لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وجهة نظر: الخلاصة أفعال.. لا أقوال..!

محمد أحمد فؤاد

وجهة نظر: الخلاصة أفعال.. لا أقوال..!

10:34 م الجمعة 05 يونيو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

سبق السيف العزل.. ولم يعد هناك مجال للتفاوض على فرص أو استثناءات، الأمر بات محسوماً وعلى ''جماعة الإخوان''.. أو يصح القول ''ما تبقى لها من إخوان'' تدبر أمورهم بما هو متاح، وهو لو يعلمون قليل.. قالها السيد/ رئيس الجمهورية واضحة وصريحة لا تحتمل أي تأويل.. قالها ثم غادر إلى جولة أوروبية تبدو قصيرة زمناً، لكن ربما كانت أشواطها الاستراتيجية هي الأطول في تاريخ أي جولة قام بها رئيس مصر خلال الربع الأول من فترة ولايته..!

قرابة العام يمر على التصحيح الأهم لمسار مصر السياسي منذ ثورة الشعب في يناير 2011، ومن خرجوا من المشهد جُل ما صنعوا هو أقوال لا أفعال.. فلا هم عادوا للمشهد السياسي كما أعلنوا، ولا هم استطاعوا إقناع العالم بأنهم يستحقون معاش الضحية..! بل تمادوا بمراحل ولم ينتهجوا إلا العنف بأنواعه كافة، تجاه كل ما هو مصري في أي محفل سُمح لهم بالظهور خلاله بحجة الديموقراطية أو حرية التعبير.. فقط تناسى هؤلاء أن للعالم الأن أذهان وعيون وأهداب تعي وتراقب وترصد، لكنها لا تتحدث إلا لغة واحدة فقط هي لغة المصالح.

الجولة قاربت على الانتهاء، وتبوح نتائجها المبدئية بأن أهدافا تحققت وأتت بثمار جيدة سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً، لكن يبدو أن البعض فاقت طموحاته الحدود الزيارة والأبعاد المعدة سلفاً، وظن أن أحد أركان تلك الجولة هو توطيد أواصر الود والمحبة مع شعوب أوروبا، والشعب الألماني على وجه الخصوص.. لكن الأمر ليس كذلك، والرحلة لم تكن من بدايتها لتتجه لهذا المنحى، لكنها من وجهة نظري زيارة ذات توجهين أساسيين، أولهما اقتصادي بحت، والثاني سياسي تشوبه ملامح دبلوماسية.. الحفاوة والترحاب كانت في حدود البروتوكول المقبول كعادة الألمان، ولم تكن من المبالغة في شيء كنظيرتها في روسيا مثلاً، بالطبع لاختلاف الثقافة والعادات، والظروف أيضاً.. وحتى لا نزايد على مواقف أي طرف، فمصر تزور ألمانيا رسمياً كعميل تجاري هام، وحليف استراتيجي لا غنى عنه، ومن ثم حرص الطرفان على أن تكون المحصلة النهائية هي إتمام النتائج دون أي تعكير لصفو العلاقة التي اعترها مؤخراً ما اعتراها من تباين في وجهات النظر.

البروتوكول الألماني في المعتاد فاتر وجاف لا يعرف المجاملات، ولا تشوبه أي مبالغة أو استثناءات، والشعب هناك رقيب وشريك وليس محكوم، لذا يحرص من في سدة الحكم على عدم الخروج عما تنص عليه الأعراف الألمانية خوفاً من المسائلة الشعبية قبل القانونية..! وأدعي هنا أنني أعلم قدر معقول عن الثقافة الألمانية بحكم التعايش معها لقرابة العقدين، فالألمان لا يغيرون من طباعهم على سبيل المجاملة، لكنهم يحترمون الثقافات الأخرى ويقدرونها بشرط ألا تكون مبتذلة أو متجاوزة أو شريرة.. ولمن لا يعلم، فالألمان ليسوا شعباً واحداً ولا ثقافة واحدة، ولكنهم أطياف عدة تجمعهم قوانين وأعراف لا يخرج عنها أحد، وتعد التركيبة الاثنية في ألمانيا هي الأكثر تعقيداً بين شعوب أوروبا، حيث أنها محصلة لخليط مدهش من الأصول القبلية الأوروبية، فكانت قبائل الجرمان والكلت والإيران والبلطيق والسلاف والفرنجة هم المكونات الأساسية للشعب الألماني الحالي، بالإضافة للمهاجرين من أصول مختلفة.. وبالرغم من الاختلاف في الأصول العرقية، فقد نجحت ألمانيا في تقديم أرقى نموذج من العدالة الاجتماعية والمساواة لإدارة دولة على مستوى العالم.. لكن هذا لا يمنع أن العنصرية هي ملمح أساسي في طباع الدولة هناك، لكنها أكثر تهذيباً الأن مما كانت عليه قبل انكسار ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية 1939 : 1945..! على أثر تلك التقدمة التاريخية، وجب الإشارة إلى أن ردود الأفعال الإعلامية في ألمانيا لتغطية الزيارة من الصعب أن تمرر ما حدث من تجاوزات مبتذلة لبعض أفراد ممن رافقوا الوفد الشعبي الذي سافر وراء الوفد الرسمي بغرض الدعم والتأييد مرور الكرام، وربما هذا هو أحد أسباب الفتور الواضح في رد الفعل الشعبي وليس الرسمي هناك.. فالمجتمعات الأوروبية بطبعها ليست مهيأة لتقبل مظاهر الاحتفالية المفرطة والمبالغ فيها إذا ما رافقت بعثة رياضية مثلاً، فما بالنا إذا ما صاحبت وفد حكومي رسمي يتصدره رئيس جمهورية..؟

الهدف الاقتصادي تحقق بامتياز وأظنه ألقى بظلال سياسية هامة ومؤثرة، فمصر سجلت رسمياً خطوة ثابتة نحو استعادة مكانتها الدولية، وقامت بتثبيت شرعية الإدارة الحاكمة المدعومة شعبياً باكتساح، وبكل المقاييس هو إنجاز يحسب للإدارة المصرية ويتوافق أيضاً مع الحسابات الخاصة للحكومة الألمانية.. واقتصاديا أهم تعاقد كان مع شركة ''سيمنز'' التي تمر بضوائق مالية حرجة، وتحتاج لصفقة من هذا النوع لانتشالها من عثرات ربما أصابتها كما أصابت الكثير من شركات الاتحاد الأوروبي العملاقة.. وهي أيضاً تعد رسالة للمنافس الأمريكي الشرس في هذا المجال ''جنرال إليكتريك'' وللإدارة الأمريكية على السواء على طريقة ''نحن هنا..!''.. قدمت الحكومة الألمانية دعماً جيداً بتسهيلات في السداد وقيمة الفوائد البنكية مما سيعرضها لانتقادات شعبية حتمية، لكنها خطوة هامة منحت لألمانيا قدماً راسخة في مصر الحليف الاستراتيجي الأهم لكافة قوى العالم الفاعلة في الشرق الأوسط.

مناورات مصر ناجحة بكل المقاييس، واتجاه الإدارة المصرية للتقارب استراتيجيا مع روسيا وازدهار العلاقة مؤخراً يبدو أنه أتى بثمار إضافية، وكان بمثابة جرس الإفاقة لدول الاتحاد الأوروبي التي سارعت بتصحيح نظرتها للأمور بما يتفق مع خريطة المصالح الدولية شديدة التعقيد.

هكذا فقط تقاس الأفعال والنتائج.. والعبرة بالخواتيم.. المهللون والمنتفعون يمتنعون، وعلى من يجيدون فقط الشكوى والنواح أن يعيدوا حساباتهم قبل فوات الأوان، فالوقت ليس في مصلحة من يضيعه سدى، وكم سمعنا من ضجيج أقوال متضاربة ومتباكية ومتشائمة.. ولم نرى أفعالاً ولا طحناً..!

إعلان

إعلان

إعلان