لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الحرية.. الفريضة الغائبة!

الحرية.. الفريضة الغائبة!

10:21 ص الخميس 23 أبريل 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد أحمد فؤاد:

العجب هو ما صارت إليه أمورنا في هذا البلد المسكين.. أي هوان وتدني في مستوى الخطاب الفكري والديني أو أياً كان اسمه..!؟ الجميع تحدث وصرخ وتصايح.. ولاذ العقل بالصمت، وعلى ما يبدو أن السواد الأعظم أعلن موافقة صريحة أو ضمنية على مبدأ وأد حرية التعبير والفكر، وقتلها ببطئ، وبأبشع ما تكون أدوات التنكيل، فقط لارتعابهم من مغبة الخوض فيما نسب زيفاً لثوابت الدين!.

كيف صارت بنا الأمور إلى أن تُقدم الهوامش على الأصول، وأن يجلس بعض أصحاب الدين الواحد ليتناظروا أو يزايدوا على من منهم الأكثر صواباً..؟ ثم تجدهم يتراشقون أو ينتهون إلى الاحتكام لاستحسانات الرأي العام فيما وصلوا إليه من خلاف غير عابئين بمبادئ حرية الفكر والعقيدة التي غرسها ورسخ لها الدين الإسلامي قبل عشرات القرون، وعلى أساس مبدأ الشورى..! تتكلمون يا من نجحتم في تحويل الدين من عقيدة إلى وجهة نظر عن الفرائض..! حسناً.. اعلموا أن الحرية هي الفريضة الغائبة، وهي الكلمة التي تؤرقكم وتقد مضاجعكم، أنتم يا جوقة السلطان يا من لا تجدوا الراحة ورغد العيش إلا في صمت زنازين السمع والطاعة التي بنيتموها من أفكار وقيود متحجرة ما أنزل الله بها من سلطان.

ربما حان الوقت لتراجعوا أنفسكم قبل فوات الأوان، ولتعترفوا بأن الدين الإسلامي هو أول دين يراعي الحرية التي هي الفطرة الإنسانية في تشريعاته كافة، وهو لم يخالفها البتة، لكنه عمل ويعمل دائماً وإلى يوم الدين على تنظيمها وتقويمها، واذكركم بأن مناهج الفقه التي تدرسونها تنص على أن الأصل في الأشياء هو الإباحة وليس المنع أو الحظر أو الحجب..!.

رسخ الإسلام للحرية بين البشر في كل شئ، ورسم الخط الفاصل بوضوح بين الطاعة والمعصية في القرآن الكريم، وقصر وجوب عبودية الإنسان لله سبحانه وتعالى فقط دون ما سواه، والضابط المفترض لهذا هو مبدأ الثواب والعقاب للفصل في كل ما هو دنيوي.. في محاكم التفتيش يوهمونك بأنهم يعلمون وأنت لا تعلم، يفقهون وأنت لا تفقه، يدركون وأنت بدونهم غير مدرك..! لهذا كان العقل هو الفيصل، وليس لبشر حق الشق عن الصدور أو تفتيش الضمائر، وللإنسان الحق في الاحتكام للعقل طالما ضاقت سبل الفهم أو اختلطت الأمور بين أصحاب التفاسير..! ليس بالعمامة وحدها يحيا الإنسان، وقليلون هم من يدركون هذا المعنى مع الأسف.

الإسلام لم يختلف مع المسيحية واليهودية في المبدأ وهو عبادة الله، وإن اختلف معهم في الكثير من التفاصيل.. وفي هذا يكون المجال مفتوح للجدل والحوار بالحسنى لتصحيح ما قد نستطيع تسميته بالأخطاء أو الخلافات الفرعية، أما من يعتدي ويشهر سيف القوة لفرض أمر عقائدي مخالف، ويُحرم حرية الاعتقاد فهذا شأن أخر.. وقد كانت الجزيرة العربية تعج بأصحاب الملل المختلفة من أهل الكتاب ومن الكفار وغيرهم، ومع ذلك لم يقاتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ألا من وقف بالقوة في وجه الدعوة وناصبها العداء، أو أعان على حربها أو نكث العهد.. وكان رسول الله قد تعهد لنصارى نجران بضمان حريتهم الدينية في عباداتهم وشعائرهم، حيث كتب إلى الأسقف/ أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم ما تضمن "أن لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا شئ مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين".

لا يحتاج المسلم العاقل إلا أن يعمل عقله وبصيرته قليلاً في هذا العهد النبوي الشريف وبنوده، ليدرك تمام الإدراك مدى سماحة وتسامح الإسلام مع غير المسلمين، فما بالك فيما بينهم بعضهم البعض؟ ودون الحاحة لوسيط أو مفسر، ليراجع النص المباشر في بعض مواضع القرآن الكريم في سورة سبأ 24 وسورة البقرة 256 وسورة الكهف 29 وسورة النحل 125 وسورة آل عمران 64 وسورة العنكبوت 46 وسورة الغاشية 21 إلى أخر السورة..! هي آيات تامة الوضوح تشترك كلها في نفس السمة، وهي عدم الميل لفرض الرأي أو العقيدة على الغير أو الإكراه في قبول الأشياء، وتشير في مجملها إلى وجوب استخدام منهج الإقناع بالحوار، فعلى الرغم من اعتماد النص صيغة الدين الواحد "إن الدين عند الله الإسلام"، فإن سياق القرآن لم ينفي وجود الأديان الأخرى، ولم يحظر وجود المبادئ والمعتقدات المختلفة، بل أنه خاطب الجميع معترفاً بوجودهم وترك لهم حرية الاختيار وتدبر الأمور.

أما فيما يتعلق بمحاربة رسول الله للشرك وعدم قبوله من المشركين إلا أن يُسلموا أو يُقتلوا..؟ فهذا الأمر مختلف تماماً، فمشركي مكة بالخصوص وقفوا بعصبية في وجه الدعوة للإسلام، ومنعوا النبي عنها بالقوة واضطروه ومن تبعه للهجرة والخروج من مكة، وقاموا بهدم دور المهاجرين والاستيلاء على ما لهم من ممتلكات ومال ومتاع، بل أنهم خرجوا إلى بدر لقتاله ووأد الدعوة في مهدها.. ومن هنا فقد كان موقف الرسول دفاعياً ومحارباً للقمع والقهر ورفض الحرية..! وهذا موقف لا يمكن تفسيره خارج سياق تأكيد الترسيخ لحرية المعتقد والدفاع عن الحق في الاختيار وليس العكس..!.

ورسالتي الأن لدعاة التشدد والرفض الذين يروا في حرية العقول والتسامح مع النفس خطورة وتجاوز في حق الدعوة.. لستم أكثر حكمة وعقلانية من الرسول الكريم الذي تدًّعون زوراً التمسك بسُنته الشريفة، ولن تكونوا أوسع كرماً منه، هو من توج البشر جميعاً وشرفهم وألَّف بينهم بمنح العفو الأعظم في تاريخ الإنسانية.. صلى الله عليه وسلم..!

إعلان

إعلان

إعلان