إعلان

الدببة لا تسبح في نهر النيل...

محمد أحمد فؤاد

الدببة لا تسبح في نهر النيل...

11:09 م الخميس 12 فبراير 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد أحمد فؤاد:

بالتأكيد لم يأت الدب الروسي إلى مصر ليستمتع بالشمس لبضع ساعات على ضفاف النيل وتحت سفح الأهرامات، وهو أيضاً لم يأتي من بلد البولشوي ليشاهد عروض البالية في دار الأوبرا المصرية، أو لتداعب أذنه أصوات طلقات مدفعية ربما انتجتها مصانعه الحربية المتفوقة في مجال تصنيع السلاح وتصديره.. لم أندهش وبوتين يقدم لرئيس مصر هدية هي فخر روسيا، وربما تكون أعز ما يملك رئيسها.. بندقية آلية من طراز كلاشينكوف أ ك 47 ، وهي لمن لا يعلم هدية ذات قيمة معنوية وتاريخية لروسيا، ودلالتها ربما تكون رسالة للعالم أرسلها الدب الروسي من أعلى نقطة في القاهرة وهي البرج الخرساني الذي تم تشييده في ستينات القرن الماضي بأموال أمريكية..!

زيارة بوتين لمصر لم تكن نزهة ترفيهية أو نزوة سياسية كما صورتها بعض وسائل الإعلام مع الأسف، لكنها بلا شك حدث هام يجب الانتباه له ولتبعاته التي قد تحتاج في تناولها لشئ من العقلانية والحذر، والأهم لعدم الإفراط في التفاؤل.. الثابت أن الرجل جاء إلى مصر لهدف محدد، وأظن هنا أنه محاولة صريحة ومباشرة للخروج ببلاده من دوامة الأزمات التي لاحقتها مؤخراً على أثر العقوبات المتلاحقة التي فرضها عليه الاتحاد الأوروبي من جهة، والولايات المتحدة الصديق اللدود من جهة أخرى.. فبالرغم من تظاهر روسيا بالتماسك وإظهار روح العناد والندية السياسية، لكن الواقع أنها اهتزت بشدة، وبات اقتصادها منهكاً، وتعرض لإنكماش قاس لأسباب متعددة، منها على سبيل المثال التراجع الممنهج في أسعار النفط العالمية الذي أثر بقوة على صادراتها، وأضعف من قدرات عملتها المحلية الروبل على المنافسة في أسواق النقد أمام العملات الأخرى.. فأكثر من نصف الميزانية الروسية يعتمد على النفط والغاز الذي تصدره لدول أوروبا، الأمر الذي يجعلها أكثر عرضة للأخطار حال فرض عقوبات إضافية على صادراتها من الوقود الحفري لدول القارة العجوز.. والضرر هنا متبادل ويصيب أيضاً الجانب الأخر بقسوة، فحوالي 25 في المائة من الغاز الذي تستهلكه دول أوروبا يأتي من روسيا وحدها..

مما لا شك فيه أن الإدارة المصرية الحالية نجحت بإقتدار حتى الأن، في الإبحار بأمان تجاه شاطئ التوازنات الدولية المعقدة، فاستطاعت مصر في غضون شهور معدودة استعادة دورها الحيوي في المحافل الدولية، وبعد فترات ابتعاد وركود تحسب بالطبع على الأنظمة الحاكمة السابقة، نجحت السياسات الخارجية المصرية في رسم ملامح واضحة للعلاقات مع دول الجوار ودول حوض النيل والدول العربية والأسيوية، وأيضاً الدول العظمى أصحاب الطموحات الاستعمارية في الشرق الأوسط، واستطاعت مصر في الوقت المناسب توجيه إنذار للدول الأكثر تضرراً من تبعات ظهور جماعات الشر والإرهاب، وهي تسعى جدياً لتكوين جبهة من الدول المتضررة أملاً في تحجيم دوره ومحاصرته، ومن ثم التغلب عليه ودحره نهائياً وهو أمر سيتطلب تضافر جهود وسعي إيجابي من جانب كل الأطراف المعنية، بالإضافة إلى تحديات اقتصادية واجتماعية باهظة.. لذا وجب علينا أن نتوقف كثيراً أمام زيارة الدب الروسي لمصر، وأن نقوم بهدوء بتقييم مجموع نتائجها في ضوء الاتفاقات والصفقات التي نظن أنها تصب في مصلحة مصر، هذا بالطبع دون إغفال الاستفادة التي ستعود على الجانب الأخر، ومدى قدرة مصر على مساعدته في التغلب على عثراته المتلاحقة..

روسيا خسرت الكثير مؤخراً، وأتمنى ألا يأتي تعويض خسائرها على حساب طموحات الشعب المصري، فبالرغم من تظاهر الدب الروسي بالثبات والحيوية خلال إطلالاته، إلا أنه بعد انهياراته الاقتصادية المتلاحقة بات يتوخى الحذر في كل بياناته وتصريحاته، ويبدو أنه يسعى جاهداً لتعويض خسائره الاستراتيجية ربما عن طريق المزايدة على توازنات السيادة والاستقرار في المنطقة، وهي مقومات أساسية تسعى مصر لاستعادتها مرة أخرى.. روسيا خسرت مرحلياً سيطرتها المطلقة على منطقة البحر الأسود نتيجة للأزمة الطاحنة التي تورطت فيها في أوكرنيا أمام دول الاتحاد الأوروبي المرتبك هو أيضاً، وهي التي قد تنتهي بما لا يشتهي الدب الروسي الجريح، وتبعده تماماً عن المنافسة على النفوذ الاستعماري مع عصابات سادة العالم للسيطرة على ممرات الملاحة والتجارة، وشبكات وأبار النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط.. أبناء العم سام أجادوا سياسة التوريط التي احترفوها منذ زمن، فهم من وضعوا روسيا في مواجهة ضروس مع الاتحاد الأوروبي، وهم أيضاً من قطعوا ذراعها القوي في الشرق الأوسط وهو سوريا، ونجحوا في تعطيل التفاهمات بينها وبين حليف متطلع لحضور أكثر بريقاً وهو تركيا، وعكروا صفو العلاقة بينها وبين حليفها الدائم إيران بإغراء الأخيرة وغوايتها بميراث عرش ونفوذ أل سعود في الجزيرة العربية.. وفي نفس الوقت نجحوا في توريط الدول العربية كافة في مواجهة مصيرية مع أغنى جماعة إرهابية في العالم وهي قطيع الخنازير الملتحية داعش، هذا الذي استفاد من أخطاء سلفه البغيض تنظيم القاعدة الأمريكي الصنع، فاعتمدت على دخل ثابت من تهريب النفط المنهوب من سوريا والعراق بدلاً من الاعتماد على الهبات والتبرعات فقط، والتي يسهل السيطرة عليها ومنعها إذا ما تم رصدها.. أما النفط فهو يتسلل من الأراضي العراقية والسورية عبر تركيا وإيران والأردن بسعر يتراوح بين 25 إلى 50 دولار للبرميل، الأمر الذي يستنزف قدرات الدول المصدرة للبترول والتي لا تسبح بحمد أمريكا، وأيضاً يكسر شوكة روسيا اقتصادياً إذا ما وصل هذا البترول للدول المستفيدة وبهذا الثمن البخس...

تلك هي ربما نظرة مختلفة لأبعاد الزيارة التاريخية الأخيرة للرئيس الروسي لمصر، لكنها أيضاً تعد تحذير واجب من الإفراط في التفاؤل دون الحذر، فالرياح لا تأتي دائماً بما تشتهي السفن، والدببة ليست بالضرورة تهوى السباحة في نهر النيل..!

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبه ولا تعبر بالضرورة عن موقع مصراوي.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان