لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عالم مخ وكبدة..!

محمد أحمد فؤاد

عالم مخ وكبدة..!

09:39 م الأربعاء 27 أغسطس 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد أحمد فؤاد:

الاعتراف بالحق حالياً فضيحة، وليس فضيلة زي ما تعلمنا زمان..! وظني أن الوقت قد حان للاعتراف (الذي هو سيد الأدلة) بأن مشكلاتنا الأكبر في مصر هي مصائب سلوكية في المقام الأول.. وإذا ما سلمنا بأن 20% منها قد تسببه الظروف، فأن 80% باقية ترجع في الأساس لسلوكيات أدمية متدنية وبغيضة، وسلوكياتنا بلا استثناء ربما أصابتها العلل والأعطال بسبب أحد أمرين، الأول هو فساد عجينة التفكير المسماة بالمخ، والثاني هو ضعف وهوان الجسد بسبب متلازمة الفيروسات التي نهشت أكباد ملايين المصريين، ومازالت تلاحقهم بوقاحة في البر والبحر والجو..

والمثير للسخرية أن الشعب الوحيد في العالم الشغوف جداً بالوجبة الشعبية الشهيرة '' المخ والكبدة'' هو الشعب المصري، لدرجة إني أصبحت على قناعة بأنه يفضل أكلهم على استخدامهم، وهذا ربما يفسر كيف صرنا نعيش ونتعايش بدونهم تمامًا، وكيف أن الأمور أصبحت تدار تارة بالفهلوة والاستهبال، وأخرى بتساهيل ربنا.. فالمخ أصبح عملة نادرة، وبقى شاحح جداً في السوق.. والكبدة.. نقول أيه بقى.. ربنا يشفي كل مريض..! ويبقى لازم ولابُد وحتماً يكون في أسباب منطقية وعلمية مثيرة وراء هذا الاقبال الطاغي والعجيب على التهام الحتتين دول بالذات، وبالطحينة كمان..!

الغريب جداً في الموضوع هو أننا أصبحنا نحيا تقريباً داخل حقل تجارب كبير من كثرة الأدوية والعقاقير والمقويات المطروحة في الأسواق وعلى الأرصفة وفي محلات الشامبو المسماة مجازاً صيدليات، وهذا بالطبع يرجع لكرمنا الزائد وحسن استضافتنا لجميع أنواع الميكروبات والفيروسات والبكتيريا الضارة أو القاتلة على الرحب والسعة، حتى أننا أصبحنا نشغل مساحة شاسعة من اهتمام العالم بحالة اللامعقول التي نعيشها ونتعايش معها بشكل مذهل.. فأحياناً ينتقدونا بشدة ويسخرون منا، وأحيان أخرى يصعب عليهم حالنا، لكن دائماً ما نجحنا في أن ندهشهم بقدراتنا الاستثنائية على الحياة بأقل قدر ممكن من الأدمية والإنسانية واحترام بعضنا البعض، وأيضاً بتعاملنا باستسهال ومهادنة مع كافة أسباب الفقر والمرض والموت الجماعي أو الفردي التي هي صناعة محلية بامتياز وبدون مرتبة شرف..! شعب يتكاثر بسرعة الصاروخ، وفي أغلب الأحيان بلا داعي أو سبب بيئي مقنع، ولا تزعجه معدلات الفقر والتلوث والفساد الذي صنعه بيده لا بيد حد تاني، وتجده يأبى الاعتراف بذلك على طريقة ''مش أنا يا بيه''..! طيب بالمخ كده، لو لسه فاضل منه حاجة.. العيال اللي بتتولد دي تاكل منين؟ وتشرب منين؟ وتتكسي وتتعلم منين وإزاي وبكام..!؟

يا ترى الناس البسيطة دي بتستعبط، ولا عايشة فعلاً بقوة الإيمان والأمل فقط؟ وما السر وراء أن ثقتهم في المسئولين الجهابذة صارت بلا حدود، ووصلت لدرجة تسليمهم أعز ما يملكون وما لا يملكون..!؟ ما هو من المستحيل تخيل حالة البلادة والهوس اللي أصابت الناس وخلتهم يعيشوا بلا مبالاة وبلا اعتراض أو حتى مجرد سؤال ليه..! لدرجة إن الموت أصبح صديق حميم وزائر يومي معتاد في كل حي ومنطقة وكفر ونجع، يأتي ليهنئ أهلها بالمواليد الجدد، ثم يلتهمهم أفراداً وجماعات، وأحياناً بياخد منهم عينات على سبيل الدراسة والبحث العلمي أو التبرع كمان لمن يرغب، وأعترف إني كنت واحد من الناس اللي فضلت مستني لحد يوم 30 يونيو الماضي، وللأمانة كنت متعشم خير في الاختراع إياه بتاع فيروس سي هذا القاتل الصامت.. لكن الرياح أتت بما لا اشتهي أو يشتهي أي حد، وباين كده من التصريحات الفتاكة المسربة أخيراً على بعض وسائل منع الفهم (الإعلام سابقاً)، إن الموضوع متعثر..! ده إن ما كانش أونطة من الأساس.. وربما سيتم إحالته إلى فضيلة الحاتي، أو سيتم تسجيته على فراش من البقدونس لحين إعلان وفاته إكلينيكياً، ونشر النعي في الجريدة الرسمية بدون طحينة..

ويبقى كده مش فاضل غير شوية مخ ربنا يبارك لنا فيهم..! لكن يبارك ليه؟ ونعمل بيهم أيه والناس بطلت تفكر أصلاً..؟  وتفكر ليه لما كل حاجة طبقاً لرواية الباشمهندس/ تليفزيون بقت موجودة ومتاحة وعملية وضرورية في آن واحد.. يكفي أنك تقعد ساعة واحدة قدام الجهاز العجيب المسمى الباشمهندس/ تلفزيون، تلاقي يا محترم كل حاجة سهلة ورخيصة.. وما تنساش أبداً إنها عملية وضرورية! ولازم حضرتك تتصل الأن وليس غداً، لأنك لو خدت منها تلاته تاخد معاهم كمان خمسة هدية وقال أيه: الكمية محدودة.. شوف إزاي؟ وطبعاً كل ده زائد مصاريف الشحن..!

خد عندك بقى من الأجهزة والمستلزمات والكماليات اللي إنت أصلاً مش عايزها لأنك ببساطة مش قاعد في البيت، والمدام عماله تشتري وتركن في حاجات مالهاش أي لازمة، لكن ما تنساش طبعاً إنها عملية وضرورية..  عايز تلعب رياضة وتبقى بطل كمان؟ ماشي، سهلة قوي إلعب بلاي استيشن أو كاندي كراش أو لعبة الدبابات.. عايز تنزل أو تطلع وزنك؟ مافيش أي مشكلة، العقاقير والأعشاب والوصفات على قفا مين يشيل.. عايز تخلف عيال أو ما تخلفش برضه؟ كله بتمنه ما تقلقش هما كده كده حيتخلفوا لوحدهم، والبركة في الحبة الزرقاء والخضراء والبنفسجي بتعمل المعجزات..  عايز تبقى زي الأسد أو الخرتيت أو أي حيوان تحبه، ويطلع لك عضلات مش عارف منين وإزاي؟ مش مشكله خالص، كام حقنة في العضل ومش حتكلفك كتير.. عايز تشترى منتجع ساحلي مكيف الهواء على البحر أو في الصحراء وفيه مول تجاري وحمام سباحة وجنينة حيوانات ومكان للتزحلق على الجليد والأيس كريم كمان؟ ليه لأ، دي بسيطة قوي إدفع 50% مقدم والباقي سدده على 17 قرن ونجيبه لحد البيت كمان.. عايز تمَوت الحشرات والفئران والقطط وتمَوت معاهم أي حد مضايقك؟ برضه ممكن، الشركة الهلامية تنهي معاناتك وحياتك أيضاً وبضمان كمان..  عايز تكسب رحلة مش حاتروحها أو تاخد بتمنها لبان وشيكولاته؟ بسيطة إتصل الأن وإحنا في الخدمة.. عايز تحج أو تعمل عُمرة بدون مجهود وبثواب مضاعف؟  ربنا يقدرنا على فعل الخير بس تفتح مخك معانا..

يعني باختصار شوية المخ اللي فاضلين راحوا سيادتك قبل أن يرتد إليك بصرك خاسئاً.. ده إذا عرف يرتد أصلاً..!

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان