لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إيران.. الحصان الأسود أم حصان طروادة..!

إيران.. الحصان الأسود أم حصان طروادة..!

08:22 م الأحد 09 أغسطس 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد أحمد فؤاد:

ترى أي دور تستعد له إيران في الشرق الأوسط بعد أن أُسقط رسمياً عنها إرث سنوات طويلة من العُزلة والخوف..؟ ربما ستتباين الآراء.. فالبعض قد يراها حصان طروادة الذي يستعد للانقضاض على المنطقة والتهامها في غفلة من أصحابها، والبعض الأخر قد يحسبها حصان أسود سهل الترويض قد يساهم في انتشال المنطقة المنكوبة من مستنقع الهيمنة الاستعمارية المهين..! الثابت أن لكل طرف من أطراف المعادلة حساباته الخاصة بهذا الشأن، وهذا ما قد ظهر جلياً في التصريحات المتضاربة لممثلي دول التفاوض الكبرى بعد مخاض صعب نتج عنه اتفاق يبدو لوهلة ساطعاً، ولكن أحسبه جاء اضطرارياً بسبب تباين ظروف وتطلعات كل طرف ممن عايشوه عن قرب وتدخلوا في صناعته.

لا شك أن عودة أيران لمضمار السابق له وقع وأثر فعال، أراه مُبرراً لدى قوى استيطانية ذات نفوذ وأطماع توسعية، وإن كان نفس هذا الوقع مثير للشفقة لدى البعض الأخر ممن يملكون الأرض ومصادر الثروات لكن لا أظنهم يملكون شجاعة صنع القرار، الواقع أن إيران لم تكن بعيدة تماماً عن الساحة، ففي خضم ما أتت به الأقدار خلال العقود الثلاث الأخيرة كان لها حضور لا يمكن تجاهله على المستوى المذهبي والسياسي والاقتصادي، لكنها ربما اكتفت بالظهور دائماً في عباءة الخصم لا الصديق، وبالرغم من الحصار المفترض فقد تعدى دورها هذا الحضور الملحوظ، حتى أنها صارت تلعب أدواراً مباشرة أو من خلال وسطاء لصالح قوى دولية عظمى، وبصورة متكررة أخلت في أغلب الأحيان بتوازنات علاقاتها مع دول الجوار والحلفاء.

نواة التوتر ستظل قائمة على علتها المذهبية طالما تشبث الملالي الشيعة بموقفهم من المسائل العقائدية الخلافية، على شاكلة مسألة العصمة للأنبياء والأئمة، والاستغاثة والتوسل، والمهدي المنتظر، وهي أمور يصعب حسمها بالحوار خصوصاً أنها تصب في خانة تكفير من يعتنقها لدى الأغلبية السُنية، لكن بصرف النظر عن هذا البعد المتشدد نوعاً، فهي مسائل يمكن اخضاعها بسهولة للنصوص المتفق عليها من الجميع لحسمها، فقط إذا ما خلصت النوايا ورجحت كفة العقل.. أما بخصوص الخلافات الفقهية مع أصحاب المذهب السني كالخُمس، وزواج المتعة، والسجود على التربة الحسينية، ووضع اليدين على الصدر عند الصلاة، وصيغة الآذان، والتطبير (إيذاء الجسد والإدماء في ذكرى معركة كربلاء)، فأغلبها أمور تعبدية دنيوية تصب في خانة العادات، والخلاف فيها يمكن تجاوزه بالحوار والتناظر، هذا بالطبع بعد اخضاعها للمناهج الفقهية المعتدلة لدى أطراف الخلاف كافة.

لسنا هنا لكي ننبش في أغوار الخلاف الفقهي أو لمحاولة تجاوزه، ولندع هذا لأصحاب الشأن من المتخصصين.. لكننا نسعى لطرق الحديد وهو ساخن فيما يتعلق بمستجدات الخريطة الجيوسياسية وما يحيطها من تحالفات وتفاهمات وتطلعات ومصالح لتحقيق أعلى استفادة ممكنة إقليمياً.

الكيان الصهيوني المحتل كان أول من بادر بالتحرك بقوة على كافة المستويات لكي يجهض أي نجاحات متوقعة قد تحرزها إيران من خلال المفاوضات المباشرة، الأمر الذي انعكس بالسلب على مدى تقبُل دول عربية عديدة لمبدأ الحوار مع إيران من الأساس.. الصهاينة يعرفون جيداً قدرة إيران على المناورة، وهم يرتعبون من مجرد تصور أي تقارب سُني - شيعي من شأنه أن يمهد لبزوغ تحالف قوى جديدة في المنطقة قد يهدد وجودهم كما يحلو لهم الإدعاء، وليس جديداً أيضاً أنهم على دراية كافية بالطموحات الاستراتيجية لدول التفاوض (مجموعة 5 + 1)، لكن الأهم هنا أنهم بالفعل متأثرون وبشدة من المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات في الأرض المحتلة، الأمر الذي عجزت كل حكوماتهم عن احتوائه أو الالتفاف عليه، لهذا فظهور إيران كقوة اقتصادية مُنتجة سيؤثر بالضرورة على قدرات إقتصاد هذا الكيان المحتل ويربك حساباته المستقبلية، وربما سيحد بنسبة كبيرة من جدوى طموحاته الاستيطانية، أما بالنسبة للدعاية التي أطلقوها عن تخوفاتهم من مخاطر البُعد النووي الإيراني فكان أجدى بهم توجيهها لأنفسهم قبل غيرهم لأنها مسألة تحكمها معايير أخرى أكثر عمقاً من النزعات العاطفية.

أرى الفرصة سانحة لدينا للاستفادة من مجموع المتغيرات السياسية الحالية، فالعرب لا يملكون حالياً رفاهية المغامرة وها هو التوتر يلقي بظلاله على مدى البصر في الاتجاهات كافة، وهم لم يعد لديهم ما يبكون عليه خصوصاً مع ما طرأ من مستجدات على خارطة التحالفات، وظهور قوى جديدة فعالة كروسيا والصين وفرنسا وألمانيا قد يكون التحالف معها بمثابة رمانة ميزان.. والأتراك بما يمتلكون من خبرات يستطيعون بسهولة التحرك لعقد شراكات مُطمئِنة مع الدول العربية تكون مبنية على أسس أكثر شفافية لخدمة مصالح الطرفين.. وهنا تستطيع إيران أيضاً أن تنفُذ إلى تلك المنظومة بما لها من قدرة استثنائية على تهدئة النزاعات الحالية ذات البُعد الطائفي في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين، فلا يخفى على أحد أن إيران عمدت لاستنهاض الأقليات الشيعية في الدول العربية من خلال التلاعب بعواطف الشعور المذهبي، وحاولت وما تزال اختراق الأنظمة الحاكمة هناك من خلال بناء ودعم أحزاب وحركات مرتبطة مباشرة بالحرس الثوري الإيراني، وهنا لا يمكن انكار التأثير المباشر للثورة الإيرانية على التوجهات الأيديولوجية لبعض أبناء دول العالم العربي بمختلف انتمائاتهم الدينية والمذهبية، وكذلك الحال في الدول الإسلامية المجاورة مثل تركيا وباكستان وإندونيسيا.

الحكمة تقتضي من الأطراف المعنية كافة النظر إلى المستقبل بشكل أكثر شمولية، فالمصالح هنا تتقاطع ولا تتعارض..ولن يُعلي من شأن طرف إسقاط الأخر، ولنا في مواقف الاتحاد الأوروبي من دوله المتعثرة إقتصادياً مؤخراً العبرة في هذا الصدد..لذا فإن أي محاولات حالية من أي طرف لاستعادة أمجاد تاريخية في المنطقة على حساب الأخرين أظنها ستنتهي إما بنزاع دامي، أو بفشل وشلل إقتصادي على أقل تقدير..وإخماد الفتن والسيطرة على عصابات المرتزقة وجماعات الإرهاب يتطلب تعاون إقليمي على قدر عال من الوعي والخبرة، أما البناء للمستقبل فلن يتأتى إلا بتحالفات مبنية على احترام حقوق الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأخر.

وأخيراً وليس آخراً.. العرب يملكون النفط والمال والعمالة المدربة وخطوط الملاحة وأسواق التجارة ودروبها، والترك والإيران يملكون التكنولوجيا والآلة الصناعية الكبرى القابلة للتطوير.. والاستعمار سيظل كما هو، ولن تتغير نظرته للمنطقة كمساحة نفوذ ومطامع وسيبقى الكيان الصهيوني تابعه وخادمه فيها.

الأمل معقود إذاً على القيادات السياسية الحالية في الوطن العربي لتحرك فوري لحل هذا اللغز بما يملكون من قدرات أظنها تفتقر فقط إلى التوظيف السليم وشئ من بُعد النظر..! فهل تكفي تلك المعطيات لتكوين نواة تحالف استراتيجي ينتج عنه قوة عظمى شرق - أوسطية فاعلة وليست تابعة..!؟.

إعلان

إعلان

إعلان