل الانتقام لمستقبله الذي ضاع بالفعل؟.

''((والغربة...غربة النفس في نفسها...وانفصال)) فاجعلني أي شيء عظيما أو عاديا...أو حتى سيئا -لن أبالي-

فاجعلني أي شيء غير ما كنت...

اجعلني أي شيء عداي...

ثم اجعلني طريقا إلى ما تريد...واسلك سواي

واجعلني قلبا...وببساطة...حطِّمني''

الأشعار السالفة للمحبوس عبد الرحمن عارف.

*المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي مصراوي

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان