إعلان

رف السينما - وردة.. فرصة جديدة للسينما المصرية؟

ممدوح صلاح

رف السينما - وردة.. فرصة جديدة للسينما المصرية؟

12:56 م الجمعة 19 يونيو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - ممدوح صلاح :

أفلام المادة الفيلمية المكتشفة (Found footage) تقريباً بقت نوع مستقل بذاته من السينما، ظهر من التمانينات في حاجات زي (Cannibal Holocaust)، لكن انتشر بعد النجاح الكبير لـ (The Blair Witch project) في 1999. وبعدها طلعت مجموعة كبيرة من الأفلام الأجنبية اللي بتلعب نفس اللعبة.. تصوير أحداث الفيلم من كاميرات محمولة أو كاميرات فيديو منزلية أو كاميرات مراقبة، بحيث يبدو وكأن المعروض قدامنا عبارة عن مادة وثائقية صورها الأبطال نفسهم وتم العثور عليها فيما بعد واتعمل لها مونتاج فكونت الفيلم، وغالباً ده بيرتبط في القصة بإن أبطال الفيلم يكونوا ماتوا أو فقدوا في نهاية الأحداث.

بيصاحب النوع ده من الأفلام شوية غموض في الدعاية، وإختيار ممثلين مش معروفين، وأحياناً إخفاء أساميهم في التترات. كنوع من تكملة اللعبة وزيادة الإيهام بإن الفيلم ده "حقيقي".. لكن طبعاً الأفلام اللي كان ممكن تنتشر عليها إشاعات زمان إنها حقيقية فعلاً، دلوقتي بقى معروف ومفهوم تماماً إنها مجرد أسلوب مختلف لتقديم السينما الروائية. بس هو جو عام بيخليك تندمج وتتعايش مع الناس اللي الفيلم، ويسهل تصور إن اللي حصل لهم ممكن يحصلك.

الأفلام دي بتبعد عن أجواء هوليوود التقليدية. الممثلين أصحاب الأجور الكبيرة، والتكاليف العالية، والمؤثرات البصرية الضخمة. وده إنتاجياً خلى أحد أشهر النماذج للنوع ده هو فيلم (Paranormal activity) اللي اتكلف 15 ألف دولار ولما اتعرض في سينمات أمريكا عدت إيراداته 100 مليون دولار.

فيلم (وردة) اللي اتعرض في نهاية 2014، على حد علمي هو أول فيلم رعب (Found footage) مصري يعرض في السينما.. هل ده سبب كافي للوقوف عنده وتوثيقه كحدث سينمائي؟.. في رأيي: أيوه.. لأن ظهور الفيلم ده بيفتح الباب لمجموعة من التساؤلات..

ليه النوع ده ماتنفذش قبل كده في أفلام طويلة مصرية مع إنه منتشر في العالم من حوالي 15 سنة؟ وهل غياب التكاليف الكبيرة ومشاهد الجرافيك المعقدة ممكن يبقى سبيل لإننا أخيراً ننتج أفلام رعب قابلة للتصديق؟.. هل المعايشة اللي بتيجي مع النوع ده ممكن تحسس المتفرج بالإشتراك في الحدث وتكسر الحاجز الموجود ما بينه وما بين تجارب الرعب المصرية السابقة، اللي معظمها بيعامل في النهاية على إنه كوميدي؟.. بإختصار، هل الفيلم ده ممكن يبقى حجر أساس لبناء مجال كامل غايب عننا وهو سينما رعب مصرية؟!

11

(وردة) نزل وهو محاط بنوع من التكتم، اسماء الفنيين القائمين عليه أو الممثلين لم يعلن عنها طول الحملة الدعائية اللي سبقت نزول الفيلم، واستعانوا في الإعلان التشويقي بلقطات من الإنترنت بتظهر علاج حالات "حقيقية" من المس في برامج التليفزيون.. الغرض من الحملة كان إثارة حماس وفضول الجمهور تجاه الفيلم الغامض. ولو هنقيس نجاح الفيلم بإيراداته، فآخر ما اتكتب عنه هو إنها تجاوزت المليون جنيه. وهو رقم مش كبير.. بس مقارنة بإنتاج الفيلم اللي اتكلف ولا حاجة تقريباً فهو نجاح مش بطال. وطبعاً كالعادة الأرقام الخاصة بتكاليف الإنتاج والإيرادات في مصر تقديرية مش رسمية.

الفيلم من تأليف (محمد حفظي) صاحب (ملاكي إسكندرية) و(تيتو) و(السلم والتعبان) وإخراج (هادي الباجوري) صاحب فيلم (واحد صحيح).. تركيبة بتوعدك بمؤلف علي قدر من المهارة والخبرة، ومخرج من خلفية بصرية من عالم الفيديوكليب والإعلانات. وبيحكي عن مدون شاب بيرجع البلد لما بيلاقي أخته حالتها النفسية سيئة، وبيوثق فترة إقامته بكاميرات الفيديو بالذات لما بيكتشف إن حالة اخته ممكن تكون أكبر من المرض النفسي، وبيحاول يثبت لنفسه وللي حواليه إن المس والعفاريت دى خرافات مالهاش أساس.

إختيار الموضوع مناسب جداً لثقافتنا الشعبية، وللناس اللي عندها درجة من الإيمان بالجن والمس وخلافه. وسهل يقنع الجمهور ويثير إهتمامهم ورعبهم كمان. وإختيار بيت عيلة في بلد ريفية مناسب برضه لأنها طبقة إجتماعية وثقافة مش موجودة في الأفلام الأجنبي فممكن تقدم حاجة مختلفة للجمهور المتعود على أفلام الرعب الأجنبية .. بس غير كده كل حاجة تانية في الفيلم موجودة في الأفلام الأجنبي زي ما هي بالظبط.

على مدار زمن عرض الفيلم الشعور اللي كان بيتزايد عندي هو الغضب. برغم أي مجهود مبذول من الممثلين أو الفنيين، إلا إن السيناريو كان بيخليه مجهود ع الفاضي. الموضوع عدى مرحلة التأثر بـ (Paranormal activity) وأفلام النوع ده عموماً ووصل لمرحلة النقل الصريح، وده استخفاف كبير بالجمهور وبناء تجربة الفيلم بالكامل على إن المؤلف شاف الأفلام الأجنبي دي وانت لأ!

على الناحية التانية (هادي الباجوري) حاول يخفي أي جماليات ميزت أعماله السابقة، وده في بعض الأحيان كان بيخلى الصورة واقعية، وفي بعض الأحيان كان مبالغ فيه .. مثلاً الكاميرات اللي بيستخدمها في المراقبة من نوع (GoPro) والصورة المنتجة منها في الحقيقة أحسن بكتير من صورتها في الفيلم، فواضح إنها خضعت لمؤثرات في المونتاج حاولت تخلي شكل صورتها أسوأ .. وده كان ممكن يبقى مناسب لأفلام بداية الألفية. لكن دلوقتي حتى الجمهور اللي مش عارف نوع الكاميرا - اللي بتظهر في مشاهد الفيلم - عارف إن كاميرات الهواة وحتى الموبايلات بقت تطلع صورة جودتها عالية. ماكنش فيه داعي لإفساد الصورة عمداً، بالنسبة لي ده بيقلل من المصداقية. وماكنش في داعي برضه للجودة السيئة للصوت في بعض مشاهد الحوار, لو كان الصوت واضح ماكنش هيقلل من واقعية الفيلم ولا حاجة.

اعتقد إنه في الإجابة على الأسئلة السابقة .. الفيلم مانجحش إنه يقدم أي جديد، أو يطرح نفسه كبديل مصري لأفلام الرعب الأجنبي بحيث يستفيد من الثقافة الشعبية وخصوصيات المجتمع. لو في فرصة في إنتاج المزيد من أفلام الرعب قليلة التكلفة فلازم تتعمل بعناية أكبر من كده، وإيرادات الفيلم العالية – نسبياً – هي دليل على إن الناس مهتمة بالنوع ده، وإنه ممكن جداً ينجح.

حتى على مستوي المزايا اللي بيسمح بيها الشكل الإنتاجي ده عامة، الفيلم ماعرفش يستفيد منها.. يعني تصوير الفيلم بالكامل ممكن يتم في أقل من أسبوع. طب ليه ماتمش رؤيته ومراجعته أكتر من مرة والتعديل فيه؟ سواء على مستوي القصة والحوار المفتعل أو الإيقاع أو تنفيذ بعض المشاهد. وليه ماتنفذش مشهد الجرافيك الوحيد بقدر أعلى من الإتقان، وبالذات إنه في النهاية ومؤثر في إنطباع المتفرج عن جدية أو هزلية الفيلم؟ .. لو فيه ميزة للإنتاج منخفض التكلفة فهي المرونة في التعديل والتكرار والإرتجال أحياناً وتغيير المسار أحياناً، الحاجة اللي بتفتقدها الأفلام الكبرى اللي بتبقى حركتها تقيلة زي الوحوش العملاقة لأن كل خطوة فيها إعادة تنفيذها هتحتاج لوقت ومجهود وفلوس كتير.. روح الهواة والرغبة – المفقودة هنا – في تقديم حاجة جديدة وأصلية, هي اللي كانت ممكن تخلي الفيلم ليه مكان خاص ونفتكره لوقت طويل. وهي اللي خلته فيلم متواضع بعد سنتين تلاتة ممكن ياخد مكانه فيلم يستغل نفس الفرصة ويبقى في قيادة موجة جديدة من أفلام الرعب المصرية الجادة.

إعلان