لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الزيروقراطية هي الحل

محمد الصفتي

الزيروقراطية هي الحل

04:39 م الأربعاء 14 مايو 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد الصفتي:

لا يؤرّق المصريّون في تلك الأيّام العصيبة شيءٌ قدر ما يؤرّقهم الشأن العام، فيستيقظ كلٌّ منّا محمّل بهموم وأعباء قد لا يتعلّق أيٌّ منها بمشاكله ومتاعبه الشخصيّة فتجد هذا يحمل فوق رأسه ثأرًا يسعى لإشباعِه مهما كانت العواقب وذاك يحمل بين جنبيه حُلمًا يبغي تحقيقه مهما كانت التضحيات ولا رابط بينهم سوى أنّ ما يحملونه من ثاراتٍ وأحلام لا يمتّ بثمّة صلة لأشخاصهم المجرّدة!

حالةٌ كتلك تعيشها الشعوب دوماً عندما يداهمها احتلالٌ خارجيّ أو يحيق ببلادها أحداث جسيمة كالكوارث الطبيعيّة الهائلة والثورات وتلقي تلك الحالة بظلالها الكثيفة على الجميع صغارًا وكبارًا فلا تستثني أحدا، وتطغى تلك الحالة على سلوكيّات البشر فيما بينهم بما لا يُقارن بأيّام الهدوء والاستقرار، فتجد زميل عملك الودود قد تحوّل إلى كيانٍ معادٍ يمتلئ تجاهك بالحقد والضغينة لمجرّد أنّك تنتمي فكريًّا لمعسكر يعدّه هو من الأوغاد وتجد ابنك أحيانًا يرمقك بنظراتٍ تحمل من الازدراء والاستخفاف ما لم تكن تحسبه ممكنًا من ذاك الصغير الّذي حملته بين يديك رضيعًا لا يملك من أمر نفسه شيئًا!

تحت وطأة تلك الحالة المقيتة تشعر أحيانًا أنّ البلاد لا تحتاج لرئيسٍ قويٍّ يدير شؤونها ويخطُب في أهلها بالوعود والوعيد قدر احتياجها لطبيبٍ نفسيٍّ ماهر يُجري جلسات علاج نفسي جماعي تعيد للناس بعضًا من الهدوء والسكينة وتعيد صياغة بروتوكول للتعايش المشترك فيما بينهم.

تُعيدنا الأحوال كلّ ساعة لما سمعناه على ألسنة العديدين من رموز نظام مبارك أوّلًا ثمّ لاحقًا من رموزٍ معارضةٍ أيضًا عن مدى جاهزيّة الشعب المصريّ لممارسة الديمقراطيّة التي اصطلح عليها الجميع كنظامٍ سياسيٍّ أوحدَ لا رجعة عنه ولا حيدة ولا بديل، وانطلاقًا من نزعة شوفينيّة وطنيّة مصطنعة لم يحاول أحد مناقشة ما يجب تأصيله في النفوس أوّلًا من قيم احترام حقّ الآخر المختلف في العيش الآمن والالتزام الكامل بما تقرّه القوانين التي تضعها المؤسسات الناشئة عن نتائج ممارسة الديمقراطيّة، والموازنة بين أداء الواجبات والمطالبة بالحقوق، وممارسة الحياة الطبيعيّة في ظلّ التسليم بالهزيمة السياسيّة ورجوح الرأي المخالف لما تعتنقه!

مقارنة بسيطة عقدتها بين ما نفعله في بلادنا وما يفعله مواطنو الدول التي أوغلت في ممارسة الديمقراطية الغربيّة رمت بي في غيابات الاكتئاب، فعندما كنت اتابع مباراة كرة في الدوري الأسباني وتعادل فريق من أندية الوسط لا تعنيه النتيجة في شيء مع فريق ''أتليتكو مدريد'' المتصدّر والمتعطّش لتحقيق بطولة غائبة منذ سنواتٍ بعيدة؛ فحرمه من تتويجٍ فوريٍّ يجنّبه مواجهة خطرة مع فريق برشلونة الأسطوري بين جماهيره، توقّعت أن يدخل لاعبو مدريد المعروفون بعصبيّتهم في عراكٍ مع لاعبي فريق ''مالاجا'' الّذي (لعب بضمير زائد) في مباراة لا تهمّه وتوقّعت أن تهيج الجماهير وتنهال بالسباب على لاعبي ''مالاجا'' الّذين حرموهم من التتويج المنشود، ولكنّني فوجئت بسلوكٍ حضاريٍّ عجيبٍ من عناقٍ ودّيٍّ بين اللاعبين وتصفيقٍ وتشجيعٍ من الجماهير دون تعرّض للاعبي المنافس! قارنت على الفور ما نعيشه في مصر أثناء المواقف المماثلة من اللاعبين والجماهير، فنجد العصبيّة الزائدة والمشاجرات المفتعلة من لاعبي الفريق المتصدّر ونجد السباب المقذع والاتّهامات المرسلة من الجماهير بأنّ لاعبي الفريق الذي لا تهمّه النتيجة قد (لعبوا بضمير) مّما يعني أنّهم قد تلقّوا الرشاوى من الفريق المنافس على الصدارة!

كيف والحال هذا أن نفترض أنّ الناس سيتقبّلون أيّ نتائج تأتي بها الانتخابات؟ ألن يظلّ مؤيّدو المرشّح الخاسر قابعين في خانة (الخاسر السيء)؟ ألن يلوّحوا بالتزوير والانحياز من قبل مؤسسات الدولة للفائز وإن كان العالم بأسره مراقبًا لسير العمليّة الانتخابيّة؟ هل سيقبل الغلاة منهم –وهم كثر في كافّة المعسكرات- أن يعملوا تحت قيادة الفائز أم سيسعون لإفشاله بكافّة الوسائل ليثبتوا أنّ من انتخبوه كانوا ضالّين؟

هذا غيضٌ من فيض ما كشفته الثورات فينا ولا أدري حقًّا هل نستطيع يومًا أن نمارس الديمقراطيّة بما تستلزم من قبول ما يتحقّق من أمرٍ واقعٍ أم ستبقى ديمقراطيتنا دائمًا مجرّد وسيلة لا نقبل بنتائجها إلّا إذا وافقت أهواءنا؟ إنّ ما نمارسه من تخوينٍ وترهيبٍ وتشويهٍ على الهويّة طيلة السنوات الثلاث المنقضية لا يبشّر بخيرٍ على الإطلاق حتّى أنّني صرت أحلم بما يشبه انقطاع كهرباء جماعي عن عقولنا يعيدنا إلى حالة (الزيرو) كجهاز كومبيوتر تمّ محو ذاكرته وبرامجه فيستيقظ الجميع ذات يومٍ وقد انمحت ذكرياتهم وأحلامهم وثاراتهم وصاروا كصفحاتٍ بيضاء يخطُّ فيها الدهرُ ما شاء لعلّنا (نصابُ) بشيء من (الاستعداد) للديمقراطيّة التي يمكننا في تلك الحالة أن نطلق عليها بارتياح: (الزيروقراطيّة)!

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان