إعلان

مقال- الشعب المصري ''حبة الملح''

محمد منصور

مقال- الشعب المصري ''حبة الملح''

11:33 ص الأحد 27 أبريل 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد منصور:

في التشابك، يبدو الشعب المصري كحبة الملح، تحكمه معايير مختلفة، وتختلف ثقافات مناطقه تبعًا لجغرافية المكان، هنا ينتشر البدو، وهناك أهل الحضر وإخوانهم في القُرى، في الجنوب تختلف طباع أهل النوبة عن الأشراف وربما تتعارض مع العرب أو الهلالية، طبائع متعددة، مجتمع يحوي جميع المتناقضات، ليبرالي علماني إسلامي يساري واشتراكي، مسيحي أو مسلم أو حتي لا ديني أو ملحد، يتحدث الجميع بلغته الخاصة، ويعتقد الجميع أن رأيه هو الصواب، رغم أن عقولهم، على المستوي الفيزيائي والكيميائي والحيوي، غير قادرة على استيعاب المادة البيضاء.

الملح، ذلك المسحوق الذي يستخدمه الجميع لضبط مذاق الطعام، يُحذر منه الأطباء، فهو عندهم سُم أبيض، ويفرط في استخدامه البعض، فمن دونه، لا تصبح للوجبات طعم، يبقي في نهاية المطاف أحد المواد الغذائية المثيرة للجدل، فرغم تركيبته الكيميائية التي لا تزيد عن ذرتين مترابطتين برابطة من النوع الأيوني، إلا أنه يستعصي على الفهم، فالعقل البشري لا يستطيع تخزين جل البيانات الموجودة في ذرات ملح الطعام.

العبارة ليست مجازية، فالإنسان غير قادر على فهم طبيعة الترابط بين جزيئات حبة الملح، دعنا نتناول ميكروجرامًا واحدا من تلك المادة، ذرة صغيرة يستطيع أن يراها الشخص بالكاد، في تلك الحبة، تتراص مادتي الصوديوم والكلور بتناسق مُذهل، ذرة من العنصر الأول تقبع في سكون بجانب ذرة العُنصر الثاني، عدد مهول من ذرات الصوديوم والكلور يُقدره خبراء المواد بواحد وعن يمينه 16 صفرًا، ولفهم طبيعة العلاقة بين تلك الذرات يجب أن يتم دراسة طبيعة القوى التي تربط بينهما علاوة على أوضاعهم في الثلاث أبعاد وهذا يعني كمية مهولة من المعلومات التي لا يستطيع أن يستوعبها العقل البشري بأكمله.

المخ، تلك الآلة البشرية الجبارة والتي يعتقد البعض أن قدرتها الاستيعابية غير محدودة، يخضع في نهاية الأمر إلي الحسابات المنطقية، فلا شيء غير محدود، عدد الخلايا العصبية في الدماغ تُقدر بـ100 مليار خلية عصبية، تلك الخلايا هي المسئولة بشكل مباشر علي إنجاز جميع العمليات، الحسابية، المنطقية ،الكلامية، السماعية والخاصة بالرؤية، علاوة على كونها أدوات تخزين البيانات وآلية استرجعها، كل خلية عصبية واحدة ترتبط بنحو 1000 سلك من الأسلاك التي يُطلق عليها العلماء لفظ ''الدندريات''، وإذا تخيلنا أن كل ''دندرير'' يُعادل بايت واحد من المعلومات، فهذا يعني أن قدرة المخ على التخزين محدودة، فالمعلومات التي يستطيع المخ الاحتفاظ بها لا تزيد عن 100 تريليون معلومة وهو الرقم الذي يقل بمئة مرة عن حجم المعلومات في ميكروجرامًا واحدًا من الملح.

في مصر، يتعامل الكل مع الكل وكأن منطقهُ هو الأهم، ففي مصر كلٌ يغني على ليلاه، ولكن لا أحد يسمع لغناء الأخر، النقد على أشده، والتباعد أصبح العُرف السائد، الحكومة تعتقد أن لها حق الولاية على الشعب، والمعارضة تنتقد دون بدائل حقيقية والشعب يبقي فى النهاية بين مطرقة وسندان، فيتحول تدريجيًا إلى قنبلة موقوتة تنتظر أقل الضغوط لتنفجر مُطيحة بأخضر الأرض ويابسه.

التفكير الجماعي المبني على أُسس علمية والعمل المُضني وتوحيد الهدف والاتفاق والتوافق هم وسائل إخراج الدولة من عثرتها، الاستماع للأخر وتفنيد الآراء هي الطرق السديدة للارتقاء بمستويات المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، نبذ الأفكار الرجعية والذوبان فى جسد المواطنة والتضحية من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا هي الأساليب المُثلي لنبذ ثقافة الانفراد بالرأي، تفتيت المشكلات وتمحيصها والبحث عن أسبابها الحقيقية وإيجاد حلول جدية، وليست مسكنات، لها هي الأدوات التي يجب أن يستخدمها الشعب المصري لتفكيك وفهم لغز ذرة الملح.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان