لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

''أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا''

''أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا''

10:53 م الأحد 16 فبراير 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- أيمن شعبان:

قاهرة المعز الساحرة خطفتني منذ اللحظة الأولى التي وطئتها قدماي قبل حوالي عشر سنوات وقت أن كان الرحيل إليها ضرورة للبحث عن الذات في عالم مهنة البحث عن المتاعب، ومن حينها عشقت السير بشوارعها مستنشقًا عبق التاريخ من أحيائها العريقة، وأصالة شعبها من ملامح قاطنيها، واستشراف مستقبلها من جنونها المعهود..

كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، وكعادة ليالي الشتاء القاهرية يغلفها ظلام دامس، تكسر حدته أضواء هنا أو هناك، ولا تخلو من جلسات سمر مع رفاق امتهنوا الصحافة والصعلكة مثلي، كنت سائرًا بشارع قصر العيني، متفرسًا كعادتي وجوه البشر، وملامح المباني العتيقة، واضعًا في أذنيّ سماعات الهاتف، حيث كانت ترددات الراديو تتراقص على أغنية ''تسلم الأيادي..''.

كانت الأفكار تتدافع في رأسي كأمواج بحر شتوية تنكسر على رمال الشاطئ، إحداها كانت تتعلق بمصير ''كرسي العمودية'' بعد تأكيدات عمدة قريتنا عدم خوضه الانتخابات المقبلة، واكتفائه بما قدم وما طاله من اتهامات تتعلق بانتمائه للنظام السابق، وأخرى تتعلق بتقصيره في عمله بعد أن باتت قريتنا مرتعًا للصوص، وقاطعي الطريق، والسخط العام على أداء الخفر الذين لا يتحركون إلا إذا كان الضحية من ذوي الأنساب والأحساب.

رن جرس الهاتف.. إنه أحد أقاربي يطلب مساعدتي بالتوسط لدى شيخ الخفر لمساعدته في استعادة ''بقرته الوحيدة'' التي سرقها لصوص نهارًا سطوا عليها أمام ناظريه، ولضعف أصابه، وقله أنصاره وقف في مشهد المتفرج، باكيًا شاكيًا من تهاون الخفر، ومن استسلام أهالي القرية وامتناعهم عن مساعدته وإن جاء المبرر على لسانه بأنهم أعيتهم الحاجة، والحيلة، وأغلبهم إما لا يملك ما يسرق، أو كان ضحية لحادث سابق، شاكيًا من انشغال العمدة وشيخ الخفر بالاستعداد والتربيط للانتخابات المقبلة، والبحث عن شخص أهل ثقة يصلح لخلافة العمدة الحالي.

أعيتني الحيلة، وشرد ذهني، فمنذ بداية الانفلات الأمني بات الناس ما بين سارق أو مسروق، ولا أمل بحل يلوح في الأفق، زاد شرودي بين وعود العمدة وشيخ الخفر المتكررة باستعادة الأمن شريطة أن يساعد المواطنون الشرفاء في تقبل إجراءات استثنائية لمكافحة ذلك الغول القادم من حيث لا ندري، والمجهول الذي نخشاه، وقطع شرودي، ومكالمة محدثي، كدمة خفيفة على الأذن تبعها اختفاء هاتفي الذي فضل أن يظل في يد شخص يستقل دراجة نارية خلف آخر يقود الدراجة خافيًا ملامحه وراء لثام.. تسمرت مكاني لثوان قبل أن أستوعب ما حدث، وطل في ذهني سؤال إلى متى يسرقون ويهربون بلا رادع، ولا حساب؟.

سرقونا في عهد العمدة الأسبق ولما اشتكينا قالوا إن الاستقرار لا يقدر بثمن، وإياكم والفوضى، وسرقونا في عهد حكم الخفر ولما تألمنا قالوا إنها فوضى أحدثها اللهو الخفي وستنتهي، وجاءنا العمدة السابق ولم يجدّ جديد، وقال سأفعلها ولم يفعلها، ويا ليته لم يقلها، وجاءنا قائد الخفر يطلب العون والتفويض وكعادتنا لم نقصر وفوضنا وباركنا، فعاقبونا وزادت السرقات وتدمير أقوات العباد، وممتلكات البلاد.. ساعات شرد فيها ذهني ولم أهتد لإجابة.

حاولت البحث عن حجم الأزمة وبعد البحث وجدت أن دوريات أجنبية تناولت معدلات الجريمة في مصر بعد تنحي العمدة الأسبق كاشفة عن تضاعف حالات الخطف بهدف الحصول على فدية والسطو المسلح وسرقة المنازل، إضافة إلى سرقة السيارات وجرائم القتل، وتظهر الأرقام أن معدلات الخطف بدافع الحصول على فدية ارتفعت حوالي 4 مرات، من 107 حالات سجلت قبل التنحي إلى 400 حالة بعد التنحي، كما تصاعدت سرقات المنازل، من قرابة 7 آلاف حالة إلى أكثر من 11 ألفا، وتضاعف السطو المسلح 12 مرة، من 233 حالة عام 2010 إلى قرابة 3 آلاف حالة سطو عام 2012، و5 آلاف حالة في 2013، وارتفعت حالات سرقة السيارات حوالي 4 أضعاف، من قرابة 5 آلاف سرقة إلى أكثر من 21 ألف حالة عام 2012، ووصلت حالات القتل إلى أكثر من ألفي حالة سنويا، بعد أن كانت تلك الأرقام لا تزيد على ألف حالة سنويا قبل التنحي.

انتهى بي المطاف وشرود الذهن والأفكار، وإحباطي من كارثية الإحصائيات التي ربما يكون الواقع أسوأ منها، إلى سريري أغالب النوم لساعات يكاد يقتلني الأرق، ولم يهدئ روعي سوى صوت آت من بعيد وكأنه من مخيلة حلم أو رؤية، وفيما يرى النائم سمعت الداعي يقول: ''من يتصور أنه بالعنف أو الإرهاب سيهزم الشعب فهو واهم.. في حالة أن تم اللجوء للعنف والإرهاب يفوض الجيش والشرطة باتخاذ اللازم لمواجهة العنف والإرهاب.. مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا''.

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

 

إعلان

إعلان

إعلان