إعلان

طبلة وزمارة..!

محمد احمد فؤاد

طبلة وزمارة..!

03:43 م الإثنين 01 ديسمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

شئنا أم أبينا.. كان الإعلام وسيظل هو البديل الشرعي الأمثل للتعليم حين يصاب الأخير بعلة أو عطب.. وهو منذ أن وجِد، استحق عن جدارة لقب السلطة الرابعة داخل أي مجتمع حديث، وقد تتنوع ملامحه الإخبارية والفكرية لأغراض شديدة السمو، مثل نشر التوعية والفكر المستنير، وإبراز الحقائق، بالإضافة للتوجيه المعنوي، خصوصاً في حالات السلم والحرب وهذا هو مربط الفرس كما يقولون..!

لا شك أن معظمنا انتابته مؤخراً مشاعر مختلطة تجاه كل ما هو إعلامي، أو على أقل تقدير تعرضنا لأنماط من الريبة والدهشة تجاه التباين الواضح في الاداء المهني الإعلامي، سواء المرئي أو المسموع أو المقروء، أو حتى داخل أوساط التواصل الاجتماعي الإلكتروني، تلك التي بات نشاطها يشكل تهديداً مباشراً لعروش متعهدي الإتجار بالأكاذيب والفضائح.. وأيضاً لتعاظم خطورته على كل من لا يحسن وسائل التعامل معه.. هذا وتتراوح تلك المشاعر لدى المتلقي العادي بين الاستسلام والتصديق المطلق، وبين الحيطة والتكذيب المشروط، والأمر هنا مرتبط بقدرات الكيان الإعلامي على استغلال المساحة المتاحة بينه وبين المتلقي، لكي يعرض أو يفرض عليه ما لديه من مواد متعددة..! وهنا ربما وجب التوقف قليلاً أمام حالة التزاوج غير الشرعي التي حدثت بين الإعلام والإعلان، والتي تبلورت تماماً مع مطلع القرن الحالي، وأظنها أفرزت أغلب ما نعانيه حالياً من حالات مستعصية من الأمراض المجتمعية المختلفة، لا لشيء إلا لأنها رسخت عن عمد لعلاقة الاستغلالية الصريحة تجاه حالة الجهل والعوز لدى المتلقي والمتابع البسيط، وأيضاً لارتباطها المباشر بحالة الشراهة الاستهلاكية التي واكبت الثورة الإلكترونية الحديثة، والتي ضاعفت بالفعل من قدرات الأجهزة الإعلامية في التأثير على المتلقي وملاحقته في كل مكان وزمان بلا أدنى شفقة أو هوادة..

فكرة نشر أو إذاعة النبأ والخبر، أو التعريف بحدث ما، أو بخبر جديد هي فكرة ذات خلفية تاريخية، وقد مرت بمراحل متعددة من التطور، ربما سمع بعضنا عن شخصيات هامشية برزت في حقب التاريخ المختلفة كشخصية ''المِجَبّي'' وشخصية ''المُنادي'' ، وهي لم لا يعلم شخصيات كانت تتحمل المسئولية الإعلامية بالكامل في عصرها فقط بما يتوافر لها من أدوات بدائية بسيطة، وبالطبع قبل اختراع البريد والجريدة وغيرها من وسائل التواصل التي أصبحت عتيقة بمفاهيم عصرنا الحالي.. المِجَبّي كان هو الشخص الذي يجوب المدن والقرى والنجوع لجمع أخر الأخبار ونقلها من مكان إلى أخر، وكان اهتمامه يتعلق في الغالب بالأخبار الاجتماعية كالوفيات والمواليد أو الاحتفالات وغيرها مما يتطلب معرفة مسبقة لتحديد أنواع المجاملات بين الأهالي في البلدان المختلفة، والمِجَبّي ليست وظيفة رسمية يتقاضى من يقوم بها أجراً ثابتاً، لكنه كان يحظى عادة بتقدير مادي أو معنوي نظير القيام بها، واستمراريته كانت دائماً مشروطة بالمصداقية والدقة.. أما وظيفة المُنادي فكانت في عِداد الوظائف الرسمية، ويقوم بها شخص معين نظير أجر يحصل عليه من صاحب الإعلان، وكان على من يقوم بها أن يستخدم ألة تحدث صوتاً ينبئ بقدومه - في الغالب طبلة أو زمارة- ليجتمع العوام حوله في الأسواق أو الميادين فيطلعهم رسمياً على القرارات أو الإعلانات المستجدة بالبلدة.. وهكذا من المثالين السابقين، ربما يتضح لنا كيف كانت البدايات الأولى لمهنة الإعلام..

اليوم وللعجب أرانا مازلنا نحيا مع الطبلة والزمارة..! ولكن بصورة يخجل القلم أمام توصيفها.. طفرة مذهلة من المفترض أن تنعكس بالإيجاب على المهنة حدثت في مجال الأدوات والوسائط الإعلامية، حتى أن البث الحي للأحداث أصبح في متناول الشخص العادي بواسطة هاتف نقال صغير الحجم قد لا يتعدى وزنه بضعة جرامات.. لكن المؤسف أن هذا التقدم المدهش في التقنيات الحديثة ارتبط مباشرة بحالة فريدة من الانتهازية والاستغلالية المقيتة لاحتياجات المواطن البسيط.. واقترن الحصول على الخبر أو المعلومة أو الحقيقة المجردة بعملية تجارية شديدة التعقيد، تبدأ بإعلان مغري عن سلعة ما، ثم تمر بحلقات متصلة من الملاحقة المستمرة، وغالباً ما تنتهي بقناعة راسخة لدى المتلقي بأنه لن يستطع أن يستمر في الحياة إذا لم يحصل على السلعة المعروضة وبأقصى سرعة قبل أن تحل محلها أخرى أكثر تأثيراً وجاذبية..

والسؤال المحير هنا.. كيف يُعقَل مع هذا التقدم والتحديث المستمر في مجال الإعلام أن يظل البعض متمسكاً بالطبلة والزمارة..؟ ليس فقط كأدوات إعلام عفا عليها الزمان، ولكن لتطويعها وتوظيفها لسوء الاستخدام.. فالطبلة ترمز اليوم مجازاً للتملق الأعمى والتهليل الصفيق، كما ترمز أيضاً لمحترفي الإتجار بالفضائح والتشهير والتنكيل المعنوي بكل من تسول له نفسه معارضة التوجه أو المزاج الخاص للكيان الإعلامي المقصود، والزمارة هي الألة الأعلى ضجيجاً، وستجدها تصلح تماماً للدعاية ولحملات الترويج التسويقي المصاحب لحشر أكبر كم ممكن من المواد الإعلانية في أقل مساحة زمنية ممكنة، وهذا هو غاية المراد من رب العباد لما سيتحقق بفضلها من انتعاش اقتصادي مضمون لكل كيان إقطاعي مستغل يقف متخفياً خلف الضمائر الخربة، أو متلصصاً وراء ستار النقاء والعفة التي هي منه براء..!؟

إعلان