لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

قصة علبة الكشري التي قتلتها الداخلية

أحمد الليثي

قصة علبة الكشري التي قتلتها الداخلية

01:45 م الثلاثاء 27 يناير 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – أحمد الليثي:

1
لم يدر بخلد ''مينا'' أن اسمه سيلتصق يوما ما بـ''حسن البنا'' وجماعته، لم يكن يعلم أن ديانته ستصبح ضحكا ''مجروحًا'' يتندر بها العوام في بر مصر؛ كدلالة على ظلم الدولة، ربما كان اسمه مثارا للسخرية في فصول الأطفال عن ذلك الذي وحد القطرين، فيما كان سقوطه مُقسما للبلاد 600 حتة.

ربما كان يُفكر ''مينا'' ابن الأعوام العشرة في أدائه لإعراب تلك الجملة التي أخطأ تصريفها في قطعة النحو بامتحان نصف العام قبل أيام، وعن ''تعويرة'' ركبته في حصة الألعاب، يضحك وهو يتذكر مشاجرة رفاقه في شارعه الضيق في عين شمس الغربية وهم يدحرجون ''البلي'' نحو حفرة صغيرة جرحت يده وهو ينبشها، عن غدوة زادت قليل من الملح فاتخذها فرصة كي يثبت أنه ''راجل البيت''؛ بعدما تركه والده يتيما يرعى والدته واخته الوحيدة، يحلم بالحصول على دور في مسرحية الكنيسة الجديدة، يتوق إلى امتلاك ''عود'' مماثل لما يحمله صديقه الأقرب، كي يدندن به فيزعج حسن ابن الجيران بطريقة مغايرة.

يتساءل: لماذا يعج شارع المشروع دوما بـ''التكاتك''؟ هل يسمع فعلا ''الرب'' نداءه؟ هل يعني غروب الشمس ''نومها'' صدقًا؟ هل كان ''علي بابا والحرامية'' أشرارا أم أبطالا؟ هل أعجب بنت الجيران بقميص العيد الزاهي في 7 يناير؟ هل يجوز أصلا أن يتزوجها وهو يفكر أن يُضحي كاهنا يُعمد الصبية في الكنيسة؛ رغم أنه لم يحفظ الترانيم جيدا؟ لماذا ألقى أخوة يوسف شقيقهم في البئر كما قالت الأخت في حكاية قبل النوم؟ هل يمكنه أن يُصافح أبو تريكة فعلا؟ ما معنى كأس العالم؟ لماذا يصرخ المذيعون بشكل هستيري كل ليلة؟ هل حقا سيقابل والده في مكان ملئ بالأشجار والأنهار كما تخبره والدته كلما ألح في السؤال؟.

2

قتلت الدولة 20 من مواطنيها –والحصيلة تتقافز- في أقل من 12 ساعة في حي يسع لـ600 ألف مصري، بينهم قبطيان أصغرهم ''مينا''.

داخل مستشفى المطرية كان يسير الضابط حاملا سلاحه الميري متعدد الطلقات، يلتحف بـ''صديري'' واقٍ، تعلوه أماكن لحفظ الذخيرة تسع لنحو 100 طلقة، وتزيد، ينظر بعجرفة لأهالي الضحايا، يقول بلسان الحال ''اللي عندكو أعملوه''، يشير إلى عسكري يجاوره أن يحضر له شرابا ساخنا فالأمر يحتاج ''عدلة دماغ''، تنظر قِبله أم خرجت للتو من المشرحة، بذهول وعيون منتفخة أججتها الدموع تتساءل: ''وديتو ابني فين يا باشا؟''، رأته قبل لحظات في درج لحفظ الموتى، لكنها كانت تحلُم به عريسًا، مزهوًا، يُساندها في الكبر، تحمل أولاده، تُعانِقهم، تعلو محياها ابتسامة عن لثغة في الراء حملوها عن ابنها، تبالغ في الاهتمام بهم على حساب آخرين، تقول لزوجها وهي تناغشه بجدعنة ''يا أخويا.. أعز الولد ولد الولد''، تربت على كتفها طفلة صغيرة تتقطع كلماتها بالبكاء، يُخال لها الابن وهو يقيم وأدها، يطلب منها رُقية عند المرض، يحلف بطعامها وحنيتها بين الرفاق على القهوة، يقول ''أمي بـ100 راجل''، لكنه رحل، تأكدت وهي تسمع ''طراطيش كلام'' عن استخراج تصريح للدفن، كلمات عابرة من جارة تردد ''وائل الإبراشي بيقول: منهم لله الإخوان هما اللي موتوا ولادنا''، تُثبت عينيها في حنق فيصمت الجميع، ثم تصرخ ''ابني مامتش.. هاتولي حبيبي يا ولاد''.

3

الإخوان أيضا قتلة، لا يعترضون على حمل بعضهم للسلاح نهارًا جهارًا، يكتبون على واجهات المحلات المغلقة عبارات التوحيد وسب والدة الرئيس -وديانتها اليهودية- في نفس السطر، يهزؤون ممن يستنكر احتمالية عودة مرسي ''المزعومة''، يُنادون على سكان المطرية بملء الفم ''أنزلوا يا بهايم''، يحرقون أتوبيس نقل عام ويصرخون فيمن يحاول منعهم ''دي فلوس حكومة كافرة''، يرجون خراب البلد وانتكاس ''القرية الظالم أهلها'' طالما أنهم ''لا يركبون'' السلطة الآن.

غير أن الداخلية لا تنتقي أيهم ينال الثأر، لا يعرفون تنفيذا للقانون، ليس هناك تدريج في استخدام القوة، لماذا لا تختار الطلقة القدم بدلا من الصدر؟ وأين ذهب عصر فض المظاهرات بالمياه؟ في أي عهد غابر تعلموا الرش بالرصاص وفقط؟.. الشرطة دوما جديرة بحماية المنشآت والمُعارضون سبيلهم الموت، حتى السائرون على الأقدام صدفة؛ فالكل مُدان.

4

عقب صلاة العصر قرر ''أحمد محسن'' أن يؤدي طقسه الثابت كل جمعة بتناول ''علبة كشري''، توجه صوب أقرب محل، واشترى طلبه، غير أنه التقى عددا من ''صُحاب الحتة'' أخبروه بأن الضرب لـ''الركب'' في شوارع الحي الشعبي، غلبه فضوله، لم يكن يعلم الطالب بكلية السياحة والفنادق أن مدينة ''أون'' عاصمة مصر الفرعونية (المطرية حاليا)، تحولت لما يشبه سقوط بغداد، لم يتمكن أصدقاؤه من تنبيهه فسيارات الشرطة كانت قد أعلنت ''الجهاد''، سمّوا الله على ألا يخرجوا من أرض المعركة خاسرين، المصطفون ''خونة''، جميعهم يحمل لواء ''الجماعة المحظورة''، لذا كان لزاما أن يفتحوا النار عشوائيا، من طالته رصاصة يصير في عداد المنتحرين، حسب تقارير الطب الشرعي، أو في أحسن الأحوال سقط في مشاجرة مثلما أجبروا والد ''محسن'' على الإقرار بذلك، وهو يحمل جسد الشاب ''نوارة الحتة'' الذي لم يدخل عامه الواحد والعشرين بعد، الكل يتحاكى بأدبه، صوته الخفيض الذي لم يرتفع يوما، تماسكه ضد زملاء أفسدهم الوقوف على النواصي، لكنه هوى، حين لم يتقن التماسك هذه المرة؛ يحكي مجاوره أنه سقط صريعًا كبُنيان تفتت، بعد طلقة التصقت برأسه ففجرتها.

5

الطلقات تدوي، الرصاص ''حي''، ومحسن ''ميت''، لكنه لم يكن وحيدًا، سقط ولم تنعه الدولة، لم تُعلن الحداد لأنه لم يكن كبيرا للعرب، سقط وصار اسما يُملأ به ساعات الهواء في فضائيات تحتكر الحقيقة وتحتقر شعبها، سقط ''محسن'' و''مينا'' وسيسقط أخرون، في دولة ترعى ''الكُفتجية'' على حساب العِلم، تُكرم ''الراقصات'' في مدرجات الجامعة، وتسمح بخروج ''أبناء الطاغية'' في ذكرى الثورة.

الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن موقع مصراوي.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

 

إعلان

إعلان

إعلان