لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وجهة نظر- هل تخطئ الآلهة..!؟

وجهة نظر- هل تخطئ الآلهة..!؟

10:11 ص الأربعاء 15 يوليو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

مسألة الذات الإلهية هي أمر محسوم، وإن جاهدك فضولك للخوض فيها فأنت إما زنديق بمعايير بعضهم، أو مُجدد بمعايير البعض الأخر.. وبالطبع لست هنا لكي أسكب الزيت على النار بفتح باب الجدل في أمر قد لا تقدم مناقشته أي جديد.. كل ما في الأمر أن استعار الوحشية الممنهجة باسم الدين بات يطرح أسئلة متشابكة ومفادها: من المسؤول عن اتساع دائرة الاستقطاب إلى هذا الحد؟ وما مدى قدرة التطرف على الاستمرار في تصدير صنوف الكراهية والعنف؟ وهل تكفي الاستراتيجيات الحالية ثقافياً وأمنياً واجتماعياً للتعاطي مع الأخطار المترتبة على ما سبق!؟

الآلهة لا تخطئ بالطبع، هي تغضب أو تثور وتتعارك حسب الموروث الشعبي في بعض المعتقدات، لكنها في حالتنا المتفردة هنا لا أظنها تحتمل تجزئة أو تعددية، أو تقبل مجرد التشكيك.. الذات الإلهية في الديانات السماوية من علوم الغيب حيث لا تنفُذ المخلوقات إلا بسلطان.. والدين قد حدد العلاقة بين الفرد والإله ببساطة في مساحة روحانية خالصة وخالية من أي تبعات مادية، فالإنسان ليس له أمام ربه إلا عمله فقط، وسوف يُجزى به، ولن ينوب عنه أحد من البشر أو يحمل أوزاره.. بالتالي فالمسؤولية هنا فردية بحتة ولا مجال للوساطة والكهانة والتأويل، لكن ربما لسوء الطالع ظهر بيننا من ظنوا أنهم بشيء من الدجل الفكري والتدين الظاهري يستطيعون اختصار مساحة الروحانية تلك، وتنصيب أنفسهم حكماء وفقهاء وقضاة يتحكمون في عقائد البشر ويسيرون بهم كالقطعان لمصائر غير معلومة المدى تحت مسميات عدة، كالجهاد والخلاص وغيرها..! وتحضرني هنا نماذج مختلفة للتطرف الفكري الذي اقترن بجرائم عنصرية، أو على الأقل مهد لها حتى أصبحت جزء من الواقع..

مائير ديفيد كاهانا 1932 : 1990 متطرف يهودي من أصل أمريكي أسس حركة كاخ العنصرية في دولة الاحتلال الصهيوني، وبصفته الدينية وخلفيته التلمودية المتطرفة قاد الدعوة لمعاداة العرب، وسعى لتهجير الفلسطينيين ومحو العنصر العربي بالقوة تماماً من الأرض المحتلة، وقد جاءت نهايته برصاصتين في العنق أطلقهما الأمريكي من أصل مصري سيد نصير حيث أرداه قتيلاً على أثر أحد الخطب التحريضية التي ألقاها في فندق بحي بروكلين الشهير في نيويورك نوفمبر 1990..

أندرس بهرنج بريفيك مسيحي محافظ معادي للإسلام ولد في النرويج فبراير 1979، والده دبلوماسي عاش في فرنسا، اضم أندرس للحزب التقدمي اليميني المتطرف، وقام في يوليو 2011 بالتنكر في زي شرطي وفجر قنبلة داخل مبنى حكومي أسفرت عن مصرع ثمانية اشخاص، ثم توجه لاقتحام معسكر صيفي في جزيرة أوتويا وفتح النار من سلاح آلي على مجموعة من المراهقين فقتل أكثر من سبعين فرد في جريمة هي الأبشع في تاريخ أوروبا يقوم بها شخص بمفرده.. بعد فحص سجل أندرس عثرت الشرطة على وثائق تخصه تدعم دولة الاحتلال الصهيوني بوضوح في توجهاتها العنصرية تجاه العرب والمسلمين..

وأخيراً في نفس السياق، استوقفني مقطع تسجيلي لشخص يُدعى حجازي محمد يوسف شريف وشهرته أبو إسحق الحويني جاء فيه أن الفقر الذي أحل بالأمة الإسلامية سببه تنحي الناس عن فضيلة الجهاد، وأن ما قد يحرزه المجاهد في غزوة ما قد يكون أكثر بمراحل مما قد يحققه من وراء صفقة أو تجارة، بشرط أن تكون النية فقط معقودة على إعلاء كلمة الله وليس السعي وراء الغنائم.. هذا بالإضافة لما قاله عن أحقية المجاهد في سبي النساء وأسر الرجال والأطفال.. وللأمانة حاول هذا الكائن تصحيح ما قاله لاحقاً في مقطع أخر، لكنه ما لبث أن فسر الماء بالماء ولم يستطع الخروج من هذه السقطة، بل أظنه قد عمق الجُرح بما يكفي..!

إذا كان القاسم المشترك سلوكياً في الحالات السابق ذكرها هو تطرف ديني مقترن بالعنصرية، وثلاثتهم يمثلون ديانات سماوية يَدَّعي القائمون عليها بأنهم يقبلون بالتعايش وبالاختلاف مع الأخر في الرأي والرؤية، فكم من الدماء ستنزف إذاً، وكم من الوقت سنستغرق لنستطيع تجاوز تلك التمثيلية السخيفة وهذا الفكر المتحجر؟ هل تعي تلك المخلوقات ما تفعل حقا؟ وإلى أي منطق يستندون؟ وهل هناك عقلاء يستطيعون مقارعتهم بالحجة والبرهان لضحد أيديولوجيتهم السقيمة؟ مثل هؤلاء من سفراء الجاهلية يسهل رصدهم وحصارهم أذا ما اعترفنا أن مرادهم هو تطويع النصوص المقدسة لتكون نواة لحُكم أساسه المذهبية والطائفية، وأن تصبح أفكارهم الشاذة هي الشريعة الأساسية في حياتنا اليومية..

العقل البشري لم يستوعب في البدء فكرة وجود معبود غير مرئي أو ملموس، لأنه لم يتمكن حينها من استيعاب اداء الحواس وتوظيفها كما ينبغي، فكان عليه أن يجرب ويفاضل ثم بعدها يتخذ القرار.. وبهذا استطاع أن يفرق بين الخطر والأمان، والنافع والضار، والحلو والمُر، وهكذا.. وكلما تقدم به العمر وعظمت مساحة التجربة، تجده يصل إلى خانة المفاضلة بين الغث والسمين، وعندها فقط تبدأ ملامح الحضارة في التبلور، الإنسان الأول تأمل واجتهد وأصاب، أما الإنسان الحالي فأظنه زهد التجربة والجهد وغلبه الخوف على ما أحرزه من رفاهية مفرطة، لهذا اكتفى بما يُقدم إليه من خلاصة هي في الغالب تعادل في تدني مستواها عصارة التخلف في عصور الجاهلية..

البشرية تَمُر بأخطر مرحلة على الإطلاق حيث بلغ الاستقطاب أقصى مدى، والفتنة حدثت واقترنت بإرهاب أسود تتوعدنا به عصابات من المرتزقة تريدنا خاضعين مستسلمين.. الحلول التقليدية لن تصلح لهذه المرحلة، وأخشى أن الأجيال الجديدة لم تعد تستوعب هذا الإخفاق، القيم المجتمعية السليمة والصحيح من الأديان تتراجع أمام طوفان الحداثة الذي لا يقبل الترويض، فإما أن نجتث التطرف ونعيد حرث الأرض.. أو أن نستسلم للطوفان ونترك مهمة الإصلاح لمن قد تُكتب لهم النجاة.. سواء اخترنا هذا أو ذاك وجب الاعتراف بأن جُل الخطأ هو أننا آثرنا الصمت طويلاً وتركنا عقولنا فريسة للجهل والتجهيل حتى انتهينا لهذا الوضع المتدني..

وبمعايير العصر الحالي الآلهة قد تغضب بسبب ما اقترفناه ومازلنا نقترفه من آثام في حق أنفسنا.. لكنها لا تخطئ أبداً..!

إعلان

إعلان

إعلان