إعلان

بن لادن.. ياختي عليه!

سلمى أنور

بن لادن.. ياختي عليه!

03:46 م الإثنين 01 يونيو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- سلمى أنور:

يشغلني وجدان البنت المصرية.. يشغلني كيف كانت وكيف أصبحت.. كيف ثارت في الماضي وما سمت ثورتها اليوم.. كيف تظاهرت في القرن الماضي وكيف تتظاهر اليوم.. ومن كان فارس أحلامها بالأمس ومن فارسها اليوم.
 
مازلت أذكر جدتي رحمها الله.
 
امرأة بها بقايا رشاقة وأناقة من تلك التي اتسمت بها نساء مصر في أربعينيات القرن الماضي.
 
أذكر صورتها باللونين الأبيض والأسود في صحبة جدي وهي ترتدي "التايور" القصير الرسمي أمام كازينو "السعادة" أو "الأوقات السعيدة" أو اسم مضحك من هذا القبيل!

تلك الوقفة الواثقة الأنيقة يزيدها أناقة الشعر الأسود مرفوعا لأعلى بطريقة مقتبسة من ليلى مراد ذات نفسها!
وأذكرها وقد قررت أن تغتصب حقها الأصيل في التعلم اغتصابا، الحق الذي انتهكته ظروفها وأيامها الصعبة ويتمها المبكر، فتمسك بعد أن يخلد الجميع للنوم بكتاب قراءة المدرسة الابتدائية الخاص بي لتستوثق من أنها لم تنس كل الحروف بعد.

وأتذكرها كذلك وهي تتغزل مأسورة مسحورة في حسن الملك فاروق كأنما هو الملك الوحيد في العالم بأسره،  أو كما لو كانت تحكي حكاية خرافية بطلها لا أبهى منه ولا أوسم.
كانت في محفظتها صورة بالأبيض والأسود للملك فاروق قالت إنها حصلت عليها بينما "كانوا يوزعون صوره في عيد اعتلائه العرش"، تستخرج الصورة خلسة في العصريات الرائقة لتحكي لي عن ذلك "القمر" الذي كان وكان زمانه وكان قصره وكان موكبه وكان عرشه.

أما عبد الناصر والسادات وسواهم فلم يكونا على خريطتها العاطفية.. وحده الملك فاروق كان يتربع على عرش خيالها منذ صباها.  
ربما تعاطفتْ قليلا مع عبد الناصر بعد وفاته ولدى رؤيتها حزن ولدها (خالي)  عليه، ربما ساعتها فقط شعرت جدتي أن عبد الناصر يستحق شيئا من الإعجاب، لكن ظل بالنسبة لها الملك فاروق هو فارس الأحلام, حين كان فرسان الأحلام ملوكا.
***
جيل أمي وخالاتي كان مختلفا في المزاج والموقف من الحياة وبالتالي في رسم صورة فارس الأحلام.

جيل من الآنسات الرشيقات من ذوات "الميني جوب" يرتدن الجامعات المصرية جنبا إلى جنب مع زملائهن من الشباب متحديات بذلك الكثير من تقاليد عائلاتهن والكثير من الخزعبلات الاجتماعية آنذاك.

جيل تفتح وجدانه على أفلام فاتن حمامة وماجدة كالباب المفتوح وجميلة بو حريد والأيدي الناعمة ومجلة حواء النسائية التقدمية, وتفتحت آذانهن على مقولات تحرر المرأة كمقدمة لتحرر الأمم.
جيل من النساء حلمن برجال ثوريين، بعضهن كن مستعدات للحلم بعمال منهكين ومفوهين يمسكون "مفك عشرة" في يد، وفي الأخرى شعارا ثوريا ما يقتص للعمال من أرباب العمل المستغلين.
فتيات اكتست جدران غرفهن بصور جيفارا وناصر جنبا إلى جنب مع صور عبد الحليم وسودت صفحات كراساتهن كلمات أمل دنقل وأحمد فؤاد نجم.
إنه جيل "الأبيض والأسود" كما أسميه.

أما جيلي أنا، مواليد الثمانينات، فقد هلت علينا بواكير الألفية الجديدة ونحن في مدرجات الجامعة، وفي خلفية سمعنا ووعينا منذ تسعينيات الألفية المنصرمة خطابات محمد حسني مبارك الرتيبة وأخبار صراع الداخلية  "الرهيب" لاجتثاث جذور التطرف.
 
 في ذلك الوقت لم يكن هناك فاروق ولا ناصر لنحلم بأيهما. كان هناك رجل وحيد أرادت له الميديا العالمية أن يصبح الرجل الأيقونة: بن لادن!
الثري المجاهد ذو الذقن والنظرات الثاقبة والجسد النحيل، الرجل الذي، رغما عن الجميع، احتل مركزا متقدما في استطلاعات رأي نساء الغرب في مطلع الألفية لـ "صاحب أجمل عينين"! فما بالك بفتيات المنطقة؟!.

في تلك السنوات كان بن لادن الرجل الحلم لدى كثير من فتيات مصر والمنطقة بعينيه اللامعتين وتقشفه على الثراء وبخطابه الناري المناوئ للغرب وبمدفعه الرشاش المعلق على كتفه بينما يراوغ مطارديه عبر الدروب الجبلية بقلب جسور. لم يكن ينافسه آنذاك إلا حسن نصر الله  بوجهه المستدير ولثغته اللطيفة غير المتناسبين مع خطاباته النارية ووقوفه بحزب الله كالشوكة في جنب المحتل الإسرائيلي.

كان كلا الرجلين يمثلان خط المانعة الأخير تقريبا في المنطقة في وقت كانت فيه الأنظمة الحاكمة منسحقة أمام القوى الكبرى ومتمحورة حول مصالح رجالها الضيقة والقريبة.
لا زلت أذكر زميلة دراستي ذات الشعر الأحمر الناري والأناقة الباريسية والتي جاءتنا ذات صباح وقد ارتدت الزي الإسلامي  لتبدأ أمام دهشتنا رحلتها الشرسة للدفاع عن بن لادن وتنظيم القاعدة وأفغانستان الإسلامية في كل محاضرة ومنتدى ومؤتمر. أما في الجلسات "الحريمي" والأقل رسمية  فقد كان شعارها  "بن لادن؟ ياختي عليه"!.

أما اليوم، أقلب عيني في خلق الله باحثة عمن عساه يكون الرجل الأيقونة في الوجدان الجمعي لنساء مصر فلا أجد سوى خيار من اثنين لا ثالث لهما؛ الأول: الرئيس عبد الفتاح السيسي وقد أطل علينا ببقايا الحلم الناصري والأغاني الوطنية التي تدغدغ المشاعر. وعلامة الفتاة صاحبة هذا الاختيار أن لها سهما في مشروع قناة السويس الجديد!.

 أما الثاني: فهو جون الجهادي أو jihadi John   كما أسمته الصحف الغربية, بغموض وجهه المتخفي وبنيانه الجسدي المتماسك ولكنته الإنجليزية الأنيقة، الذي أطل علينا عبر مقاطع الفيديو الداعشية المثيرة بحلم دولته الطموح...  وفتاة جون الجهادي لن تعرفها إلا المقربات لها من الصديقات ممن تجرأ أن تقول أمامهن "Jihadi John؟ ياختي عليه"....وله في خلقه شئون!.

إعلان