لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الهروب إلى اللا واقع..!

الهروب إلى اللا واقع..!

10:13 ص الإثنين 23 نوفمبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:
دوافع متعددة قد تضطر الإنسان إلى هروب اختياري، فتجده يترك عالم الواقع ليلجأ إلى عالم افتراضي حيث يظن أن باستطاعته بناء حدود قد تمنحه الطمأنينة.. لكنه سرعان ما يستفيق حين يداهمه الواقع بحقيقة تلك الحدود الهشة، لأنها ببساطة مستباحة ومخترقة، ولا توفر الحد الأدنى من الخصوصية..

هذا النمط من التطرف السلوكي الاختياري، وما يصاحبه من زهد في التفكير والتدبر لدى الغالبية العظمى منا، أظنه قد جُرفنا قسراً لنلجأ لهذا العالم الافتراضي حيث تسود عبودية الإنسان أمام ألة التكنولوجيا المفترسة.. وفي هذا أعترف بأن نظرية المؤامرة تقمصتني شخصياً بفعل الحصار الإلكتروني المُحكم على الرغم من محاولات مُضنية بذلتها لتوخي الحذر، حتى أصبح الشك عندي أكثر راحة ومصداقية من اليقين، وانتهى الأمر لدي بقناعة مفادها أنه مهما لمسنا من واقع صريح بصرف النظر عن طبيعته، فسنضطر للتوقف أمامه في حالة من التردد، بين مصدق ومكذب أو مؤيد ومعارض أو مستاء وشامت.. تلك الثنائيات التي أظنها نجحت في تعطيل قدرات أغلبنا على فك طلاسم الأزمات المتلاحقة التي داهمتنا مؤخراً، وأظهرت ما لدينا كشعب ومؤسسات من عجز وترهل يسببه بالطبع الجهل والتواكل والعفوية المفرطة..

وحتى لا نشطح بعيداً، دعونا نركز على لسان حال الخطاب السياسي الرسمي أو الشعبي، الذي طالما تبنى فكرة وحيدة مؤخراً، وهي أن مصر "مستهدفة"..! بغض النظر عن ماهية هذا الاستهداف وسبله في التغلغل لأغوار مجتمعنا، وكذا حقيقته سواء صدق حدسنا هذا أو لم يصدق، فالسؤال الأهم هو ماذا فعلنا نحن جميعاً لنقطع دابر هذا الاستهداف..؟ أظننا اكتفينا بتبادل الثنائيات سالفة الذكر، وذهبنا إلى أبعد درجات الخلل بحملات تخويف وتكذيب وتراشق وصل لحد التكفير في المعتقد والعقيدة، وتقليص مساحات الحرية بدعوى الوقاية الأمنية، واتهام كل معارض بالخيانة والعمالة مقابل أجر لمجرد إبداء رأي مخالف.. ليس هذا فقط، لكننا أوجدنا ترياق هذا التسمم المجتمعي أن جاز التعبير من رحم اعتناقنا لمذهب الفكاهة السلبية، فأصبحنا لا نبذل أي مجهود في سبيل التغيير غير التندر على أوضاعنا المغلوطة بالنكات والمقاطع المفبركة والصور الكاريكاتورية الفاضحة لكل من نختلف معهم سواء سياسياً أو فكرياً أو عقائدياً..!

اللعبة السياسية في المنطقة جاوزت قدرات من هم على الساحة من محاربين بالوكالة، وربما تحول المشهد الأن لمواجهة غير معلنة بين الكبار من عصابات سادة العالم.. روسيا التي فرضت نفسها بالقوة على ساحة صراعات الشرق الأوسط مرتع حلف الناتو منذ سنوات، اضطرت مُجبرة لإخلاء الأجواء المصرية تماماً من رعاياها إثر حادث سقوط طائرة لم يكتمل بعد رسمياً تصور نهائي لكيفية وقوعه.. بوتين رجل مصالح وليس قديس، أيقن بما له من قدرات استخباراتية هائلة أن عدوه أكبر من هذا الحادث، وأن المستهدف أساساً هو كرامة دولته وأمنها المباشر، لهذا جاء قراره الاحترازي حاسماً بصرف النظر عن مدى تأثيره على مصر أحد أهم حلفائه في المنطقة اقتصاديا وسياسياً.. وبالنظر لواقع الساحة الأوروبية المضطربة.. سنجد هناك بريطانيا التي لاتزال تتربص بالاتحاد الأوروبي، وتسعى بخطى ثابتة للتنصل من اتفاقياته، ومن ثم تفكيك عناصره التي باتت تهدد وحدة أراضيها مع تلويح تيارات قوية داخل إسكتلندا وايرلندا بالانفصال.. موجات الهجرة البائسة من الشرق الأوسط تجاه الشمال حملت معها رياح لا يشتهيها الأوروبيون جميعاً، وقد بات واضحاً أن الاستنفار الأمني على إثر حوادث باريس الأخيرة وما تبعها من تهديدات في دول أخرى لابد له وأن يضع الجميع أمام حزمة من القوانين والاجراءات الاستثنائية لن تخلو أبداً من ملامح الاضطهاد والعنصرية والقسوة، وربما ستساهم تبعاتها الاقتصادية في تفكيك الوحدة الأوروبية وربما سقوطها مبكراً لصالح قوى عظمى أخرى...

عودة للشأن المصري.. الواقع يؤكد أننا أمام تحديات اقتصادية وسياسية قاسية تستوجب أداء متزن بدون أخطاء من الجميع.. فتُرى هل ستنجح التعبئة المعنوية المكثفة التي يمارسها إعلام رسمي أظنه تخلى عن رسالته، وإعلام خاص هادف فقط للتربح، كلاهما نصب من نفسه مدافعاً سرمدياً عن عرش السلطة أياً كان من يعتليه سواء أصاب أم أخطأ..؟ وهل ستفلح الأجهزة المعاونة للحاكم في حمايته من شرور نفسه أولاً، ومما قد يستهدف رؤيته وطموحاته ثانياَ؟ هذا طالما أدمن هؤلاء على العمل بسياسات عقيمة تعظم من فرص انتشار العنف والتطرف بما ترسخ له من ألوان القمع الفكري وكسر الأقلام وحذف الاعتراضات ووأد المواهب وخنق الأصوات المطالبة بحقوقها في العدل والحرية..؟

لم يعد هناك مفر من مواجهة الأزمات بمنظور أكثر واقعية وعقلانية.. لننحي نظرية المؤامرة جانباً (ولو بصفة مؤقتة)، ولننظر بعمق وإمعان للمشهد الحقيقي وليس الافتراضي.. سنجد عزوف ملحوظ من الطبقة المثقفة عن التواجد الرسمي داخل الأزمات للمشاركة في إدارتها أو توجيهها بالرغم مما لها من مسئولية مباشرة عن نشر الوعي العام، ربما جدث هذا بسبب اليأس من حدوث تغيير، أو بفعل قرارات سيادية ناجمة عن عدم ثقة واضح بين أدوات السلطة وطبقة المثقفين خصوصاً الشباب منهم، وعلى الجانب الأخر نجد هناك من يتحدثون عن مصالحة مع أقطاب الفساد لاسترداد الأموال المنهوبة في عصر الطاغية مبارك في اشارة واضحة لثمة توجه لإعادتهم تدريجياً للمشهد، وأخرون تتجه نواياهم إلى التفاوض مع أقطاب جماعة الشر داخل محبسهم لإعادة مشاركتهم في الحياة السياسية لكن بشروط، وهناك من يظنون أن التبعية المفرطة في العلاقات الدولية مع دول الجوار والحلفاء قد تكفي لعبور الأزمات، وأخيراً أمامنا ما تبوح به حملات الانتخابات البرلمانية الفجة من صورة مشوهة لبرلمان سيقتسمه حتماً وحسب المؤشرات الأولية خليط من عصابات أصحاب المصالح المنتفعين، وموظفي وعواجيز الأجهزة الأمنية ممن تقاعدوا ومازالت تستهويهم شهوة السلطة.. الأمر الذي يُظهر شرخ واضح في المسافة بين ثورة الشعب يناير 2011 والمد الثوري التصحيحي يونيو 2013 وهو أمر يجب على الجميع من العقلاء تداركه..!

الخطورة تكمن دائماً في غياب المصداقية، وما يتبع هذا من انحسار الثقة بين الشعب والسلطة الحاكمة.. وهنا لن يُجدي أي هروب إلى عالم اللا واقع، وتصبح مسؤولية الانقلاب على الأوضاع المغلوطة لدينا مضاعفة ومقسمة بالتساوي بين رقابة شعبية مباشرة تهدف لنشر التوعية ويقودها المثقفون، وبين النظام الحاكم وأجهزة الدولة بشرط احترام الدستور وخضوع الجميع لأحكام القانون دون مزيد من الإجراءات الاستثنائية..!

إعلان

إعلان

إعلان